خط الفقر الأمني بمواجهة دول الخليج

عربي و دولي

4543 مشاهدات 0


حين كان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الصين في 12 يناير الجاري سربت بكين صوراً لطائرة الجيل الخامس الصينية «J-20»، وهي تقوم برحلتها التجريبية الأولى. وقبلها بأسبوع سرب موقع ويكيليكس برقية صادرة من السفارة الأميركية في تل أبيب، في 18 نوفمبر 2009م تقول «إن عسكريين إسرائيليين ناقشوا مع مسؤولين أميركيين ما أسموه تدابير لتخفيف تبعات بيع طائرات F15 للسعودية، خاصة أن تلك الطائرات سوف يتم تمركزها في تبوك قريبا من الحدود الإسرائيلية». ورغم أن الطائرات المذكورة أكثر تطورا من سابقاتها في المملكة منذ عقود، لكنها تبقى من طائرات الجيل الرابع أو ربما «+4». فماذا لو أن الصفقة كانت لتزويد المملكة أو أية دولة خليجية بطائرات من الجيل الخامس؟

لن يبيع المجمع العسكري الأميركي طائرات من الجيل 5  '5th-gen' للخليجيين في المستقبل المنظور، لكنها لم تعد حكرا على الولايات المتحدة فقط. وفي المعركة الحديثة تقف الطائرات المقاتلة ليس على رأس هرم الجهد الجوي فحسب بل على الجهد العسكري برمته. وتشير التحليلات العسكرية إلى أن ترتيبات الدفاع الذاتي لدول الخليج تعتمد بشكل كبير على التفوق الجوى كعنصر من أهم عناصر عقيدتها القتالية. فما طائرات الجيل 5؟ وما مدى حاجتنا لها؟

توفر طائرات الجيل 5 مستوى متميزا من القدرات القتالية، منها امتلاكها بصمة رادارية منخفضة بتقنية «Stealth»، وتصميم هيكلها غير المستقر إيروديناميكا ليعطيها قدرة فائقة على المناورة، وتستطيع اختراق حاجز الصوت من دون الحاجة لإعادة تعزيز الدفع بالحارق اللاحق «Afterburner». كما تستطيع أن تنطلق من مدرج طوله 300 متر فقط، وهي صالحة للقتال في كافة الأحوال الجوية لفترات طويلة بكميات سلاح كبيرة في داخلها، وليس على الأجنحة المتحركة، وبإمكانها مهاجمة عدة أهداف في وقت واحد في الجو وعلى الأرض. بل لها القدرة على السيطرة التامة على سماء العدو (Air Superiority Fighter) مما يعني الاستغناء عن مركز توجيه المقاتلات، بل حتى الطائرات المرافقة الأخرى للحماية أو التشويش، كما يتم عرض المعلومات على شاشات مركبة على خوذة الطيار بشكل يغنيه عن النظر إلى أجهزة وعدادات الطائرة أمامه.

لم يدخل الخدمة من طائرات الجيل 5 حتى الآن سوى المقاتلة الأميركية «F-22A Raptor» في ديسمبر 2005م. وهي من صناعة لوكهيد مارتن «Lockheed Martin» بالتعاون مع بوينغ «Boing». أما المقاتلة الأخرى فهي «F-35 Lightning II» وستدخل الخدمة في 2014م. كما أن في الأفق العديد من المشاريع الجادة لإنتاج طائرات الجيل الخامس، فهناك المقاتلة الروسية «T-50» وستدخل الخدمة في 2015م. كما أن الصين تسرب بين حين وآخر معلومات عن مشروعها المسمى «J-20» لإنتاج طائرة قتال من الجيل 5، أما اليابان فتعمل جاهدة لإنتاج طائرتها «ATD-X» بقدرات مقاتلات الجيل الخامس.

لقد بدأت الولايات المتحدة وروسيا في تسجيل طلبات زبائن لشراء مقاتلات الجيل 5، ومن تلك الدول إسرائيل التي ستحصل على «F-35» بعد خمس سنوات، كما أن هناك تعاوناً أوروبياً–أميركياً في مشروع هذه الطائرة حيث تتعاون لوكهيد مع مجموعة بي.أيه.إي سيستمز «BAE Systems» البريطانية. كما تشترك معها دول أخرى هي بمثابة زبائن مستقبليين، ومنهم بريطانيا وكندا وأستراليا والدنمارك وهولندا والنرويج وإيطاليا وحتى تركيا. وعلى الجانب الآخر هناك تعاون روسي هندي حتى تستطيع مومبي الحصول على المقاتلة الروسية «T-50» عام 2015م، كما أبدت ليبيا رغبتها في شراء 12 إلى 15 طائرة من هذا النوع. وتحتاج دول مجلس التعاون لطائرات الجيل 5 ليس حين تتوفر ظروف الحصول عليها، بل في الوقت الراهن قبل أن تصبح الأجواء مكتظة حولنا بطائرات الجيل السادس، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها:  
 
1.    استنادا لمراكز استراتيجية عدة، تمتلك إيران كمنافس محتمل 302 طائرة مقاتلة، مقابل 571 طائرة في دول مجلس التعاون، لكن تسارع النجاحات الصناعية العسكرية الإيرانية يحتم بناء قوة ردع خليجية، تتمثل في امتلاك قدرات تسلحية فوق تقليدية من خلال امتلاك تفوق جوي إقليمي بطائرات الجيل الخامس.
  .2 يتسارع تفوق أنظمة الدفاع الجوي على ضفتي الخليج بوتيرة أسرع من تطور الطائرات المقاتلة، حيث انتشرت في المنطقة وبكثرة أنظمة الجيل الخامس من المضادات.
 .3 بحلول عام 2015م ستدخل مقاتلات الجيل 5 إلى الشرق الأوسط، ليس في القواعد الجوية الخليجية أو حتى العربية بل في إسرائيل التي ستحصل على «F-35»، بينما لا تزال مقاتلات الجيل الرابع من طراز «F16» تملأ أفق العديد من الدول العربية من مصر إلى عمان.
 .4 وجود طائرات الجيل 5 سيبعد احتمالات الحرب المحلية في الخليج، وسيخلق نوعا من التوازن على ضفتي الخليج.
 .5 في ظل غياب الصواريخ قصيرة المدى -الوحيدة القادرة على إسقاط الطائرات- جراء معاهدة تصفية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى بين واشنطن وموسكو في 1987 تصبح هناك ضرورة لمقاتلة تستطيع إسقاط الطائرات المعادية.
 .6 لا تملك دول مجلس التعاون نتيجة للنقص في القوى البشرية إلا الاعتماد في عقيدتها العسكرية على القوة الجوية كأساس لقوتها العسكرية وعليها رفع جاهزيتها.
 .7 نتيجة لتوجهات الولايات المتحدة تقليل تواجدها العسكري في المنطقة بعد الانسحاب النهائي من العراق 2011م يصبح من الضروري تعزيز مستوى الردع الخليجي الذاتي بسلاح فعال.
 .8 تحاول صناعات الطيران الغربية دون نجاح دفع حكوماتها لتمويل برامج عسكرية متطورة رغم المنافسة الروسية والصينية لصناعة طائرات الجيل 5، مما يفتح الباب أمام الأموال الخليجية لدعم هذه الصناعة، كما فعلت سابقا طوال الأربعة عقود الماضية.
 .9 لعدم قدرة دول المجلس تحمل الضربة الأولى، يصبح من عقيدتنا القتالية نقل المعركة إلى أرض الخصم، أو اعتماد التجريد الجوي لوأد خطط العدو قبل وصولها لمنشآتنا الحيوية. ولطائرات الجيل الخامس القدرة على اكتشاف الأهداف الجوية وتدميرها وهي على بعد 400 كيلومتر.
في صفقة القرن التسلحية أنفقت دول الخليج 123 مليار دولار لشراء أسلحة تقليدية لم يكن من بينها طائرات من الجيل الخامس. وفي الوقت نفسه استطاعت إيران أن تبدأ في صناعة طائرة (الشفق)، وهي طائرة ذات مقعدين ومزوده بمحركين من تصميم روسي. حيث تقارنها إيران بطائرات الجيل 5 الروسية، ويقر مراقبون غربيون أنها تتمتع فقط ببعض ميزات التخفي.
سوف تمنع عراقيل اللوبي الصهيوني حصول الخليجيين على طائرات الجيل5 الأميركية، إلا أن هناك أكثر من مدخل للالتفاف على هذه العقبة، فمن خلال (برنامج التوازن الاقتصادي) اشترطت السعودية على شركة «بي أيه إي سيستمز» ضمن عقد طائرة يوروفايتر «Typhoon Eurofighter» أن يتم تجميع 48 طائرة بأيد سعودية وتوطين تقنيتها، حيث يمكن تطوير هذه المقاتلة لتصبح من طائرات الجيل الخامس في الحظائر السعودية. أما الخيار الثاني فهو في التوجه لروسيا أو للصين كما فعلت الكويت وكما حدث في صفقة رياح الشرق الصينية للسعودية.
نقرّ أن من السذاجة الاعتماد على الحس الاستراتيجي لصانع قرار كان من أخطائه شراء السلاح الذي يعرض وليس السلاح الذي تريده عقيدته العسكرية. لكن وجودنا في الخليج تحت خط الفقر الأمني لا يجعل أمامنا وأمام صانع القرار إلا الإصرار للحصول على الأفضل ليغير موقعنا من ذلك الخط البائس..

الآن - د.ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك