أن الأمير أمر بالضرب، تقوّل على سموه-النيباري
زاوية الكتابولا شيء بالدستور يقول بأن للأمير 'السمع والطاعة' ومحاولة فرض ذلك سابقا أدت إلى العنف
كتب ديسمبر 31, 2010, 12:30 م 12606 مشاهدات 0
طاعة ولي الأمر.. شعار خاطئ
كتب عبدالله النيباري:
الكويت تعيش أزمة، في ظل الصراع الحاصل وبعد ان لجأت السلطة الى استخدام القوة وبشكل مفرط عدنا لا ندري الى أين تأخذنا تداعيات ما نحن فيه. الكل منخرط في عملية الصراع وليس فقط أعضاء المعارضة والحكومة. فهنالك وربما بشكل أكثر شراسة القنوات الفضائية التي تبث شحنها على مدار الـ24 ساعة وما لا يقل عن سبع صحف تتبع النهج نفسه وكتاب كثيرون على المنوال ذاته. في هذه الظروف وهذه الاجواء انكمش العقل وتقلص الضمير الا قليلا، وضاقت محاولات التقصي الموضوعي لتلمس مواقع الحق والحقيقة، وفي أجواء كهذه انتعشت الانتهازية بعد أن كشفت عن وجهها وازدهرت قيم التزلف والتملق والوصولية والانتفاع بشكل وبدرجة غير مسبوقة.
لقد صرنا نناقش امورنا ليس لتوخي الحق والحقيقة ومصلحة البلد والمواطن ولكنه النقاش أو السجال الذي صار ينطلق من التصنيف الفئوي «أنا ضدك لأنك تنتمي الى الفئة الفلانية او لانك اصطففت مع فلان او المجموعة الفلانية دون التبصر فيما اذا كان موقفك في جانب الحق او ضده. قليلة هي الاقلام التي حاولت التمسك بقاعدة البحث عن أين يقع الحق أولا ثم ما هو الملائم والمناسب.
بهذا الصدد أشيد بافتتاحية جريدة «القبس» يوم الخميس 23/12/2010، وبمقالة الاخ عبداللطيف الدعيج الأخيرة في هذا الشأن، وأخص بالاشادة مقالة ابراهيم المليفي في الجريدة نفسها بتاريخ 23/1/2/2010، التي تحدث فيها حول التعاون بين الجماعات السياسية في استجواب حمد الجوعان في مجلس 1985، وكذلك مقالة فهد راشد المطيري الباحث الواعد في الفلسفة والعلوم الذي يسير على منهج برتراند راسل في الفلسفة.
الازمة التي نمر بها اليوم بدأت على نحو ما قالت «القبس» 23/12/2010، «بفعل تصرف حكومة ابتعدت عن الحكمة وابتليت بقصر النظر بتعطيل مجلس الامة ومن دون مبرر الا الرغبة في رفع حصانة نائب ستلغى حتما لو صبرت الحكومة أشهرا قليلة، ثم أصبحت الازمة قاتمة مع إمعان الحكومة في الخطأ حين اعتمدت القمع والعنف وسيلة لاستعادة الهيبة تحت شعار «فرض القانون»، مع ان القانون لا يطبق بالعصي والركلات ولا يصان بالضرب والهراوات، وها هي الغيوم تصبح اليوم أكثر قتامة وسوادا مع جنوح ردة الفعل النيابية الى تصعيد غير مسبوق بعيدا عن الواقعية وتوتير فيه من المخاطر ما لا يتحمله البلد» انتهى الاقتباس وآسف لهذا الاقتباس المطول الا انني أعتقد أنه تشخيص مسؤول وعقلاني يلخص اسباب ازمتنا، ولا اعتقد ان اي عاقل سيتهم «القبس» بأنها انحازت إلى الغوغائيين او المتشددين او طلاب الكراسي وما إلى ذلك، المعيار كان اين يقع الحق؟.
اليوم مصيبتنا أعظم، فالانحياز والاصطفاف سواء كان لاسباب عاطفية او فئوية او مصالح انتفاع وانتهازية سيزيد الازمة عمقا، وتتفاقم خطورة وتتسع مساحة الالتباس وسوء الفهم، والأخطر من كل ذلك طريقة التداول في مفهوم «طاعة ولي الامر» التي ينحو الكثيرون جهلا ام تزلفا لتوسيع فهمها على أنها طاعة عمياء لا نقاش فيها وتذهب الى تفسير ان ما حدث في الصليبيخات هو تعليمات ولي الامر صاحب السمو أمير البلاد وهو ما لا يقبله العقل.
والآن نتوقف امام هذه المفاهيم او الفهم الخاطئ والمضلل. مقام صاحب السمو أمير البلاد بمكانته كرئيس للدولة وشخصه الكريم هو محل احترام وتقدير واجبين خاصة اذا اخذنا بالاعتبار تقاليد بلدنا، فهو رئيس السلطات ووالد وأخ الجميع ولكن علينا ان نميز بين التقدير والاحترام الاجتماعي والتأدب وبين النظام الدستوري والسياسي.
تعليمات وتوجيهات ورغبات صاحب السمو أمر واجب احترامها واخذها بعين الاعتبار ولكن إطاعتها أمر آخر.
حاول البعض ان يوحي بأن تعدي القوات الخاصة بضرب المواطنين في الصليبيخات كان بأمر صاحب السمو ولا يوجد دليل على ذلك، ما قاله سموه هو «أن يكون الاجتماع في داخل الديوانية وانني كنت على اتصال هاتفيا مع قوات الأمن» ولكنه لم يقل انه امر بالضرب ولم يبرره، وغير ذلك يعد تقولا على سموه. أما فيما يتعلق بما يروجه البعض بأن كلام سمو الأمير خط أحمر أو أن الانصياع له واجب فهذا يعيدنا الى قراءة دستور الكويت عام 1962 الذي وافق على مجلس تأسيسي منتخب وصدق عليه المغفور له الشيخ عبدالسالم الصباح.
في هذا الدستور هنالك فصل كامل من 27 مادة، والفصل الثاني بين كيف يمارس سمو الامير بصفته رئيسا للدولة سلطاته، وليس في هذا الفصل أي مادة تقول بأن أوامر الامير أو رغباته أو تعليماته أمر مطاع ويجب الانصياع لها ولنأخذ أمثلة على ذلك:
مادة (54) الامير ذاته مصونة لا تمس وهو يتولى سلطاته بواسطة وزرائه (55) أي أنه لا يمارس خطوات أو اجراءات تنفيذية مباشرة وانما من خلال وزرائه، الذين يعينهم ويعفيهم من مناصبهم.
وللأمير حق اقتراح القوانين والتصديق عليها (مادة 64) وله حق رد أو اعادة النظر في مشروع قانون أقره مجلس الأمة ويجب ان يكون ذلك بمرسوم مسبب وجميع مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة تحال الى المجلس بمرسوم من الامير أي بموافقة وتوجيه وتعليمات من سموه بما في ذلك الاتفاقيات والمعاهدات وكذلك يجيز الدستور للامير إعلان الاحكام العرفية شرط ابلاغها للمجلس خلال 15 يوما ويعاد النظر فيها كل ثلاثة أشهر، كما يجيز الدستور للأمير إصدار قوانين الضرورة بمراسيم على ان تحال للمجلس.
وكل هذه الاعمال والتصرفات التي كفلها الدستور لسمو الأمير تعرض على مجلس الأمة الذي له ان يوافق عليها أو يرفضها. ولا يوجد شيء في الدستور يقول ان للامير السمع والطاعة، ولم يقل بذلك الامراء السابقون ولا أظن سمو الأمير الحالي قال بذلك.
ولنأخذ الآن بعض الوقائع الحادثة في سنة 1976، وسنة 1986 حيث جرى حل مجلس الامة وتعليق الدستور وتشكيل المجلس الوطني، وكل ذلك لم يقابله الشعب بالسمع والطاعة بل بالاعتراض الشديد والذي أدى الى صدامات دواوين الاثنين التي شهدت انتفاضات شعبية ضد أوامر الامير.
والشيء نفسه حصل بعد التحرير عندما أعيد المجلس الوطني وتصدت له القوى الشعبية بالرفض مما حدا سمو الامير الراحل، على الغائه واعلان انتخابات مجلس الامة في أكتوبر 1992، طبعا هنالك الكثير من مشاريع القوانين التي رفضها المجلس ومنها على سبيل المثال قانون محكمة الوزراء الصادر في غياب المجلس في الثمانينات، وعند عرض القانون بمرسوم على مجلس 1992، رفضه المجلس وقبل ان يصدر المجلس قرارا برفضه اصدر سمو الأمير الشيخ جابر الاحمد أمراً بتشكيل لجنة للتحقيق مع الوزراء فحدثت أزمة وزارية، اذ هدد وزير العدل الأخ مشاري العنجري بالاستقالة ان لم يسحب الأمر أو المرسوم الاميري قبل انعقاد جلسة المجلس اللاحقة.. وهذا ما تم. لم يحصل ما يروج له من السمع والطاعة لولي الامر. في تراث الكويت وتاريخها السياسي الذي هو محل افتخار لا يوجد شيء اسمه السمع والطاعة لولي الأمر، حتى قبل صدور الدستور كان هنالك تشاور وأخذ برأي الناس، فقد خالف الكويتيون أوامر وقرارات الشيخ مبارك الصباح واختلفوا معه وهو من هو في ذلك الزمان وحوادثها معروفة.
والحالات التي حاول فيها الحاكم ان يطبق السمع والطاعة لولي الأمر أدت الى صدام وعنف وأزمات. شعار السمع والطاعة لولي الامر الذي يحاول ان يروج له البعض عن جهل او تزلف يعيدنا الى ما قبل الدستور إلى عصر الشيوخ «أبخص»، بل حتى في ذلك العصر لم يكن هناك شيء اسمه السمع والطاعة المطلقة لولي الامر، فكيف إذا كنا في القرن الواحد والعشرين.. عصر ازدهار حماية حقوق الانسان ومواثيق الامم المتحدة التي وقعت الكويت على كل وثائقها. هناك دستور يحمي حقوق المواطنين بما في ذلك الاحتجاج على قرارات ولي الامر وهناك صلاحيات لرئيس الدولة حددها الدستور وحدد كيفية ممارستها وهذا ما يجب أن نحترمه ونتقيد به.
لماذا جلسة سرية
طلب الحكومة عقد الجلسة سرية للنظر في الاستجواب وموافقة الأغلبية المسايرة لها خطوة أخرى في التخبط، فالمادة 94 قالت بأن جلسات مجلس الامة تكون علنية، هذه القاعدة البرلمانية عالمية. رقابة الشعب ـ وهي الاساس ـ على اعمال المجلس وممارسة أعضائه تتم من خلال اطلاعه على الجلسات العلنية، المجالس الاخرى تناقش قضايا الحرب وهي أخطر الامور كما كان في حرب تحرير الكويت عام 1991 وحرب اسقاط صدام 2003 كلها علنية وعلى التلفزيون.. ثم اذا كان رئيس الوزراء ليس لديه ما يخشاه فلماذا «التخشش» في جلسة سرية وحجب الامور عن الشعب صاحب السلطة والسيادة؟!
تعليقات