دروس من شبكة التجسس:

عربي و دولي

سياسة الكويت الخارجية بين 'مدرسة' وأخرى

4135 مشاهدات 0


كل أزمة في العلاقات الدولية هي شحنة ناسفة تختلف عن سابقاتها،فإما التعامل معها بإستيعاب مكوناتها وتفكيك محتوياتها،أو القفز في خندق وتحمل تبعات المتساقط من شظاياها. ففي عشية الحرب العالمية الثانية 1939م ذهب رئيس وزراء بريطانيا نيفيل شمبرلين ' Neville Chamberlain ' إلى ميونيخ  فانبهر بقوة الرايخ الالماني الثالث، فقرأ هتلر التردد في عينية فاجتاح بولندا ،واستمر صمت شمبرلين بناء على فكر مدرسة عدم التدخل، فلم تطفئ دبابات هتلر محركاتها إلا بعد السيطرة على أوروبا. لكن وصمة عار التردد البريطاني تلك مسحتها رئيس وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر '  Margaret Thatcher' في ضحي يوم من أيام أغسطس 1990م حين لكزت جورج بوش الاب' George H. W. Bush' ليتقدمها في حديقة البيت الابيض قاطعا تردده  وليقول كلماته الخالدة في وجدان الكويتيين لا تفاوض، لا حل وسط، لا حفظ لماء الوجه،ولا مكافأة للعدوان.' no negotiation, no compromise, no face saving, no reward for aggression ' ، سنخرج  صدام حسين من الكويت، ولن نكرر مافعله شمبرلين مع هتلر.
 لقد عرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن لكن ذلك لايعني الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة و الحجم والمصلحة، فلكل دولة او حقبة زمنيه مدرستها السياسية، ففي عام 1910م أقترح طبيب الإرسالية الأمريكية  في الكويت ستانلي مايلريا Dr. Stanley Mylrea على مبارك الكبير  بناء سور حول مدينته ،فقال أبو جابر رحمه الله 'أنا السور'. ملخصا فلسفة مدرسة القائد المهاب سيد شرق الجزيرة العربية .
ومع الاستقلال قامت مدرسة الشيخ صباح الاحمد السياسية التي مارست على الصعيد العربي والدولي دور يتعدى مساحتها. وكان لها عمل دبلوماسي مميز في الأداء والتأثير والأبعاد  لتحقيق أهدافنا الوطنية. لقد أرتكزت مدرسة صباح الاحمد على  إستراتيجية أن المزيد من الأصدقاء يعني المزيد من النفوذ، والمزيد من النفوذ يوفر أفضل رادع كما يقول د. أسيري في(الكويت في السياسة الدولية المعاصرة ).  كما صنعت سلوكيات وتعهدات تلك المدرسة بعدا إنسانيا واعتبارات اقتصادية جعلت الكويت والكويتيين محترمين في جميع أقطار العالم الثالث . ثم لتلعب دور الوساطة في النزاعات الإقليمية بنجاح جعل دور الوساطة أهم الخصائص الرئيسية لسياستنا الخارجية.ولعل أول الوساطات لقاء الجمهوريين والملكيين في اليمن، ثم خلق  المناخ الملائم لحل مشكلة مطالبة إيران بالبحرين. وحل النزاع بين باكستان الشرقية والغربية،وإنهاء حرب أيلول الاسود بين الفلسطينيين والأردن 1970م .والأزمة العمانيةاليمنية، ثم الحرب الأهلية في لبنان.
 
 وبين إحتمالين لاثالث لهما للعلاقات الايرانية الخليجية وهما المواجهة أو القطيعة كما اشار مؤخرا استطلاع  صحفي واسع،ظهرت مدرسة وزير الخارجية الكويتي الشيخ د.محمد الصباح السياسية التي ترتكز على ثلاث قواعد هي خط أمن الكويت الاحمر، والبعد الخليجي لأمن الكويت.وعدم اغلاق النوافذ الدبلوماسية مع أحد .
لقد كان د. الصباح وفيا لثوابت السياسة الخارجية الكويتية التي تحرم التدخل في شئون الاخرين أو زجهم في مشاكلنا للهروب من واقع محلي، فلزم الصمت طوال تداول قضية الشبكة التجسسية الايرانية،وحين نطق القضاء،قال: رفعت الاقلام وقضي الامر...الان ليس لدينا إتهام بل لدينا حقيقة بأن هناك شبكة تجسس هدفها الاضرار بأمن الكويت . ثم امر بطرد الدبلوماسيين المتورطين او من يشغل مرتبتهم . كما كان وفيا لمدرسة الحزم وكأنه يكرر الكلمات التي حررت الكويت ولا زالت صالحة ليسمعها كل من يمس أمن الكويت ' لا حل وسط.' no compromise ' . فهل توقعت ايران  أن نكافأها باطلاق سراح المتهمين؟ ليس ذلك بوارد في مدرسة بوصباح حتى لو أختطفت ايران  كما نتوقع نصف هواة صيد السمك في الخليج .
لقد كان محمد الصباح يتمنى ان يسمع تأكيدات إيرانية باحترامهم لسيادة الكويت وعدم التدخل في شؤوننا بأنوف الخبث والتجسس. لكن أمل  التعامل معنا في ندية واجه تعنت من نجاد تمثل في تبجحه بأن لا شيئ في الكويت يستحق التجسس. لذا حلقت الكويت في فضاء  أهم  دوائر المحور السياسي والأمني في سياستها الخارجية  ففعلت الدائرة الأولى،وهي مجلس التعاون الخليجي فكان  خطاب مؤتمر الرياض قبل ايام خير رد  لتفويت الفرصة على ايران من نقل جرحاها من جبهة البحرين التي خسرتها الى جبهة الكويت التي افتعلت الصخب والاثارة  حولها بدل الاعتذار لتخلق معارك زائفة تشغل بها الرأي العام الايراني الذي مل من تخبط سياسة طهران الخارجية مع الاصدقاؤ قبل الاعداء .
صحيح ان نوافذنا جهة الشرق لازالت مشرعة،ونؤيد استمرار فتحها  لكن' كل أهل الكويت يقفون أمامها وقفة رجل واحد دفاعا عن امن البلاد واستقرارها وسيادتها ' ليس ذلك فحسب بل ويقف كل أهل الكويت خلف د. محمد الصباح ومدرسة الحزم  الواعي التي يدير بها سياستنا الخارجية .

الآن - د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك