محمد عبدالقادر الجاسم يرى 'دستورية'فكرة الدائرة الانتخابية الواحدة وأنها توفر ضمانات ممارسة الناخب حقه في الانتخاب

زاوية الكتاب

كتب 638 مشاهدات 0



دستورية الدائرة الواحدة! 
 
كتب محمد عبدالقادر الجاسم

في موضوع الدائرة الانتخابية الواحدة يجب أولا أن نبحث في الجانب الدستوري قبل السياسي. فالمادة 81 من الدستور تنص على أنه «تحدد الدوائر الانتخابية بقانون». وقد يفهم من حرفية هذا النص وجوب أن تتعدد «الدوائر الانتخابية» وأنه لا يجوز بالتالي اعتبار الكويت دائرة انتخابية واحدة. بيد أن هذا التفسير يفترض أن المشرع الدستوري، حين استخدم عبارة «الدوائر الانتخابية» إنما كان يقصد تعددية الدوائر ويقصد الحيلولة دون اتباع نظام الدائرة الواحدة. إلا أن إدراك هذا القصد يحتاج من الباحث التعرف على جوهر النظام السياسي الكويتي ومحاولة استكشاف ما إذا كان نظام الدائرة الواحدة يتعارض مع هذا الجوهر أو ينسجم معه.

ومن حيث المبدأ يمكن القول أن المشرع الدستوري الكويتي اهتم في المادة 81 ببيان الأداة التي تحدد بموجبها الدوائر الانتخابية وهي القانون، أي أن قصد المشرع الدستوري هنا انصرف إلى بيان الأداة لا بيان نظام الدوائر، فسواء تم اتباع نظام الدائرة الواحدة أو نظام الدوائر المتعددة فالمهم هو أن يتم ذلك من خلال القانون لا من خلال أدوات تشريعية أخرى كالمراسيم مثلا. ويمكن القول أيضا أن المشرع الدستوري ترك أمر اختيار عدد الدوائر الانتخابية للمشرع العادي. وقد يرى البعض أن نظام الدائرة الانتخابية الواحدة أقرب إلى غاية المشرع الدستوري خاصة أن المادة 108 من الدستور تنص على أن «عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة.». وكون عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها يعني وجوب أن تتم اتاحة الفرصة «للأمة» لاختيار من يمثلها، وهذا الاختيار يتعارض مع فكرة تعددية الدوائر الانتخابية.

وفي المقابل قد يرى البعض أن المشرع الدستوري لم يستخدم كلمة «الدوائر» من دون قصد تعددها، وأن المشرع الدستوري منزه عن العبث، وبالتالي فقد انصرف قصده فعلا إلى تبني تعددية الدوائر الانتخابية طالما أنه استخدم كلمة «الدوائر». ووفق هذا الفهم فإنه لا يجوز اتباع نظام الدائرة الواحدة.

ومن دون محاولة تفسير نص المادة 81 من الدستور، يلزم القول أنه ومن حيث المبدأ العام يجب أن يأتي النظام الانتخابي على نحو يكفل للأمة ممارسة حقها في انتخاب من يمثلها كفالة حقيقية لا صورية. وفي هذا الصدد يمكن القول أن نظام الدوائر المتعددة، سواء خمس أو أكثر أو أقل، مشوب بعيب عدم الدستورية إن لم يراع اعتبارات العدالة والمساواة. فالتفاوت الصارخ في عدد الناخبين مثلا في نظام الدوائر المتعددة من شأنه أن يعيب النظام الانتخابي. كما أن تقييد حق الناخب بأي صورة من الصور يعيب النظام الانتخابي. فإذا كان نظام الدائرة الواحدة مثلا يحول بين المرشح وبين وصوله إلى قاعدة الناخبين، أو يحول بين الناخب وقدرته على ممارسة حقه في اختيار من يمثله، فإن هذا النظام يكون غير دستوري أيضا. المهم في الأمر أن يكفل النظام الانتخابي ممارسة الأمة مجتمعة وكل أفراد القاعدة الانتخابية لحق الانتخاب بسهولة ويسر ومن دون معوقات ومن دون تفرقة وتحت مظلة العدالة والمساواة.

إن فكرة الدائرة الانتخابية الواحدة وضمانات ممارسة الناخب حقه في الانتخاب هو موضوع دستوري بالدرجة الأولى، ومن هنا فإنني أتمنى على كلية الحقوق أو جمعية المحامين أو جمعية الخريجين تنظيم سلسلة ندوات علمية تتناول هذا الموضوع كي لا يتوه نظامنا الدستوري وسط غابة الأهواء السياسية.
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك