عن مشروع 'المارشال الخليجي' يكتب حسن جوهر، حزمة من الدولارات لا يمكنها استيعاب الموقف ؟!

زاوية الكتاب

كتب 2560 مشاهدات 0


مارشال خليجي!
د. حسن عبدالله جوهر

إذا أراد قادة الخليج بالفعل قراءة توالي الأحداث والتغييرات العاصفة من كل حدب وصوب واحتضان شبابهم، فعليهم أن يعلنوا القمة الخليجية عنواناً رئيساً للإصلاحات السياسية والمشاركة الشعبية في إطار مؤسسات دستورية وقانونية عصرية وذات أفق مستقبلي بعيد كبداية لـ «مشروع مارشال خليجي» قولاً وفعلاً!

تعتزم دول مجلس التعاون الخليجي تقديم حزمة مساعدات مالية لكل من سلطنة عمان ومملكة البحرين على خلفية الحراك الشعبي القوي وغير المتوقع والمطالبة بإصلاحيات سياسية جذرية فيهما، ويحاول البعض تشبيه هذه المبادرة الخليجية بـ'مشروع مارشال' الذي أحيا أوروبا الغربية بعد تدميرها بشكل شبه كامل في الحرب العالمية الثانية.

و'خطة مارشال' باختصار تمثلت في مبلغ 13 مليار دولار اقترحها وزير الخارجية الأميركي، الذي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش الأميركي في أثناء الحرب، في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد العريقة، كنواة لإعادة إعمار أوروبا.

وقامت هذه الخطة على محورين مهمين: الأول، تشغيل 'الماكينة' الصناعية عبر منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي لإدارة الاقتصاد المشلول من جديد، والثاني تدشين الديمقراطية لوقف المد الثوري الذي ساد العديد من المجتمعات الأوروبية وتحديداً ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

وخلال أربعة عقود من الزمن نجحت 'خطة مارشال' في إقامة أحد أقوى الاقتصادات في العالم وبروز نجم الاتحاد الأوروبي الذي يضم اليوم قرابة 30 دولة تحت علم موحد وعملة مشتركة وحدود سياسية ملغاة من الخريطة.

ولكن 'مشروع مارشال- الخليج' المقترح لم يأتِ متأخر جداً فحسب، بل إنه جاء مبتوراً وبالتأكيد سيسير كالبطة العرجاء إذا لم يدرس بعناية وتحدد له أهدافه الاستراتيجية، وبعكس دول مجلس التعاون تختلف أوروبا في كل شيء تقريباً بدءاً باللغة ومروراً بالقوميات وانتهاءً بالمذاهب التي تقاتلت بشراسة على مدى مئات السنين ولم تجمعها وتوحدها كقوة متكاملة سوى الديمقراطية والاقتصاد الحر اللذين ساهما في تحولها إلى أنظمة ومؤسسات فوق قومية.

أما منظومة مجلس التعاون الخليجي ورغم دخولها العقد الرابع فلم تحقق أدنى درجات الكونفدرالية حتى على صعيد السياسة الدفاعية أو الخارجية دع عنك العملة الموحدة، بل من المؤسف جداً أن يدرك مجلس التعاون حجم الضعف الاقتصادي لعضوين من أعضائها، والذي قد يشكل الوقود الأساسي لخروج الناس عن صمتها باسم الجوع والبطالة؛ في حين أن صناديق الاستثمار السيادية التي تقدر بأكثر من 2000 مليار دولار تستثمر في أميركا وأوروبا!

وليس بالاقتصاد وحده يكتب الاستقرار، فالانتفاضة العربية انتقلت سريعاً إلى منطقة الخليج وباتت شعوب الخليج أيضاً متعطشة للديمقراطية الحقيقية والمشاركة في الحكم وفرض قواعد الشفافية والمحاسبة لحكوماتها، وبلغت المطالب السياسية سقفاً لم يتوقعه حتى حكام المنطقة، وفي مقدمتها الملكية الدستورية إن لم يكن أبعد من ذلك، ومنتديات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تُعبأ بشكل شبه يومي وتتغلغل في صفوف الشباب والمثقفين ورجال الدين في عموم دول مجلس التعاون في هذا الاتجاه.

لذا فإن حزمة من الدولارات لا يمكنها استيعاب الموقف ولن تمتصه تماماً، وإذا أراد قادة الخليج بالفعل قراءة توالي الأحداث والتغييرات العاصفة من كل حدب وصوب واحتضان شبابهم، فعليهم أن يعلنوا القمة الخليجية عنواناً رئيساً للإصلاحات السياسية والمشاركة الشعبية في إطار مؤسسات دستورية وقانونية عصرية وذات أفق مستقبلي بعيد كبداية لـ'مشروع مارشال خليجي' قولاً وفعلاً!

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك