الخليج العربي وخطأ تصدير الثورات
عربي و دوليفبراير 5, 2011, 10:40 م 3925 مشاهدات 0
يصعب علينا مقاومة سحر المترادفات وما تخفي خلفها من أسرار،فالفرق بين الخطأ والغلط كما يقول أهل اللغة: أن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه ويجوز أن يكون صواباً في نفسه، وأما الخطأ فلا يكون صواباً على وجه أبداً. ورغم إن الثورة المصرية 1952م قد ساعدت بخطابها النبيل شعوب الخليج على التخلص من تبعات اتفاقيات الحماية البريطانية،الان انها جوبهت بالرفض حين حاولت تصدير نفسها لنا بكل اهدافها التي لم تكن تناسبنا آنذاك،فكانت غلطا تم تداركه لاحقا. ومن جهة اخرى كانت تلك الثورة بمثابة جرعة تطعيم ساعدت على تكوين أجسام مضادة و بناء مناعة ضد التحولات السياسية الحادة والانقلابات الدموية التي وشمت جسم الوطن العربي في عدة مواضع .
وفي مطلع العقد الثامن من القرن العشرين،وبفضل تلك المناعة قاومنا في دول مجلس التعاون خطأ القيادة الايرانية لتصدير الثورة الاسلامية بالقوة، وشاء الله ان يلقي بالطاغية صدام حسين في فم تلك الثورة فغصت به طوال ثمان سنوات حتى كادت ان تختنق ؛ولم يكن وقود رفضنا لاسباب عقائدية كما يعتقد البعض، بل لدعوتها الصريحة لتغيير نمط حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.أو كما يجمله الاميركان في كلمات يقاتلون من أجلها وهي Our Way of Life '' أو(أسلوب حياتنا ) .
ولاشك اننا في دول مجلس التعاون في حاجة للاصلاح السياسي الذي يقود للمشاركة الشعبية في صنع القرار. وبحاجة أيضا الى هياكل رقابية محكمة لوقف الفساد الذي نعاني منه دون استثناء من جبال الأحقاف على حدود اليمن جنوبا الى البحيث على حدود العراق شمالا . لكنني أشعر بالاهانة المفتوحة حين تشير بعض وسائل الاعلام العربية والغربية بالتصريح أو بالتلميح إلى ان دول الخليج العربي أو بعضها مرشحة لركوب قطار التغيير الذي بدأ تحركه فجأة في العالم العربي .
بل إن اشد مايقلقنا هو ان يدفع هذا الاستفزاز الاعلامي بعض الخليجيين الى الوقوف السلبي تجاه مايجري في تونس ومصر من حراك إيجابي . وقد صدق الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حين صرح يوم الجمعة 4 فبراير 2011م وبما يمثله من ثقل عقائدي في الخليج العربي قائلا : ' أن من أسباب الفتن والغواية والضلال إثارة الفتن بين الشعوب والحكام من خلال المظاهرات والمسيرات' .ولم يقل سماحته ذلك الا بعد أن ضاق ذرعا بخطاب (تصدير الثورة ) من وسائل اعلامية وصفها' بـ(الإعلام الجائر) الذين يبثون الأحداث على غير حقيقتها، وشحن القلوب بلا حقائق.'
استراتيجية التبشير الفج التي تتبناه بعض وسائل الاعلام، تقود المواطن الخليجي الى شعور بالتعاسة،فما أشده من ظلم حين يفرض عليك أحد ان تحتفظ بخياراتك الحقيقية لنفسك وتتبنى مايلهمونك به .أوحين يقرأ احد بالنيابة عنك حقيقة المشهد الخليجي. بل ويفرض عليك تكييف مفهوم الحرية والعدالة الاجتماعية كما يراها .ويصمك بكل قبيح حين تفشل في إقناعه بأنك تعيش حياتك راضيا بما تنعم به من الازدهار الاقتصادي والتقدم التقني والاعتدال الفكري والتعايش السلمي والاستقرار الأمني في الخليج . بل و الانفتاح الإعلامي الإخباري، وانتشار الديوانيات و الصالونات الثقافية في المدن الخليجية، وتزايد أعداد التيارات الأكاديمية الإصلاحية المنضبطة،رغم المنغصات بين حين وآخر .
نجمل القول صافيا إلى أننا في الخليج العربي -رغم ان المشهد العربي قد توالت فصوله بمتغيرات سريعة تقطع الأنفاس- ننعم بهامش كبير من الاستقرار والرفاه الذي يجعل لدينا أولويات أخرى. وأجندة غير التي تروج لها بعض وسائل إعلام تمتلك ادوات حادة توظفها في الاثارة الرخيصة. فمن أولوياتنا الملحة توطين مشاريع التنمية ،وتنويع الدخل، و نشر ثقافة الهم الجمعي الخليجي،بما فيه من وحدة خليجية، فدرالية كانت أو حتى كونفدرالية. كما إن من أولوياتنا تكييف مفهوم أمن الخليج العربي ليكون خليجيا بالدرجة الاولى بعيدا عن الهجمة الغربية أو الطموح الايراني .كما إن من خياراتنا الاصلاحية تحول الامانة العامة لمجلس التعاون الى ما يشبه المفوضية الأوروبية (European Commission) لتكون الذراع التنفيذي لمجلس التعاون،مسؤولة مباشرة عن اقتراح القوانين والتشريعات من خلال الهيئة الاستشارية المنتخبة، و مسؤولة أيضا عن تطبيق قرارات مجلس التعاون بقوة عابرة للسيادة المحلية لكل بلد.خول فالاصلاح في اطاره الاقليمي قد يجبر الجميع على الدخول فيه .
لسنا في الخليج بالانعزاليين عن قضايا أمتنا ،بل نعرف من المترادفات اللغوية الفرق بين البعض والجزء، و أن البعض ينقسم والجزء لا ينقسم ،والجزء يقتضي جمع والبعض لا يقتضي كلاً.وبرؤية واضحة نعرف اننا جزء من الوطن العربي، ونقف مع اخواننا في ميدان التحرير وفي تونس،و ويعرف صبيتنا من هي فايدة حمدي الشرطية التي فجرت ثورة الياسمين حين صفعت محمد البوعزيزي. كما تعرف فتياتنا من هي أسماء محفوظ التي فجرت جمعة الغضب فنزل معها في مصر آلاف الشباب،ونزلت معها قلوبنا بالملايين حين قالت على اليوتيوب : 'هنزل يوم 25 يناير ومش خايفة' .
تعليقات