المتزلفين والمتملقين من الحاشية ووسائل الإعلام المطبلة لدى الحكام العرب مع صلاح الفضلي

زاوية الكتاب

كتب 1991 مشاهدات 0



 
بغلة القاضي عزيزة 

كتب صلاح الفضلي : 

 
يروى أن أحد القضاة في بغداد أيام العهد العثماني كانت له بغلة شهباء غالية الثمن، وكان القاضي مولعاً بها، حتى ضرب الناس المثل بتلك البغلة، لكل مظهر فخم، فقالوا «مثل بغلة القاضي». ثم ان البغلة اعتلت، في أحد الأيام ونفقت، فأثار موتها حزن القاضي، وأمر برمي جيفتها خارج سور بغداد، وخرج يشرف على الأمر بنفسه، فخرج لخروجه كثير من الناس يسيرون وراء «جنازة» بغلة القاضي، وكان عددهم يوم ذاك، يتجاوز بضعة آلاف. وبعد مدة مرض القاضي مرضاً شديداً ألزمه الفراش، فعين الوالي قاضياً آخر مكانه، فالتف الناس حول القاضي الجديد، وبعد أشهر توفي القاضي «صاحب البغلة» فلم يحضر تشييع جنازته إلا بعض الجيران والأصدقاء المقربين، ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس فأدركوا أن علاقة الناس بالقاضي كانت علاقة رياء وتملق، وقالوا فيه «ماتت بغلة القاضي مشوا وراها.. مات القاضي محد مشى وراه».
هذا المثل ينطبق هذه الأيام على حكام العرب المخلوعين من أمثال صدام وبن علي وحسني مبارك، وعلى طريقهم يمشي القذافي. أتذكر عندما توفيت «صبحة» أم صدام حسين أقيم لها مأتم عزاء لمدة سبعة أيام وامتلأت الشوارع باللون الأسود، ولما سقط صدام ضربت صورته بالنعال، ولما أعدم خرجت التظاهرات المبتهجة بإعدام «الطاغية». الحال نفسه حدث مع حسني مبارك، فعندما توفي حفيده، امتلأت الصحف المصرية بإعلانات التعزية والمواساة، ولكن عندما أُجبر مبارك على التنحي أصبح الكل يتبرأ من أي علاقة مع «بطل الحرب والسلام»، وكان أول شيء فعلوه أن أنزلوا صورته من قاعة مجلس الوزراء. الأمر لم يختلف أيضاً مع القذافي، فعندما قصفت الطائرات الأميركية مقره في الثمانينات خرجت التظاهرات «المليونية» تطلق شعار العرب الخالد «بالرورصصح بالدم نفديك يا معمر»، أما الآن وبعد أن أوشكت سفينة القذافي على الغرق تخلى عنه أقرب المقربين إليه، وبعد أن كان القائد يفتخر بشعبه أصبح يصفهم بالجرذان والكلاب الضالة، وهددهم بأنه سيطاردهم «بيت بيت وزنقة زنقة».
عقلية التملق والتمجيد بالحاكم ليست جديدة لدى الحكام العرب والرعية، بل هي عقلية مترسخة منذ القدم، حتى وصل الحال بأحد الشعراء إلى أن يصل إلى حد تأليه أحد الخلفاء بقوله:
«ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار»
هل يعي بقية الحكام العرب حقيقة أن المتزلفين والمتملقين من الحاشية ووسائل الإعلام «المطبلة» لا يمثلون رأي عامة الشعب، حتى يتداركوا أنفسهم ويصلحوا علاقتهم مع شعوبهم بدلاً من أن يصبح حالهم حال القاضي صاحب البغلة أو ربما أسوأ منه؟!

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك