الكثير من الحكام العرب لا يقرؤون التاريخ ولا يعرفون كيف يستفيدون من أحداثه برأي علي الطراح ؟!

زاوية الكتاب

كتب 1950 مشاهدات 0



د. علي الطراح

ثورة شباب أم 'فيسبوك'؟!

تاريخ النشر: الأربعاء 09 مارس 2011

الإتحاد الإماراتية

'تملكون خيالا أخصب من أسلافكم، أمر تفصح عنه تلك الشعارات المكتوبة على الجدران. يتدفق منكم شيء مدهش، مزعزع، يدين كل ما أدى إلى وصول مجتمعنا إلى ما وصل إليه من رداءة. ظاهرة اسميتها حقل الممكنات' (الفيلسوف جون بول سارتر لزعيم ثورة الطلاب 1968).

الكثير من الحكام العرب لا يقرؤون التاريخ ولا يعرفون كيف يستفيدون من أحداثه التي تقع هنا وهناك؛ فالعظماء الذين كان لهم دور أساسي وقد خلدو ذكرهم هم الذين فهموا حقيقة التاريخ مثل الرئيس الفرنسي مؤسس الجمهورية الخامسة شارل ديجول. في سنة 1968 حدثت ثورة الطلاب الشهيرة التي غيرت العالم وجعلت هربرت ماركيوز يعتقد أن الطلبة هم مستقبل العالم لإحداث التغيير بعدما فشلت الطبقة العاملة التي راهن عليها ماركس والماركسيون. وفي سنة 1989 سقط جدار برلين الشهير وتوحدت ألمانيا مجدداً وهبّت رياح الديمقراطية. وفي سنة 1991 تفكك الاتحاد السوفييتي وسقطت معه الشمولية والديكتاتورية وحكم الحزب الواحد. وبعدها شهد العالم أحداثاً أخرى لها طابع معرفي مثل الإنترنت والعولمة والمدونات واليوتوب وأخيراً المواقع الاجتماعية مثل 'الفيسبوك' و'التويتر'.


 
 
 
كل هذه الأحداث كانت تقول بصوت مرتفع إن العالم تغير ويتغير يومياً، لكن للأسف الشديد لم تكن هذه الحقائق لتحرك في أغلب الزعماء العرب ساكناً واستمروا في حكمهم الشمولي والبوليسي وكأن شعوبهم ليست من جنس البشر وليس لها حقوق مثل بقية الشعوب... حتى حدثت الثورة في تونس وأطاحت بأكثر الأنظمة بوليسية في العالم العربي، وكان وراءها شباب مثقف اتخذ من 'الفيسبوك' أداته الرئيسية للتواصل وإسماع صوته ومطالبه وإحداث التغيير السياسي الذي طال انتظاره بعد أن تمت عسكرة المجتمع والدولة. وما لبثت الثورة أن انتقلت إلى مصر وأطاحت بنظام حكم عُمِّر طويلا بفساده السياسي والاقتصادي وكان وراء ذلك أيضاً شباب مثقف اتخذ من 'الفيسبوك' أداة رئيسية للتغيير، وهذا ما حدث بالفعل. ولعله لم يكن متوقعاً لدى 'مارك. زوكربرغ' وهو ينشئ هذا الموقع الذي كان في الأصل مخصصاً لعرض وتبادل الصور التي يلتقطها في آخر السنة الدراسية طلبة جامعة هارفارد، أن يكون الموقع أداة لثورات عديدة أطاحت بأنظمة عُمِّرت طويلا ولم تنفع معها كل وسائل التغيير.

لكن بعد الذي حدث في تونس ومصر ويحدث الآن في اليمن وليبيا، كيف يمكننا أن نقرأ هذه الأحداث؟ هل نفسرها ونرجعها لأسباب اقتصادية واجتماعية، أم إلى أسباب سياسية ووعي جديد لدى الشباب العربي الذي لم يستطع تحمل هيمنة الدولة بكل مؤسساتها وأدواتها، مثل ما حدث مع طلبة في فرنسا عام 1968 حين أرادوا التحرر اجتماعياً وسياسياً وثاروا ضد كل أنواع الهيمنة، فكانت شعاراتهم:

-المقدس هو هذا العدو.

- بعد المصانع والجامعات لنحتل الرأي العام.

-لا جدوى من الترميم عند ما تكون البنية مهترئة.

- نريد منشآت في خدمة الإنسان لا الإنسان في خدمة منشآت.

-كل فكر يركد يتعفن.

-لنكن في مستوى أحلامنا.

-الرفاهية نعم، العبودية لا.

-وحدها الحقيقة ثورية.

-انسوا ما تعلمتم واحلموا.

وفي حالة العالم العربي تحول 'الفيسبوك' و'التويتر' من مواقع اجتماعية مهمتها التواصل الاجتماعي بين الطلبة والشباب إلى مواقع سياسية مهمتها الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية والشمولية الفاسدة.

وبالرجوع إلى ثورتي تونس ومصر يمكن القول إن الشباب العربي أحدث فعلا ثورته السياسية، وبذلك يكون قد أبطل تحفظ عالم الاجتماع الفرنسي 'آلان توران' عن مفهوم الثورة حيث يستعمل مكانه مفهوم الحركات الاجتماعية لأن الثورة لا تؤدي دائما إلى تغيير جذري أو إيجابي للواقع الاجتماعي، لكن في حالتنا هذه استطاع الشباب العربي إحداث ثورة حقيقية ستكون لها تداعياتها الجيو- سياسية بل إن نتائجها بدأت تلوح في أفق العالم العربي وهي من دون شك ستمثل نموذجاً ناجحاً لكل شباب العالم الذي يعاني أوضاعاً سياسية مزرية تشبه حالة العالم العربي.

إن قراءة بسيطة للشعارات التي رفعت أثناء ثورتي تونس ومصر (خبز وماء بن علي لا، الشعب يريد إسقاط النظام، بن علي ارحل، مبارك ارحل...) كلها شعارات أساسها سياسي وليس اقتصادياً، ونتائج هذه الثورات السياسية واضحة: تغيير الدستور، حل الحزب الحاكم، حل البرلمان، إنشاء مجلس تأسيسي، حل البرلمان، تغيير الحكومة ثلاث مرات في تونس، ومرتان في مصر، استقالة رئيس الوزراء في كل من البلدين، تغييب معظم الوجوه القديمة عن المشهد السياسي، التهيئة لانتخابات حرة ونزيهة، فتح المجال الإعلامي والسياسي للمعارضة.

إنها ثورة سياسية بالدرجة الأولى قادها الشباب بعد أن انسدت أمامهم كل السبل إلى التغيير، وبعد أن عانوا القمع والتهميش والإقصاء طيلة عقود. وها قد انتفضوا بطريقتهم الخاصة وبسرعة لم يتوقعها أحد، داخلياً أو خارجياً.

إننا أمام موجة جديدة من الوعي السياسي، أبطاله هذه المرة ليسوا زعماءً حزبيين ولا ضباطاً ثوريين بل شبابٌ هُمِّشوا سياسياً واعتقد البعض أنهم لا يستطيعون قيادة وتسيير مؤسسات الدولة وها هم يثبتون العكس. لكن ها قد أثبتوا أنهم ناضجون سياسياً.

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية وسقوط جدار برلين، وصعود خطاب العولمة، كان على العالم العربي أن يعي ويدرك أن رياح التغيير قد بدأت تهب على العالم، وأن الإصلاحات السياسية ضرورة حضارية وانطولوجية، وأن العالم العربي نفسه جزء من هذا العالم ولا يمكن بقاؤه بمعزل عنه.

لكن الذي حدث أن عالمنا العربي بقي غير مبال لما يحدث من حوله، فها هي دول أوروبا الشرقية تكيفت مع الوضع الجديد وسارعت إلى إصلاحات سياسية حقيقية ودخلت كوكب الديمقراطية من بابه الواسع تاركة وراءها عصر الشمولية والديكتاتورية إلى غير رجعة.

أما العالم العربي فبدا أنه لا يتغير إلا بفعل قوة خارجية. وقد توهم البعض أن الإصلاحات السياسية والديمقراطية قد تعصف بالاستقرار السياسي والاجتماعي، بينما العكس هو الصحيح؛ فبقاء الأوضاع على حالها في زمن العولمة هو الباعث الحقيقي لعدم الاستقرار ولحالة الجمود التي تعيشها مجتمعاتنا.

إن المطلوب في المنعطف التاريخي الحالي هو إصلاح سياسي يقوم على أولويات توطين الديمقراطية، وفتح المجال للتعددية السياسية، وتمكين المرأة العربية من كامل حقوقها السياسية والاجتماعية، إلى جانب إصلاح منظوماتنا التربوية التي هي في الحقيقة صورة طبق الأصل لواقع اجتماعي وسياسي وثقافي يشكو من كل مظاهر التخلف، فلم تعد هذه المنظومة تواكب تطورات العصر، وعلى رأسها مجتمع المعرفة الذي بدأت الدول والمجتمعات الأخرى تتسابق لتحقيقه.

إن تاريخ المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن التغيير والإصلاح الحقيقي والمثمر هو الذي ينبع من داخل المجتمع عندما يعي أن وضعه أصبح عائقاً أما التطور والتقدم، وأنه يجب القيام بإصلاحات عميقة وجذرية تؤدي إلى تغيير بنية المجتمع، بما يتوافق مع ما هو حاصل من حوله، وبما يتوافق مع إمكاناته وأهدافه وطموحاته.

إن التغيير والإصلاح هما سنة كونية بل قانون السماء الأول، ولا يمكن لأي دولة أن تجابه ذلك أو تتحداه، فقوانين التاريخ وسننه أقوى من أية مقاومة قد يبديها أي مجتمع أو سلطة سياسية.

 

الإتحاد الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك