الكثير من الحكومات لم ولن تستوعب الدرس في تونس ومصر برأي حسن جوهر ؟!
زاوية الكتابكتب فبراير 15, 2011, 12:12 ص 2450 مشاهدات 0
العيال كبرت !
د. حسن عبدالله جوهر
الثورة الشعبية في مصر قد تفتح معابر التغيير في العالم العربي على مصراعيها، وقد يأخذ هذا التغيير إما النمط السريع والخاطف وإما النمط المتدرج والسلس تبعاً لطبيعة الأنظمة السياسية وقدرتها على فهم الحراك الشعبي في بلدانها.
ويبدو أن الكثير من الحكومات لم ولن تستوعب الدرس في تونس ومصر، لأنها ببساطة لم تفهم بعد أن العالم قد طوى على الأقل عقدين من زمن العولمة والمعلوماتية وثورة الاتصالات، وبروز نجم الشباب المدجج بالجرأة والشجاعة في مقابل الرتابة والانهيار شبه الكامل لمنظومة التنمية، وتفشي الفساد واهتراء الخدمات العامة وانتشار الفقر والبطالة.
وانعكست الصورة الأممية التي سادت حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في العديد من دول العالم الثالث في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بما في ذلك الشرق الأوسط، حيث قفزت النخب المثقفة والعسكرية والإيديولوجية على كراسي الحكم في ظل تفشي الأمية والجهل والمرض بين الشعوب، فاليوم وبفضل غول الإنترنت ومنتديات 'الفيس بوك' و'التويتر' تحولت فئة الشباب التي تصل نسبتها إلى 50% في معظم البلاد العربية إلى النخبة بكل أنواعها المثقفة والمهنية في حين أن القيادات الحاكمة لاتزال تعيش أوهام الماضي، وزادت الفجوة بينها وبين قواعدها، ولم يعد هناك أي نوع من التواصل بين العروج العاجية ونبض الشارع بهمومه وآلامه وطموحاته.
ولم تلتفت الزعامات الهرمة إلى أن 'العيال كبرت' وكبرت معها الآمال والاستحقاقات وضاقت ذرعاً بالكبت والحرمان حتى من الكلمة والرأي، ومع ذلك وحين تنفجر لحظات الغضب تستمر المكابرة، ويقال ما هكذا يخاطب العيال والدهم الذي يباشر تأديبهم، ولو بالقمع والضرب والقتل في الشوارع والميادين العامة!
هذه كانت خلاصة التجربة المصرية التي يجب أن تكون الوصفة السحرية التي أهداها الشعب المصري للعالم أجمع، وهذه هي الوتيرة التي ستشهدها الدول العربية دونما استثناء اللهم في بعض الفوارق الشكلية التي تمليها سقف المطالب وإمكانات كل بلد، فثورات الألفية الثالثة غير مؤدلجة فكرياً وليست تياراً قومياً ليتم احتواؤها عبر اتهامها بالشيوعية، وليست دينية ليجعل منها فزاعة للتحريض عليها باسم التشدد والإرهاب!
ولكنها حركة شعوب دبت فيها روح الحياة وفتحت عيونها على صور الفساد وتوأمة السلطة والمال، وتململت من سخافة نتائج صناديق الاقتراع المعدة سلفاً، وتكسرت أمامها جدران التعتيم الإعلامي.
إنها حركة شعوب باتت تعرف كيف تكون الحياة الكريمة وقيمة الإنسان فيها بإرادته، شعوب لم تعد تقبل أن تعيش على كوكب تحيطها الديمقراطيات وتداول السلطة والشفافية والمحاسبة وحقها في ثرواتها من كل جانب، ولكن يراد لها أن تبقى حبيسة قنينة علاء الدين لمئات السنين لأن أزلام السلطة يرفضون فركها حتى لا ينطلق إلى عالم الوجود!
وإذا كانت من عبر في الثورة المصرية فهي ليست للحكام فحسب، بل للإعلام المضلل في كل مكان أيضاً، فقد كانت القنوات المصرية الحكومية تصف ملايين المتظاهرين بمجموعة من المخربين لا يتجاوز عددهم بضع مئات، والعبرة أيضاً 'للبلطجية' من أيتام النظام الذين هاجموا الناس بالسكاكين والقنابل الحارقة والخيول والجمال، ولكنهم يتظاهرون اليوم لأنهم لم يتقاضوا أجورهم نظير ذلك، والعبرة لأدعياء الفكر والثقافة والفن والعلم الذين صمتوا كالأموات خوفاً على مراكز القرب من السلطة وكرمها لعل وعسى هذه الثورة تقمع أو تموت، وأخيراً العبرة لوعاظ السلاطين ممن حاولوا لي ذراع الدين في خدمة السلطة الظالمة فحرموا الاحتجاج والتظاهر، ولهؤلاء ولأقرانهم في عموم العالم العربي نقول لا عزاء لكم... و'غوروا' مع أسيادكم!
تعليقات