الإعلام: الذراع العسكرية لدول الخليج

عربي و دولي

2813 مشاهدات 0



صوت العرب ومجلة العربي، شكلان إعلاميان مختلفان خدما أهدافهما بنجاح، حيث دخلت الأولى القلب العربي عنوة فخفض صوتها أهل الدار خشية آذان العسس والسلطة، ثم بح صوتها من جرَّاء صراخ أحمد سعيد المبالغ فيه إبان حرب يونيو 1967م، ولم يعد لها اليوم إلا همس خفيف يكاد لا يسمع بعد أن عمرت قلوب العرب بحب جمال عبدالناصر. أما الثانية فقد تباشر بها الجميع وتبادلها الشباب، فقد كانت نسمة فرح ملونة في زمن الحزن الأبيض والأسود والرمادي، تلك هي مجلة العربي، شهرية ثقافية عربية كويتية مصورة تراجعت بعد انتشار الألوان والصور، وبها عرفت الكويت بلاد العرب، أما قناة الجزيرة القطرية فدخلت دون استئذان على العرب الذين عاشوا يتلقون معلومات محدودة من قبل أنظمتهم عبر إعلام جامد أحادي الأبعاد، فتسمروا أمامها بشكل غير مسبوق، كما لو كانت فيلم إثارة طويل، فعلمتهم التحرر والتمرد منذ 1996م في حوار مفتوح بلا حدود حتى ولو كان سريا للغاية، أو في الاتجاه المعاكس لما تريده الأنظمة العربية، لإيمان المحطة بحق المشاهد في سماع أكثر من رأي.      
لقد قادت صوت العرب المصرية حركة التغير السياسي، وقادت مجلة العربي التغير الثقافي في الفترة نفسها، وكانتا سيفا مسلطا على الاستعمار والعزلة. أما قناة الجزيرة وإلى جانبها قناة العربية، فهما لواءان مجحفلان بأسلحة فتاكة متنوعة وكانتا خير مدد لأهل تونس ومصر وليبيا واليمن في حراكهم التحرري من الأنظمة المستبدة، هذا الإعلام الخليجي الجسور القائم على المهنية بأرقى معاييرها، والإمكانات بأقصى حدودها هو الذي جعل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يشتكي في 29 يناير 2011م إلى دولة قطر من قناة الجزيرة، أما نظام بن علي في تونس فقد وصف القنوات الخليجية بأنها من الفضائيات المعادية لبلاده، أما حسني مبارك فحاول أن يحتوي قناة الجزيرة عن طريق التشويش وكل أشكال الحرب الإلكترونية لإخفاء الغضب المصري، فما كان من الفضائيات الخليجية إلا أن سمحت لقنوات أخرى بنقل إرسالها مجانا، فخسر نظام مبارك معركته بعد اتساع الجبهة، حيث لم يكن له قِبَل بمواجهة تسع قنوات بدلاً من قناة واحدة.
واشتدت المعارك بين الطرفين، وفي 13 مارس 2011م قتلت قوات القذافي مصور قناة الجزيرة علي حسن الجابر في كمين تعرض له جنوب غرب بنغازي، وأصيب مراسل القناة ناصر الهدار بجروح، لتشكل هذه الحادثة فصلا من فصول الحرب بين الإعلام الخليجي وبين القذافي وأبنائه الذين لم يتورع أحدهم عن مساواة قناة الجزيرة بحلف الناتو حين شتمهما بأقذع الألفاظ، كما تخلل هذه المعارك تشويش وتكذيب من قنوات ليبية هزيلة الشكل والمضمون.      
لقد كان لدول مجلس التعاون بذراعها العسكرية الجديدة دور كبير داعم للتغيير الذي تم في تونس ومصر وحاليا ليبيا واليمن، وهو نفس الحق القومي الذي تذرع به الناصريون قبل نصف قرن. وقد أشاد الكثير من العرب بالسلاح الخليجي الجديد، فقد حث عبدالفتاح يونس، وزير الداخلية الليبي، والمكلف بلجنة الأمن الوطني، بقيةَ الدول العربية لتحذو حذو دول الخليج بالدعم الإعلامي الفاعل على ساحة المعركة القائمة حاليا.
وليست وسائل الإعلام الخليجية أول من ساعد في إسقاط حكومة فاسدة، فقد أسقطت الـ «واشنطن بوست» The Washington Post رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون Richard Nixon نفسه، حين نشر بوب وودورد Bob Woodward وكارل برنستين Carl Bernstein تفاصيل فضيحة ووترغيت Watergate عام 1972، ولأن النجاح يفقد المنتصر توازنه، فكيف بقناة تسقط دولة، ولأن الإعلام الخليجي خاص في تمويله وغير ملزم بتقديم حساب لأحد، فعلى وسائل الإعلام الخليجية بما كسبته من قوة وانتشار، أمانة نقل الحقيقة كاملة، كما أن عليها الحذر من لصوص اللحظة التاريخية، وفئران السفينة الغارقة، فالهدف هو تحرير الشعوب العربية الشقيقة من استعباد الطغاة.
أما السؤال عن الخطوة القادمة للإعلام الخليجي فقد أجابت عنه المتغيرات الراهنة وكأنها لم تكن بحاجة لمثل هذا السؤال، ونعتقد أن المستقبل هو لمن يملك الذراع القوية الطويلة التي لم تعد الطائرات الاعتراضية والصواريخ البالستية عمادها فحسب، بل القذائف الجديدة عديمة الارتداد المرتكزة على الإنترنت Web-based power فالقيمة الفعلية للعالم الرقمي الجديد هي تحويلها إلى رؤية وبالتالي إلى قدرة على خدمة الأهداف الوطنية.

الآن: د. ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك