سعود السبيعي عن ناصر المحمد ليس دفاعا عنه على حد قوله: الصامت بعدة لغات!!

زاوية الكتاب

كتب 1626 مشاهدات 0


الشيخ ناصر المحمد.. الصامت بعدة لغات! 
 
الجمعة 8 أبريل 2011 - الأنباء
 

في الوقت الذي كان ينشغل العالم فيه باعادة قراءة رواية «الزنبقة الحمراء» التي حصل مؤلفها الفرنسي على جائزة نوبل للآداب، في ذلك الوقت وبعده بدأ الشيخ الشاب يلفت أنظار العالم بحصوله على وسام الامبراطورية الفارسية من الدرجة الاولى من شاه ايران عام 1968، ثم وسام «الزنبقة الفضية» من ايطاليا بعد ذلك بما يقارب العشرين عاما «1984».
ذلك هو الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح «ذو الثقافة الغربية» والذي يجيد عددا من اللغات منها الانجليزية والفرنسية بالاضافة الى اللغة الفارسية التي عايش فيها نقيضين سياسيين تمثلا في حكم الشاه المنفتح على بوابة العالم الغربي، ثم حكم الثورة الايرانية الذي أغلق تلك البوابة الى الأبد.

وبرغم هذه الاجادة لعدد من اللغات، فإن الشيخ ناصر يجيد لغة أخرى مهمة هي اللغة الديبلوماسية التي عرّفها أنور السادات يوما بالقول: «ان الديبلوماسي هو رجل يستطيع أن يصمت بعدة لغات».

ولان اختيار الكلام أصعب من تأليفه، فإن الشيخ ناصر يواجه دوما العواصف بصمت قوي.. وعمل هادئ، ولان انتقاد حكوماته أصبح نهجا كويتيا واضحا حتى شكك البعض في قدرته على ادارة البلاد، وطالبه آخرون بأن يتنازل عن رئاسة الوزراء.. الا أن الظروف أثبتت أن هذا الرجل يملك خبرة كافية تتيح له أن يصرف العاجل من الامور حتى يصل الى ما هو غير عاجل، ثم يقود سفينة كثر حولها القراصنة، حتى تصل الى بر الامان

ليس هذا دفاعا عن الشيخ ناصر.. بل هو رؤية من زاوية أخرى لأننا «كلنا كالقمر.. له جانب مظلم»، ولاننا أيضا «كلنا كالقمر.. له جانب مضيء».. فاذا تم التركيز على خلل ما في الحكومات السبع المتعاقبة.. فان هناك خللا ما.. في احدى ثلاث: في السلطة التنفيذية، أو في السلطة التشريعية، أو في العلاقة بين السلطتين.. لكن أمرا غريبا أحدثه الشيخ ناصر المحمد.. هو أنه جمع كل الكتل في زاوية واحدة.. ربما كي يسهل مواجهتها، وقد استطاع خلال الحكومات الماضية أن يناور مناورات سياسية لافتة للنظر حققت التفاوض الذي يعتمد فن تقسيم الكعكة بطريقة يتصرف بعدها كل الحضور معتقدا أنه حصل على الجزء الاكبر.

وهاهي الكعكة المخطوفة اليوم أمام الشيخ ناصر المحمد من جديد ومطلوب منه أن يستحضر الديبلوماسية التي عمل فيها طويلا حتى أصبح عميدا للديبلوماسيين عام 1979.. وعليه اليوم أن ينفذ من استجواب جديد قادم يواجهه.. بعد نفاذه من استجوابات ماضية، هذه ليست أزمات صعبة لدى رجل اختار ألا يتخلى عن مسؤولياته في المواقف الصعبة.

فقد كانت له مواقف مشرفة اثر الغزو الآثم.. أهمها كلمة «هنا الكويت» الاولى بعد الاحتلال.. والتي نسبت له.

هل يمكننا أن نحصي بعض المصاعب التي واجهها «عهد الشيخ ناصر» مثلا: الديوانيات – سابقة سحب الجنسية – مصروفات الديوان – الفالي – الانتخابات الفرعية – الداو – سابقة اغلاق البورصة – المحطة الرابعة.. وأزمات أخرى، كملتها الازمة الاقتصادية العالمية التي وضعت الرجل في مهب العاصفة، قد يبدو ذلك هو الجزء المظلم من القمر، أما الجزء المضيء منه فمن ملامحه: قانون القطاع الخاص – زيادة المرتبات – وزارة المرأة – تصويت المرأة – الدوائر العشر.. بالاضافة الى حرية الصحافة وانطلاقها الى أقصى مدى تحلم به، فضلا عن حرية جديدة للنواب استثمروها استثمارا مبينا، هي خيار استجواب رئيس الوزراء الذي صار بين ليلة وضحاها أشبه بسباق التتابع في البرلمان.

ورغم القصف العنيف الذي تتعرض له حكومات الشيخ ناصر، الا أن صبرا طويلا أبداه «بوصباح» باعتبار أن «الصبر.. هو فن اخفاء نفاد الصبر» حتى كانت استقالة الحكومة السابقة.

ومع كل ذلك انحاز الشيخ ناصر للصمت.. بلغاته العديدة، وظلت اجتماعاته مثار تساؤل وتكتيكاته محل جدل، وبقي محل ثقة سمو أمير البلاد المطلقة التي جعلت بعض الصحف تشير الى انه «أمير الكويت السابع عشر» وبرغم كثرة الجدل لم يغلق باب الحوار.. لأنه مؤمن بمقولة له.. راجت في باريس عام 2006: «لا يمكن أن يعيش الانسان بمعزل عن العالم»، «..فجميع الحضارات نتاج تلاقي الافكار».. وفي باريس تتلاقى بعض الافكار حول زنبقة حمراء حملت صاحبها الى واجهة الادب العالمي.. وزنبقة فضية حملت صاحبها الى واجهة السياسة الكويتية.

وفي الوقت الذي يشيع فيه مناهضوه أنه لم يمد يده الى البرلمان، كان دوما مؤمنا بما قاله في أول اجتماع لمجلس الوزراء 2006 «انني على يقين بأن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو أساس نجاح المسيرة الديموقراطية».. فرجل تعلم من الغرب والشرق لابد أن يكون مؤمنا بالديموقراطية.. عارفا حسناتها ومساوئها، قادرا على أن يتعامل مع الجميع بلطف جم عرفه عنه كل من عمل معه، فصاحب الابتسامة الدائمة التي استنبطها من تعاملات أمير البلاد، ظل دوما محتفظا بهدوئه، قادرا على تجنب الصراع العنيف أو الصراع الاعنف، ميالا الى الحكمة، متمسكا بالشعرة الاموية بطريقة لم يدعها تنقطع يوما.. بين شد وجذب أطراف وأحزاب ومصالح، لانه قال سابقا انه يشعر بالرضا والسعادة «فمن نعم الله علينا أننا تعلمنا في مدرسة شاملة ومتفردة في الحقل الديبلوماسي هي جامعة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد» لكنه قال أيضا.. ما يجب التوقف عنده: ان طموحاتنا يجب ألا تتوقف عند حد معين.

لذلك لا يمكن للشيخ ناصر أن يتراجع أو يتوقف.. فرجل عاش في كنف أول وزير للدفاع في الكويت هو والده الشيخ محمد الاحمد الصباح، حتما سيعرف كيف يكون الدفاع، كما يعي كيف يكون التعامل الذكي مع الاعلام وهو الذي حمل حقيبة وزارة الاعلام 4 سنوات متتالية.

لقد خاض الشيخ ناصر في الشرق والغرب.. عرف أروقة الامم المتحدة ودهاليز العمل الديبلوماسي، وقضايا الشؤون، ومن ثقافة الهدوء في سويسرا حيث كان أول مندوب لدولة الكويت في المكتب الاداري لهيئة الامم المتحدة في جنيف.. الى تقلبات أفغانستان حيث كان سفيرا للكويت هناك.. نقض في عمله النظرية الغربية الشهيرة «الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان» لقد التقى الشرق بالغرب.. في عقل رجل اثبت أن الصمت هو فن من فنون الكلام، وأن الزنبقة قادرة على أن تعيش طويلا.
 
سعود السبيعي

 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك