هل ينقذ الفيلق الإفريقي عنق القذافي ؟!
عربي و دوليمارس 6, 2011, 10:42 ص 8013 مشاهدات 0
في المصادر العسكرية الغربية حملت الحرب الليبية- التشادية (1983-1987م) اسم حرب تويوتا (Toyota war) نسبة للسيارة «Land Cruiser Pickup» التي وضع الطرفان على مؤخرتها قاعدة رشاش أو مدفعا مضادا للطائرات، وهي نفس سيارة الدفع الرباعي خاكية اللون والمسماة لدى شباب البادية في الخليج (شاص) كرمز للعنفوان والتمرد. ففي حرب تويوتا تلك، ولد مرتزقة القذافي، الذين زج فيها بفيلق مسلح منهم سماه الفيلق الإسلامي، فبالإضافة إلى قوات سورية خاصة بقيادة علي أصلان، أرسلت أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية رجالها نظير تدخل ليبيا لجانبهم في الحرب اللبنانية، كما شاركهم رجال حركات التمرد التي مولها حول العالم من الجيش الجمهوري الأيرلندي، وجماعة أبوسياف في الفلبين وحركات التمرد في دارفور السودانية، بالإضافة إلى العديد من المرتزقة الأفارقة والآسيويين، ثم توسع القذافي حتى أصبح لديه أكبر فيلقين في الجيش من الأجانب هما الفيلق الإسلامي والفيلق الإفريقي. وضم الأخير -وهو الأكبر والأقوى- مرتزقة من كينيا ومالي ودارفور ومن الطوارق والتشاديين الذين فقدوا ملاذهم بعد الصلح بين السودان وتشاد. وأخيراً انضم إليهم رجال ميليشيات بن علي التي هربت من تونس. ويخضع المرتزقة في اللواء 32 أو (لواء خميس) لسلطة نجل القذافي خميس خريج المعاهد العسكرية الروسية، ويقدر عدد أتباعه بنحو 120 ألف مسلح، كما أن هناك كتيبة تتبع ابنه المعتصم وكتيبة تتبع الساعدي، وكتيبة قوات خاصة تسمى الفضيل بوعمر الأوجلي، لكن أقوى فرق المرتزقة هي القوة التي استخدمها القذافي نفسه في مواجهة التمرد وتتألف من ثلاثة آلاف رجل من تشاد والسودان والنيجر، وغينيا والسنغال وإفريقيا الوسطى وسيراليون ومالي ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، ويسميهم الفيلق الإسلامي الإفريقي. ومما يذكر أن هذه الوحدات التي تخضع للقذافي وأبنائه يقودها في عملها اليومي ضباط من كرواتيا وباكستان والهند وإفريقيا. سلاح المرتزقة في هذه الوحدات هو السلاح الخفيف بشكل عام، إلا أن تقارير أفادت أنها في بداية تشكيلها كانت تتسلح أيضا بمدرعات «T-54» و «T-55» وناقلات جند مدرعة، ونظم اتصالات بريطانية من نوع «Bowman» وطائرات هليوكوبتر أميركية الصنع. أما تدريب المرتزقة فقد كان في السبعينيات والثمانينيات على يد مدربين عرب لأسباب قومية، ثم تولت التدريب القوات الخاصة البريطانية (Special Air Service «SAS») كما قامت هذه الوحدات بالعديد من المناورات مع الجيش الجزائري. والغريب أن الميليشيا التي يقودها أبناء القذافي مسلحة بأفضل الأسلحة، في حين أن الجيش الليبي فرضت عليه سياسة حمل السلاح من دون ذخيرة منذ أن وصل القذافي إلى السلطة 1969م، كما بقي بأسلحته الشرقية من الاتحاد السوفيتي قبل الحصار على ليبيا لأكثر من عقدين.
واللغة الدارجة في الفيلق الإفريقي هي الفرنسية، والفيلق نسخة سيئة من فرقة المرتزقة الأجنبية الفرنسية «French Foreign Legion» التي أدمت أنف القذافي في معركة «وادي الدوم» حين كانت إلى جانب قوات حسين حبري التشادية؛ حيث قتل 1200 مرتزق ليبي ودمر 300 مدرعة وأسر 250 رجلاً، لكن فيلق المرتزقة الإفريقي الليبي أعطى القذافي المبرر للتمسك به وتطويره حين نفذ خطة غاية في الروعة في الهجوم المعاكس الذي شنه وحقق النصر في (معركة قرية أوزو) وقتل 1100 جندي تشادي و150 من الفرقة الأجنبية الفرنسية بينهم 8 ضباط فرنسيين. وكان من جوانب تحديث الفيلق زيادة أعداد منتسبيه ورفع مرتباتهم إلى 2500 دولار في اليوم، واليوم يصل سعر قتل المتظاهر الليبي في شوارع بنغازي وطرابلس 12-30 ألف دولار. في رده على مذيع قناة الجزيرة في 22 فبراير 2011م، قال خالد الكعيم وكيل وزارة الخارجية الليبية بشأن المرتزقة «أنا مستعد -ليس للاستقالة من منصبي- ولكن لإشعال النار في جسمي في الساحة الخضراء إذا ثبت أن هناك جلباً بالطائرات لمرتزقة من إفريقيا». وللدقة نقول: إن الكعيم كان صادقا فيما قاله، فالمرتزقة الأفارقة كانوا موجودين أصلا في ليبيا، كما أن عملية جسر المرتزقة الإفريقي لم تتم إلا بعد أن ضاق الخناق على القذافي بعد تاريخ المقابلة. أما المؤشرات في مسرح العمليات والتي تثبت أن من واجه المتظاهرين هم الفيلق الإفريقي فهي:
1 - طريقة ومكان إصابة شهداء المظاهرة؛ حيث تعرضوا لثلاث طلقات متتالية في الرأس والصدر، وتلك طريقة رمي جنود القوات الخاصة، ولنوع سلاحهم الذي يرمي صليات من ثلاث طلقات متتابعة.
2 - الهويات الشخصية للمرتزقة القتلى.
3 - جثث المرتزقة التي وجدت وقد نفذ فيهم الإعدام بطلقة في الرأس، وهو العقاب الوحيد المعروف في وحدات المرتزقة حول العالم عند رفض تنفيذ الأوامر.
4 - اعترفت كينيا، على لسان قائد قواتها الجوية ومساعد وزير خارجيتها، بوجود مرتزقة كينيين ضمن الجنود الأجانب الذين استدعاهم القذافي لمساعدته في محاربة الثوار.
لقد كانت ردة الفعل الأولية في ساحة العمليات هي قيام المتظاهرين، بإعدام كل مرتزق مما هبّط من معنويات الفيلق الإفريقي، كما أدت عملية الزج بالمرتزقة في ميدان الصدام مع الشعب الليبي إلى انضمام وحدات من الجيش إلى صفوف المحتجين على أساس أنهم قبلوا الانخراط فيه لقتال عدو أجنبي وليس لمحاربة الشعب الليبي.
إن خطر نجاح الفيلق الإفريقي في ترجيح كفة القذافي يتعدى الحدود الليبية، فإذا نجح القذافي في الإفلات من مصير مبارك وزين العابدين بهذا الفيلق خاصة فنتوقع التالي:
1. سيطلق القذافي المرتزقة من كلاب الحرب لتصفية حساباته الإقليمية، وسيعود لتصديرهم لخلق عدم الاستقرار.
2. إذا استطاع الفيلق الإفريقي إيصال الصدام إلى حالة الثبات وعدم استمرار زخم توسع الثورة فسوف يستدعي القذافي المزيد من المرتزقة. ولن يحول الحظر الجوي لوحده دون تدفقهم فالحدود الليبية الجنوبية شبه مفتوحة، والشمالية البحرية مخترقة في زمن الفوضى وغياب خفر السواحل.
3. سيفتح نجاح الفيلق الإفريقي الباب أمام الكثير من زعماء الدول القمعية للاستعانة بالمرتزقة تحت مسميات عدة كشركات أمنية ومتعاقدين أمنيين وخبراء تدريب وغيرها.
4. تدفق المرتزقة على بؤر الأزمات في العالم العربي كله، فقد لاحظنا في الأيام القلية الماضية عودة الكثير من إعلانات طلب العمل الأمني في الخارج عرضا وطلبا «Overseas Security Jobs» في مواقع المرتزقة المشهورة «Dangerzonejobs» و «Soldier of Fortune» وحتى مدونة «feraljundi» للهواة من محبي المغامرة. إن انحياز الجيش الليبي بأسلحته القديمة وتدريبه المتواضع وولاءاته القبلية إلى الشعب، قد لا يكون كافياً لوقف فيالق المرتزقة التي دربها القذافي طوال 40 عاما لتكون درعاً له في مثل هذه الأيام. فهي تملك إمكانات قتال المدن والالتحام عن قرب، وقتال الشوارع، والقنص، والتخريب، مما لا يجعل أمام المجتمع الدولي إلا ضرورة مراجعة قراره الأخير وإعادة تضمينه حق مجلس الأمن في التدخل العسكري، وإذا كانت هناك محاذير من التدخل الأجنبي الغربي فإن البديل قد يكون بالتدخل العربي، خصوصا أن هناك أجواء من الثقة والاحترام عبر العالم العربي كله للجيشين المصري والتونسي وهما الأقرب لعنق القذافي.
تعليقات