ما تأثير ما يجري في مصر على الخليج ؟!

عربي و دولي

5263 مشاهدات 0


يبعد صوت تغريد التويتر «twitter» عن صوت العرب من القاهرة ما يقارب الستين عاما، لكن ما صدر حاليا من تغريد طيور جاك دورسي «Jack Dorsey» منشئ تويتر وما كان يذيعه (أحمد سعيد) في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي يكاد أن يصل حد التشابه. فقد حرك صوت تغريد تويتر ملايين المصريين ليملؤوا ميدان التحرير مطالبين بإسقاط حكومتهم، في حين لعب صوت أحمد سعيد دوراً بارزاً في قضايا التحرير والاستقلال الوطني العربي من المحيط إلى الخليج، حتى أن فرنسا في سعيها لإخماد صوته قامت بتوزيع أجهزة راديو مجانية على الجزائريين لا تلتقط بث صوت العرب مطلقا للتعتيم ولإبطال تأثيرها.
والخليج العربي كان وسيظل واحدا من المرايا العربية التي ينعكس عليها معظم ما يجري في مصر من حراك سياسي وثقافي، وعلى من يشكك في ذلك أن ينظر ملياً إلى ما وفرته مصر الناصرية لكل ما يحتاجه أهل الخليج من الإلهام والدعم للتخلص من قيود اتفاقيات الحماية البريطانية، ثم ما وفرته مصر السادات من خلخلة وتغييرات حادة في مفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي، ثم موقف مصر في عصر مبارك من النيران التي أشعلها صدام في شمال الخليج، أو موقف مصر من القلق النووي الذي زرعه نجاد في شرقه.
فبسبب اصطفاف وسائل الإعلام العربية بعد اليوم الثالث من المظاهرات في صفين متناقضين، ولشدة تباين الأفكار والتحاليل والآراء الصادرة منهما، أخذت الحيرة بالمشاهد من يده وسارت به في متاهات طويلة. وإن بدأ هذا المدخل طويلا بعض الشيء، فذلك لكي نؤسس عليه سؤالاً مهماً وهو:      
ما مدى تأثير ما يجري في مصر حاليا على الخليج العربي؟
إن مصر بثقلها العسكري والسياسي حصنٌ نلوذ به حين الخطر، ومن يتجاهل ذلك يعاني من قصور في سعة الأفق أو المكابرة. وما يجري في مصر حاليا هو حدث استراتيجي بكل المقاييس من حيث الحجم والارتدادات الاستراتيجية، بل نكاد نجزم أنه لا يقع قُطر واحد في الشرق الأوسط خارج منطقة الزلزال المصري.   
والمظاهرات المصرية الحالية حدث تأسيسي يشبه حدث يوليو 1952م. حدث يعيد تأسيس وعي المجتمع المصري بنفسه وبالعالم حوله. وإن كان محللون سياسيون قد قالوا ببُعد مظاهرات تونس ونتائجها عن الخليج العربي، فإن الحالة المصرية الآن تختلف اختلافا جذريا يجعلنا نعيد التفكير في مقولة أن دول الخليج هي أبعد الدول العربية عن الفوضوية، يصاحبه غياب تام في شوارعها لثقافة المظاهرات. لكن العولمة قد غيرت كل المفاهيم، ولم يدفع المتظاهرين في ميدان التحرير إلا الفساد السياسي والمالي الذي لا تخلو منه دولة في العالم. كما أن التشابه الفكري والثقافي أصبح متقاربا بين عرب النيل وعرب الخليج، بالإضافة إلى أن الروح الشبابية الثائرة موجودة هنا كما هي موجودة هناك، بل إن ظروف خلق شاب ثائر بلا قضية «Rebel Without a Cause» متوفرة في البيئة الخليجية أكثر من سواها، حيث لا يشغل البحث عن لقمة العيش قطاعات كبيرة من الشباب الخليجي المترف الملول، مما يسهل وقوعه ضحية في يد السياسيين المغامرين.       
إن تحول الاحتجاجات إلى ثورة تطيح بنظام الحكم في مصر سيكون له تداعيات على الخليج العربي في النواحي السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى. ففي الجانب السياسي ستخلق الحالة المصرية الكثير من الإرباكات السياسية، كما ستجر صانع القرار الخليجي إلى غفوة ترقب طويلة تصل إلى حالة الشلل الفكري المؤقت، فيما يشبه حالة الولايات المتحدة الأميركية صبيحة سقوط شاه إيران 1979م.     
ما يحدث في ميدان التحرير يمر كرواية ليس لها خط تصاعدي، بل فنتازيا محيرة، حيث سيشكل سقوط النظام المصري تداعيات ستؤثر على جميع دول المنطقة وعلى كل قضية حيوية فيها، فقد تظهر زعامات مصرية جديدة ذات توجهات تختلف عن توجهات القيادة الحالية. فوصول الإسلاميين في مصر هو وصول لهم بعد ثلاثة أيام في عواصم الخليج العربي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ووضع برنامج حكومة مصرية على ورقة الإسلام يعني نسف اتفاقية كامب ديفيد وإلغاء عملية السلام الضعيفة أصلا. وسوف يشكل ذلك انقلابا كبيرا للسياسة الغربية والأميركية خصوصا في الشرق الأوسط، والخليج العربي. كما أن ذلك سيدفع إسرائيل إلى ضرورة الإسراع في مخطط التخلص من التهديد الإيراني للتفرغ لقلقها الجديد على الحدود المصرية. مما يعني سخونة الجبهة الخليجية وترقب المواجهة الإيرانية الإسرائيلية بمعطيات أقوى مما كانت سابقا.        
كما أن التحولات المصرية ستدفع الولايات المتحدة إلى تبني سياسات احترازية أكثر شدة في أهم مناطق نفوذها وهو الخليج العربي، وقد يعني ذلك دفع دول الخليج إلى القيام بإجراءات تمنع انتقال العدوى التونسية- المصرية بما يحقق استقراراً للمنطقة حتى ولو كان ذلك على حساب هامش الحرية المتوفر حاليا.
وقبل أيام أكد أمين عام مجلس التعاون الخليجي حرص المجلس على استقرار مصر، وقد استبعد السفير عبدالرحمن العطية تأثر الاقتصادات الخليجية بما يحدث في مصر، مؤكدا على أن اقتصادات المجلس قوية وليس لديها مخاوف في هذه المرحلة من التداعيات الاقتصادية للأزمة في مصر.     
ولأن السلاح من سهم وسيف أصدق إنباء من الكتب والخطب، فقد قالت الأسهم الخليجية رأيها فيما يحدث في تصريح يناقض ما حاول الأمين العام استشرافه. حيث عانت أسواق الأسهم بالخليج من انخفاض حاد، حين عمد مستثمرون قلقون بشأن الاضطرابات في مصر ويخشون اتساع نطاق الاحتجاجات، لتصفية مراكزهم، ما دفع المؤشرات الخليجية إلى أدنى مستوياتها في عدة أسابيع.       
سيكون من تأثير ما يجري في القاهرة على الخليج إعادة صناديق الاستثمار الخليجية النظر في استراتيجيتها في ضوء المستقبل المصري. وسيتم إيقاف تصدير المنتجات المصرية إلى السوق الخليجي، مما يعني ارتفاع أسعار المتوفر منها سابقا، كما ستتوقف الصادرات الخليجية لمصر والتي منها البتروكيماويات الخليجية، ولأن سوق العمالة العربية هو الضحية الأولى للمماحكات العربية-العربية فقد تشهد الفترة المقبلة تطورات سلبية على مستقبل العمالة المصرية في دول الخليج، فقد يعاقب النظام المصري الحالي الدول الخليجية التي لم تتعاطف معه، أو أن يعاقب النظام الجديد دولاً تعاطفت مع النظام السابق.
لكن أهم الخسائر ستكون من نصيب القطاع الخاص الخليجي العامل في مصر، فهناك توقف لخطوط إنتاج عدد من المصانع في مصر، بالإضافة إلى خسائر الفوضى وعمليات التخريب. وفي هذا السياق نشير إلى أن الاستثمارات الخليجية تعتبر أعلى وأكبر استثمارات مقارنة بجميع الاستثمارات الأجنبية في مصر. وتأتي الاستثمارات السعودية على قمتها ممثلة بشركات عملاقة وحيوية مثل شركات المراعي وصافولا والمملكة القابضة والزامل والبابطين والحكير. تليها الكويت ببنك الكويت الوطني وأميركانا والكويتية المصرية القابضة، ومنا القابضة، وغلوبل والارجان العقارية والمشاريع المتحدة، أما الإمارات فلها إعمار، واتصالات، وبنك الاتحاد الوطني، ودانة غاز وشركة أغذية. وللبحرين البركة المصرفية، والأهلي المتحد وبنك اثمار، كما أن لقطر بروة العقارية.    
سوف تلقي الأزمة المصرية بظلالها على الشارع الخليجي، فعلى صانع القرار الخليجي التخلي عن الإدارة بالغموض، والتخلي عن مرجعيته الأمنية، ليستمد قراراته من مرجعيات فكرية وتنموية، فأخطر ما يمكن توقعه من تأثيراتها هو انتشار ثقافة التظاهرات التخريبية بين قطاعات من الشباب تتفجر في أنفسهم شحنات هائلة من الطاقة السلبية، وهي أيضا نتيجة الغياب الطويل لثقافة حق التظاهر السلمي عن شوارعنا. الغياب الطويل لثقافة حق  التظاهر السلمي عن شوارعنا .

الآن - د.ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك