نصر أبوزيد : لم يجبرني أحد علي الرحيل من مصر
عربي و دوليفي أول حوار بعد منعه من عرض أبحاثه في إندونيسيا
أغسطس 12, 2007, منتصف الليل 157 مشاهدات 0
إن 'الدولة' لا تذهب إلي المسجد، ولا تصلي خمس مرات في اليوم، ولا تؤدي مناسك الحج. بهذه الصيغة الساخرة دافع المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبوزيد عن أطروحته الخاصة بضرورة فصل الدين عن الدولة في بلدان العالم الإسلامي.
وأعتبر أن الدولة ينبغي ألا تتخذ دينا رسميا لها، وذلك لأن تبني دين أو مذهب معين للدولة لا يؤدي إلي معاناة أتباع الديانات الأخري فحسب، بل يؤدي أيضا إلي معاناة أولئك الذين يتبنون تفسيرات و تأويلات مختلفة للنص المقدس علي حد تعبيره.
وفي حوار مع صحيفة 'جاكرتا بوست' الإندونيسية، قال المفكر المصري إن منهجه الذي يطبقه في الدراسات الإسلامية يصطدم مع رؤي العلماء التقليديين وذلك لأنه يقف ضد نزعة هؤلاء العلماء التي ترمي إلي تأسيس كهنوت في الإسلام، مضيفا بأن همه الحقيقي كمسلم هو الوقوف ضد 'نزعة تجميد الإسلام'.
ويأتي هذا الحوار الذي نشر مؤخراً علي خلفية الجدل الذي سببه منع الحكومة الإندونيسية للمفكر المصري من المشاركة في عدد من الفعاليات الأكاديمية حول الدراسات الإسلامية في إندونيسيا في الأسبوع الماضي، وقالت مصادر صحفية إن «مجلس علماء المسلمين» الإندونيسي قد مارس ضغوطاً لمنعه من المشاركة بحجة أن «الزنادقة» في إندونيسيا يقتبسون من كتاباته ومؤلفاته.
ووصف بيان صادر عن «مجلس علماء المسلمين» أبوزيد بأنه منكر لقداسة القرآن، ومنكر علي أنه كلام الله المنزل علي بنيه «صلي الله عليه وسلم» علي حد تعبير البيان.
وأكد أبوزيد، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ 'كرسي ابن رشد للإنسانيات والإسلام بجامعة أوتريخت الهولندية، أن رؤيته تنطلق من اعتبار الإسلام بطبيعته ديناً تقدمياً، وهو ليس صالحا لكل زمان ومكان فحسب، بل إنه تقدمي أيضا في أي سياق زمني أو مكاني.
وشدد علي أهمية قيمة الحرية الفردية، وقال إنه ينبغي علي الفرد أن يكون حرا من أجل أن يكون مسلما، وذلك لأنه لا يمكن نزع الحرية من المسلم، موضحا أنه يدافع علي الدوام عن حرية الأفراد مهما أختلفت معتقداتهم، مؤكدا أن قيمة الحرية تمثل إحدي القيم الأساسية في عصرنا الحديثـ والتي لا تتناقض مطلقا مع القيم الإسلامية.
في المنهج
وفي هذا الحوار ،حدد أبوزيد ثلاث خطوات تفسر منهجه في الدراسات القرآنية، فمن ناحية أولي تعتمد دراساته حول القرآن الكريم علي عدد من الحقائق، أبرزها محورية اللغة التي نزل بها القرآن أي اللغة العربية،مستنتجا أن أي حديث عن اللغة يتضمن بدوره حديثاً عن الثقافة المسيطرة في الوقت الذي نزل فيه القرآن، وهو ما يسميه بـ 'السياق التاريخي و الإجتماعي والثقافي' للنص، وفي هذا الصدد لن يمكن فهم القرآن في حال التغاضي عن دراسة هذه السياقات.
أما الخطوة الثانية فتعني بالإجابة عن سؤال حول طبيعة فهم الجيل الأول في الإسلام للقرآن. وبما أن نقطة الانطلاق هي أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، فمن الطبيعي البحث حول الفروق بين الفهم الذي ساد لدي الجيل الأول، والتغير في هذا الفهم علي مر العصور، علاوة علي تحديد ملامح الإسلام الذي اشتبك مع مؤثرات ثقافية مختلفة، الأمر الذي أعطي الإسلام ملامح مختلفة من بلد إلي بلد.
وتتمثل الخطوة الثالثة في طبيعة السياقات اللغوية ذاتها المستخدمة في السور القرآنية. وحسب أبوزيد فإن القرآن يتميز بتعدد الأنماط داخله، بمعني أن القرآن الذي نزل بلغة واحدة لم يمنع من تنوع أنماط المفردات و الخطابات، والتي أحدثت اختلافا علي مستوي اللغة من خلال السور التي نزلت في الفترة المكية التي استمرت 13 سنة أو المدنية التي استمرت 10 سنوات.
'
وشن أبو زيد هجوما علي من أسماهم بـ 'علماء المسلمين التقليديين'، محددا مساحات وأوجه الخلاف بينه وبينهم،والتي تكمن في أنه يري أن القرآن الكريم عبارة عن نص مقدس منزل من الله سبحانه وتعالي، ولكن في نفس الوقت هو نص يمتلك أبعادا إنسانية.
وفسر زيد دلالات هذا الاختلاف في أنه ينطلق من حقيقة أن القرآن الكريم يعد بمثابة رسالة أو اتصال،طرفاها هما الله سبحانه وتعالي والبشر، أو بمعني آخر هناك متحدث و متلق.
وفي دراساته حول القرآن، قال إنه يركز علي طبيعة استجابة المتلقي، أي الكيفية التي فهم الناس بها القرآن،وهو المنهج الذي يختلف مع العلماء التقليديين الذين يركزون علي 'المتحدث'، بمعني حصر الدراسة في البعد المقدس في القرآن فقط،ويعجزون عن إيجاد البعد الإنساني في القرآن.
لا كهنوت في الإسلام
وقال أبوزيد إن خلافه هنا لا يكمن في قدسية القرآن، وإنما في الخطاب الذي يحاول 'تجميد القرآن'، واحتكاره، بحيث لا يفهمه سوي 'علماء الدين'، مضيفا أنه يرفض تماما هذا المنهج، ويري أن كل مسلم يستطيع فهم القرآن في حال كانت لديه 'المعرفة الضرورية لفهمه'.
واسترجع أبوزيد تجربته مع ناقديه، الذين طالما وصفوه بأنه يقلل من قيمة القرآن، لدرجة اعتباره أقرب إلي الأعمال الأدبية الإنسانية، مشيرا إلي أن دراساته تحاول مساعدة المسلمين في فهم القرآن بالصورة التي تؤكد حقيقة أنه يتوافق مع كل زمان و مكان،
وأضاف أنه يحاول إقناع الناس بأن مجرد قبول التأويلات والتفسيرات المختلفة في تاريخ الإسلام لا يعني أنه قبول بالشيطان، بل علي العكس، فإن هذا القبول يعطي المؤمنين الشجاعة والقدرة علي فهم وإعادة تأويل القرآن وفقا للسياق الزمني الذي نعيش فيه، وهو ما يختلف عن الرؤي التقليدية للعلماء التي لا تسمح للمسلمين بإعادة التأويل، ويطلبون فقط مجرد إعادة تكرار ما قاله العلماء في السابق.
لا أزال أحمل جواز السفر المصري
رأي أبوزيد أن الملاحقة الدينية التي تعرض لها في مصر عبارة عن «لغو» ورغم أنه كان مهدداً بالفعل أثناء وجوده في مصر، لكنه نفي أن يكون قد أجبر علي الرحيل ولا النفي موضحاً أنه هو الذي اختار الرحيل «وليس اللجوء السياسي» وذلك لأن الوضع في مصر لم يكن مريحاً علي الاطلاق سواء له أو لزوجته، ومن ثم كان عليه الرحيل من أجل أن يجد مكاناً لاتمام عمله.
وأضاف إنه يزور مصر سنوياً ولا يزال يحمل جواز السفر المصري وكتبه تنشر وتطبع علي نطاق واسع في مصر والعالم العربي
تعليقات