أحمد الديين يفند دستوريا أراء من عارض جمع تواقيع لتغيير رئيس الوزراء، ويعتبر الحملة ' حقّ لا يجوز لأحد إنكاره أو استنكاره'
زاوية الكتابكتب إبريل 3, 2011, 12:05 ص 1912 مشاهدات 0
التكليف!
كتب احمد الديين
في ظني أنّ الجدل الدائر بين المنادين بإعادة تكليف الشيخ ناصر المحمد بتشكيل الحكومة المقبلة والمعترضين عليه جدل طبيعي في أي بلد ديمقراطي، بل هو كذلك حتى في بلد شبه ديمقراطي مثل الكويت، ولا أحسب أنّ هذا الجدل يفتئت على الحقّ الدستوري لصاحب السمو الأمير المقرر في المادة 56 من الدستور، التي تنصّ في فقرتها الأولى على أن “يعيّن الأمير رئيس مجلس الوزراء، بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه”.
إذ إنّ هذه المادة وشرحها الوارد في المذكرة التفسيرية للدستور يؤكدان أنّه لابد أن تسبق تعيين رئيس مجلس الوزراء مشاورات “يستطلع بموجبها رئيس الدولة وجهة نظر الشخصيات السياسية صاحبة الرأي في البلاد، وفي مقدمتها رئيس مجلس الأمة، ورؤساء الجماعات السياسية، ورؤساء الوزارات السابقين الذين يرى رئيس الدولة من المفيد أن يستطلع رأيهم، ومَنْ إليهم من أصحاب الرأي السياسي”... وهذا ما يعني أنّ هناك إلزاما دستوريا بإجراء المشاورات وإن لم يكن هناك إلزام دستوري بقبول نتيجتها والأخذ بها... وبالضرورة أنّ أي مشاورات لاستطلاع الرأي تفترض مسبقا أنّ هناك اجتهادات مختلفة وتقديرات متفاوتة بين أصحاب الرأي السياسي، مثلما يوجد بينهم مؤيد وآخر معارض لهذا المرشح أو ذاك... والأصل أنّها اجتهادات وتقديرات ومواقف سياسية، وهي ليست سرا شخصيا خفيا وإنما هي في الغالب نتاج مداولات تعكس اتجاهات الرأي العام في البلاد.
ولهذا السبب نجد أنّ المذكرة التفسيرية للدستور في شرحها بعد ذلك للمادة 57 من الدستور المتصلة بتشكيل حكومة جديدة في بداية كل فصل تشريعي جديد تشير إلى ضرورة “التعرّف على الجديد في رأي الأمة”... وتؤكد أنّ “أمير البلاد يراعي عند إعادة تشكيل الوزارة في هذه الحالة الأوضاع الجديدة في المجلس النيابي وما قد يقتضيه الصالح العام من تعديل في تشكيل الوزارة أو تغيير في توزيع المناصب الوزارية بين أعضائها”.
ومن ثَمَّ فإنّ التعرّف على رأي الأمة والمشاورات الهادفة إلى استطلاع وجهات نظر أصحاب الرأي السياسي في البلاد قبل تعيين رئيس مجلس الوزراء إنما هي ممارسة طبيعية في أي بلد ديمقراطي أو حتى شبه ديمقراطي، ومن الطبيعي أن يدور جدل ويكون هناك تفاوت في وجهات النظر وتباين في الآراء، أما حقّ الأمير في تعيين رئيس مجلس الوزراء فلا يمكن الافتئات عليه، فهو حقّ قرره له الدستور مسبوقا بمتطلب إجراء المشاورات واستطلاع الرأي.
وبعد ذلك يأتي الموقف تجاه الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة بعدما يصدر الأمر الأميري بتعيينه... إذ من الطبيعي أن يعتذر مَنْ قد يعتذر عن عدم قبول المشاركة في عضوية مجلس الوزراء من بين مَنْ يعرض الرئيس المكلّف عليهم ذلك، وليس في هذا الاعتذار ما يمس حقّ الأمير في تعيين الرئيس... ومن الطبيعي أيضا أن يتخذ البعض موقفا سلبيا تجاه الرئيس المكلّف في معارضة نهجه وسياساته ورفض التعاون معه على ضوء تجارب سابقة أو بناء على مواقف محددة، وهنا أيضا ليس في مثل هذا الموقف السلبي أي افتئات على حقّ الأمير، وكذلك الحال مع استجواب رئيس مجلس الوزراء بعد تشكيل الوزارة وطلب إعلان عدم إمكان التعاون معه، التي هي ممارسات ديمقراطية لا يصحّ الحجر عليها بالادعاء أنّها تطاول على حقّ الأمير وخياره.
وهذا ما ينطبق على حقّ المواطنين الذين أطلقوا حملة جمع التوقيعات على المناشدة الداعية إلى تكليف رئيس جديد للحكومة، ناهيك عن أنّه قبل ذلك كله أنّ مخاطبة السلطات العامة كتابة حقّ ديمقراطي أصيل كفلته المادة 45 من الدستور للأفراد، وهو حقّ لا يجوز لأحد إنكاره أو استنكاره.
تعليقات