انتفاضة تونس برأى أحمد الديين قابلة للتكرار مع مَنْ لا يتدارك أمره مع شعبه؛ ويرفض أن يُصلح حكمه؛ ولا يتعظ بغيره!

زاوية الكتاب

كتب 878 مشاهدات 0



عالم اليوم

تونس وأخواتها...! 
 
كتب احمد الديين
ما حدث في تونس له أسبابه السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، ولم يكن إضرام بائع الخضار الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية عربته يوم الجمعة السابع عشر من ديسمبر الفائت سوى الشرارة، التي أشعلت نار الانتفاضة الشعبية، وكان يمكن أن تندلع لأي سبب آخر بعدما نضجت ظروفها الموضوعية وتفاقمت تناقضات الوضع التونسي ووصلت إلى ما وصلت إليه من استبداد وفساد وانسداد أفق... وحقا فإنّ “معظم النار من مستصغر الشرر”!
ما حدث في تونس لا يمكن أن ينحصر في تونس، ليس لأنّه “موضة” يمكن تقليدها و”تجربة” يمكن استنساخها، وإنما سيحدث هذا ويتكرر لأنّ الأسباب الموضوعية والتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أدّت إلى انتفاض الشعب التونسي قائمة موضوعيا في أكثر من بلد عربي من المحيط إلى الخليج على نحو مشابه أو آخر؛ مع تفاوت الملابسات واختلاف الظروف والمستوى، الذي بلغته حدّة التناقضات... فمعظم بلادنا العربية تحكمها أنظمة مستبدة، بعضها استبداد مكشوف، وبعضها الآخر استبداد مموّه ومغلّف بديكور “ديمقراطي” شكلي يكتفي بالانتخابات ويقيّد الحريات... أنظمة حكم تفتقد المشروعية الشعبية وفَقَدَ بعضها المشروعية التاريخية، وأصبح خارج التاريخ، ويكفي أنّه ليس بينها جميعا نظام حكم ديمقراطي واحد وفق المعايير الديمقراطية... أنظمة حكم تابعة ذليلة للأجنبي الإمبريالي ومتواطئة خانعة للعدو الصهيوني، وإن ادعت لفظيا خلاف ذلك... أنظمة حكم فاسدة مفسدة، ناهبة لخيرات بلدانها ومستغلة لمقدرات شعوبها... أنظمة حكم ليس لديها مشروع غير مشروع حكمها وتأبيده وفرض استمراره بالقوة أو بالتضليل... أنظمة حكم سدّت الأفق التنموي الحقيقي أمام مجتمعاتها وتقدمها نحو المستقبل، والتنمية في مفهومها إنما هي مليارات تُسلب ومشروعات تُنهب، واقتصادات ريعية مشوهة، وسرقات تحت غطاء الخصخصة... أنظمة حكم يتحكم بها أصحاب المصالح والنفوذ بادعاء فرض “سيادة القانون”... أنظمة حكم همّشت أقساما واسعة من مواطني بلدانها وتتعامل معهم كرعايا وأتباع... أنظمة حكم مزّقت النسيج الوطني لمجتمعاتها وأحيت الهويات الصغرى فيها؛ وأججت المشاعر والنعرات والعصبيات بما يخدم مشروعها في إحكام قبضتها على الشعب المفتت!
هذه هي حال أنظمة الحكم المتحكمة في “تونس وأخواتها” مع اختلاف في التفاصيل وتنوّع في الجزئيات... وبالتالي فإنّه من الطبيعي أنّ ما حدث في تونس لن ينحصر في تونس طال الوقت أم قصر، وبفعل هذه الشرارة الصغيرة أو تلك، خصوصا عندما تغلق هذه الأنظمة الأبواب في وجه مشروع الإصلاح الجدّيّ المستحق، فلا يكون أمام الناس من طريق بديل غير طريق التغيير، فإن لم يكن سلميا تحوّل عنفيا، وهذا منطق التاريخ... شهدناه أخيرا في تونس، وشهدنا “بروفاته” في الأردن والجزائر، وسبق أن شهدناه على أرض الواقع التاريخي الملموس مرتين في السودان، عندما انتفض الشعب السوداني أول مرة في أكتوبر 1964 وأسقط حكم الديكتاتور العسكري البائد إبراهيم عبود، وأقام نظاما ديمقراطيا برلمانيا بديلا، وعندما كرر الشعب السوداني انتفاضته في أبريل من العام 1985 وأسقط نظام الديكتاتور المقبور جعفر النميري، وأعاد النظام الديمقراطي البرلماني مجددا إلى السودان، قبل أن ينقلب عليه عسكريو جبهة الإنقاذ في العام 1990 ويقودوا بلادهم إلى الحرب الأهلية والتقسيم... هذا غير الانتفاضات الشعبية الأخرى غير المكتملة أو المجهضة في البحرين قبل استقلالها في مارس من العام 1965، والعراق قبل احتلاله في انتفاضة مارس من العام 1991، وفي مصر مثل هذه الأيام من يناير من العام 1977.
إنّ الانتفاضات الشعبية ليست أمرا مستجدا على الشعب العربي من محيطه إلى خليجه، وإنما هي طريق مجرّبة وتجربة مطروقة قابلة للتكرار عندما تتشابه الأحوال وتنضج الظروف وتتفاقم التناقضات... وما حدث في تونس يمكن أن يحدث في أخواتها مغربا ومشرقا، والأقرب إليه مَنْ لا يتدارك أمره مع شعبه؛ ويرفض أن يُصلح حكمه؛ ولا يتعظ بغيره!
 

تعليقات

اكتب تعليقك