ببساطة، وباختصار، وبعيدا عن اللف والدوران، دول الخليج برأي سعد العجمي بحاجة لمارشال سياسي لا اقتصادي ؟!

زاوية الكتاب

كتب 2061 مشاهدات 0


مارشال سياسي لا اقتصادي يا سادة
سعد العجمي

ببساطة وباختصار وبعيداً عن اللف والدوران، دول الخليج ليست بحاجة ملحة إلى 'مارشال' اقتصادي لمواجهة تداعيات الثورات العربية في المنطقة وتأثيراتها في دول المنظومة الخليجية، فهي تملك من الخصوصية ما يجعلها قادرة على تجاوز تلك المخاطر بمجرد إقدامها على بعض المبادرات هنا وهناك.
لم يأتِ حاكم خليجي على ظهر دبابة بريطانية أو أميركية ليحكم بلاده، ولم يستخدم أي منهم الجيش للقيام بانقلاب عسكري، وحتى إن حصل تغيير في أغلب شخوص القادة في بعض دول الخليج في حقب زمنية سابقة، فإنه جاء في إطار ترتيبات عائلية ضيقة جداً لم تُرق فيه قطرة دم واحدة، كما أن طبيعة الحكم في الخليج ذات صيغ متقاربة، إما من خلال إرث عائلي متسلسل منذ مئات السنين وإما من خلال حركة توحيد شاملة شارك فيها مجتمع كامل مثل توحيد المملكة العربية السعودية.
الدعم الاقتصادي المتبادل بين دول الخليج لمساعدة بعضها بعضا في هذه المرحلة أمر مهم، لكن هناك ما هو أهم منه بمراحل وأكثر تأثيراً وديمومة واستمرارية، وأعني هنا 'مارشال' إصلاح سياسي متكامل في خطين متوازيين هما محاربة الفساد وتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية، لأن أي مطالب حالية ستحل لأن أغلبها يأتي تباعاً لهذين الأمرين.
عندما ترى شعوب المنطقة أن ثرواتها تتبدد أو يُستأثر بها بسبب ممارسات خاطئة من قبل أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل بلد، فإن النفوس ستكون مشحونة والأوضاع لن تكون مستقرة، وعندما 'يعشش' الوزراء والوكلاء في مناصبهم لعشرات السنين، وكأن 'ما في هالبلد إلا هالولد' فإن الناس ستشعر بالتمايز والتهميش.
نعم عندما يتم ردم البحر في أغلى موقع في قطر من قبل شخصين للحصول على الأراضي وإجبار الشركات على شرائها بأسعار خيالية، وعندما تُبنى أحياء كاملة في مدينة جدة بطرق مخالفة ويغرق أهلها مع كل موسم أمطار، وعندما كشفت لنا الأزمة الاقتصادية أن دبي أشبه بجبل من الرمال، وعندما يستحوذ 'أحمد عز الكويت' على كل شيء بما في ذلك الهواء الذي يستنشقه الكويتيون، فماذا عساكم أن تتوقعوا ردة فعل الشعوب بعد أن شاهدت ما يجري حولها في بعض الدول العربية؟
أكيد أنكم سمعتم عن وزراء ورجال أعمال ومتنفذين خليجيين سرقوا واختلسوا واستغلوا سلطاتهم ومناصبهم لينهبوا الملايين بل المليارات دون وجه حق، لكنني متأكد أنكم لم تسمعوا أن أياً منهم قُبض عليه وأُودع السجن واستُردت أموال الشعب التي حصل عليها زوراً وبهتاناً. كم من بنوك تكبدت الخسائر! وكم من شركات أعلنت إفلاسها! وكم من وزارات أفرغت خزائنها بسبب أشخاص فاسدين يعيشون الآن في العواصم العربية والأوروبية من خيرات الشعوب وثرواتها!
مطالب أغلب شعوب دول الخليج مطالب محدودة وسهلة التطبيق، وهي لم ولن ترقى بأي شكل من الأشكال إلى تلك التي تنادي بها شعوب عربية أخرى من حيث السقف، فهي تدور جميهاً في فلك إصلاح الأنظمة لا تغييرها، وتنفيذها متاح بل ضروري لأنها في النهاية تزيد من شرعية الأنظمة وتكرس تماسكها وقوتها.
لا يمكن القيام بإصلاحات اقتصادية قبل خلق أرضية صلبة لإطلاقها والبدء بتنفيذها عبر إصلاحات سياسية شاملة، وسن تشريعات تؤطر تلك الخطوات عبر بوابة تطبيق القانون على الجميع والتوزيع العادل للثروة، والاهتمام بتنمية البشر قبل الحجر، والنظر إلى الشعوب كشركاء في الأوطان وليسوا مجرد رعايا.
على كل، فإن الحديث عن 'مارشال' خليجي اقتصادي في هذه المرحلة لمساعدة البحرين وعمان هو أقرب إلى المسكّن أو قرص 'البنادول' الذي سينتهي تأثيره بمجرد صرف تلك الأموال التي ستقدم للدولتين، ولعل الحل الأفضل والاستراتيجي هو إطلاق 'مارشال' سياسي خليجي شامل يؤسس لمرحلة تطبيق الرقابة الشعبية على أعمال الحكومات الخليجية؛ حتى إن اختلفت أشكال تلك الرقابة وصيغها من دولة إلى أخرى.

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك