هل من حياء؟! هل من خجل؟!- عبدالهادي الصالح لكل من يكيل الإتهامات للمواطنين بالولاء الخارجي ؟!

زاوية الكتاب

كتب 1984 مشاهدات 0


يحبون ولا يخونون 
 
الاثنين 11 أبريل 2011 - الأنباء
 
 

«فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين» من خطب السيدة زينب عليها السلام بطلة كربلاء (5 جمادى ذكرى مولدها السعيد).
***

نعم عندنا من يحب إيران، وهم على أصناف: من يعشق إيران أيام الشاه ويترحم على أيام عبادان وهناك من يدافع عن إيران ثورة الإمام الخميني ويرى أن النظام الحالي قد انحرف عن جادة أفكار الإمام الصافية، هناك من يحب إيران حبا تجاريا للسمك والزعفران والعسل والسجاد العجمي الفاخر، وهناك من يحبها للسياحة في شمالها الأخضر على البحر الأسود، وللتسوق في أصفهان، ومن لا يستغني عن زيارة مدنها المقدسة حيث مشهد الإمام الرضا في خراسان، وقم التي تحتضن فاطمة المعصومة من سلالة آل بيت النبوة، ومن يتعبد الله تعالى في فتاوى علمائها المجتهدين كمرجعيات دينية صرفة، ومن يرى في إيران منطلق عرقه في أجداده الأولين قبل هجرة أجداده الآخرين مع بداية الكويت قبل 300 سنة، ويتضح ذلك من فلتات لسانه وصفحة وجهه، ومنهم من يرى في إيران فكرا إسلاميا جديدا ثابت المواقف في التصدي للدول التي تستكبر على الدول المستضعفة، ومنهم من يرى في فكرة «ولاية الفقيه» مبحثا فقهيا نظريا يشجع على وحدة العالم الإسلامي ويعيب على فكرة بعض علماء النجف الأشرف والأزهر الشريف في الاقتصار على «ولاية الحسبة».

كذلك عندنا مثل ذلك وأكثر في حب العراق أيام الملكية حيث الآذان صاغية إلى إذاعة أم الزهور، وطعم عيش العنبر الفاخر بين أضراسهم. ويتذبذب هذا الحب بحسب تقلبات السياسيين العراقيين، حتى كان في أوجه عندما تولى صدام حسين زمام مقاتلة الإيرانيين حتى عندنا من سمى اسم ولده «صدام» ومنهم من لايزال يتبنى مصطلحاته في نعت الجارة بالعدو الفارسي الصفوي! ومنهم من يعشق العراق لعتباته المقدسة، حيث إن منهم من يرافقه تراب العراق في صلواته الخمس فيسجد على تربة كربلاء حيث رحيق ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثلما عندنا من يموت شوقا وإجلالا لموطن أجداده في المملكة السعودية، ومنهم من يتعبد الله من خلال فتاوى علمائها، ومنهم من يتبنى فكر الداعية السلفي محمد بن عبدالوهاب، وصل هذا العشق إلى مطالبة البعض بأن تلتحق الكويت بالسعودية في اتحاد كونفيدرالي أو غيره. وعندنا من يحب مصر ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبدالناصر ولا يرى بديلا لحسني المبارك اليوم الذي شارك في تحرير الكويت. ومنهم من يدافع دفاعا مستميتا عن ثورة الشباب المصري اليوم ويتبنى أفكاره الى أبعد الحدود.

مثلما عندنا من يحب أميركا بوصفها القطب المخلص والمنقذ من ضلالة الجهل والمبشر بجنات الديموقراطية وإنها التي أنقذتنا من الاحتلال الصدامي حتى علقت صورة الرئيس بوش الأب في دواوين الكويت مرتديا الغترة والعقال واسموه «أبوعبدالله». هكذا كان ولايزال الكويتيون في تعاطفهم مع الثورات والحركات والأفكار، ساعدهم على ذلك شغلهم في التجارة والسفر فتداولوا في دواوينهم القديمة أفكار غاندي الزعيم الهندي من مؤيد ومعارض ومن بعده جواهر لال نهرو، وأفكار الباكستاني محمد علي جناح مثلما كان الامتداد القومي الناصري في دماء الشبيبة أيام ثانوية الشويخ، والمرقاب للبنات، مثلما عندنا من ينتمي للحزب البعثي حيث كان أحد ضحاياه النائب السابق فيصل الصانع، رحمه الله تعالى.

وعندنا من استلهم أفكار ثوار ظفار وذاب فيهم حتى ذهبوا يقاتلون معهم في جبال اليمن، وعندنا بالإضافة إلى السلفيين، الإخوان المسلمون والصوفية والتحريرية والدعوتية والتبليغية، ومرجعيات الكويتيين الدينية متعددة بين النجف الأشرف وقم والمدينة المنورة ونجد.. حتى إن دستورنا الكويتي مستلهم في الحقوق والحريات من أفكار الثورة الفرنسية.. هكذا العالم كان صراعا وحوارا وتبادل أفكار بين الحضارات والثورات ولايزال في تلاقح مستمر بوتيرة أكثر اليوم ضمن التطور الهائل في التواصل الإلكتروني وعالم الشفافية وثورة المعلومات فتحطمت الحدود وأصبح الفضاء مفتوحا والدول مفضوحة في أدق تفاصيلها بلا أدنى حاجب.

بل عندنا حب غريب وشاذ ومحرم سواء في حب طالبان الأفغانية التي تبيح اراقة دماء بعض المسلمين، أو في التناصر لإسرائيل جهارا نهارا رغم أنها العدو الرسمي القانوني لدولة الكويت!

كل ذلك الحب يقابله كذلك كره وبغض وبعضها وصل إلى الحقد الأعمى مقابل العشق الولهان، ومن الحماس الشديد الى التعصب البغيض.. هل في ذلك الحب مؤاخذة قانونية أو دستورية؟ هل يعتبر ذلك خيانة ضد البلاد؟ هل في ذلك مساس بالولاء الوطني؟ اسئلة معقولة ولكن إجابتها واضحة لمن يريد الحق لوجه الله تعالى.

المؤاخذة والخيانة والمساس بالوطن يتحقق فقط عندما يتحول هذا الحب والعشق إلى دعوة وعمل يريد تقويض نظامنا الدستوري بما في كل حرف من معنى. وقد أثبت الكويتيون كلهم في وقت الفراغ الدستوري للسلطة الشرعية داخل البلاد أنهم مؤتمنون على الإخلاص والذود عن هذا النظام الدستوري في وقت كان كل شيء مباحا أيام الغزو الصدامي الذي كان أزلامه التعساء يبحثون عن مواطن واحد يفصح عن تنكره لحكم آل الصباح الكرام، حتى ان المرحوم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه يفاخر بشعبه أمام زعماء العالم أنه لا يوجد كويتي خان بلده في الوقت الذي كانت الدول الأوروبية تعاني أثناء حروبها من خيانات عظمى بين صفوف شعبها.

هل من حياء؟! هل من خجل؟! هل من نغزة ضمير حي؟! من هؤلاء الذين لا يتورعون عند أي شاردة وواردة عن العبث بالأمن الوطني والاجتماعي للعبث بالوحدة الوطنية فيكيلون الاتهامات بالولاء الخارجي دون أي ورع أو تقوى من الله تعالى. هذه الاسطوانة المشروخة ألم يملوا منها.. ماذا يريدون بعد أن قدم الكويتيون دماءهم الزكية جميعا ممتزجة بتراب هذا البلد، وقدموا جميعا حرياتهم أسرى فداء للكويت وأهلها؟ أما آن أن يوضع قانون يجرم هؤلاء المرتزقة سياسيا ويضعهم في قائمة الخيانة العظمى عندما يتهمون مواطنيهم بهذه التهم التي تقوض الوحدة الوطنية التي هي جزء لا يتجزأ من نظامنا الدستوري.

أليس هذا إجراما بحق الوطن والمواطنين؟! والأكثر إجراما الرضا بهم والسكوت عنهم حتى بدأوا يتدخلون في ثوابت نظامنا الدستوري وعلى وشك تقويضه عاجلا أم آجلا!
 
عبدالهادي الصالح

 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك