تركي المطيري بدراسة قانونية خص بها ((الآن)):

أمن وقضايا

حق الاجتماع بين الضمانات الدستورية والهراوات الحكومية

8951 مشاهدات 0

د.تركي المطيري

بين د.تركي سطام المطيري أستاذ القانون الدستوري والإداري بجامعة الكويت، أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية منع الأفراد من ممارستهم حقهم في الاجتماعات العامة تحت ذريعة تطبيق القانون ، وأي ممارسة تعتدي على هذا الحق لا يمكن تبرئتها من وصم الاستبداد والطغيان، جاء ذلك عبر دراسة قانونية خص بها ، وجاء فيها:

حق الاجتماع بين الضمانات الدستورية والهراوات الحكومية

لقد وقعت أحداث مؤسفة يندى لها الجبين في الندوة التي عقدت في ديوان النائب الحربش بحضور عدد من نواب البرلمان وحشد كبير من الناشطين السياسيين والمواطنين والصحافيين ، فقد قام أفراد القوات الخاصة بالتعدي على المواطنين وممثليهم بشكل سافر لا سند له من القانون وبطريقة وحشية تفتقد إلى أبسط قواعد التعامل الإنساني وعلى نحو يخلو من المنطق والحكمة .

وقد أثارني ما قدمته الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية من تبرير لموقفها المخالف للدستور والقانون واستنادها في هذا الموقف إلى القانون، زاعمة أنها كانت تطبق القانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن التجمعات والاجتماعات العامة ، ولما كان هذا التبرير لا سند له من واقع أو قانون ، لذا وجب علينا تفنيد هذه الحجة الواهية وذلك القول الذي لم ينزل الله به من سلطان .

ويجدر الابتداء بما قرره الدستور من حق الأفراد في الاجتماع باعتباره من الحقوق الأساسية التي نصت عليها دساتير دول العالم المتحضر وشرعة حقوق الإنسان ، حيث تنص المادة (44) من الدستور الكويتي على أن ' للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق ، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة . والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب '.

وقد علقت المذكرة التفسيرية للدستور على هذا النص بقولها ' تحفظ هذه المادة لاجتماعات الناس الخاصة حريتها ، فلا يجوز للقانون ـ ولا للحكومة من باب أولى ـ أن توجب الحصول على إذن بهذه الاجتماعات أو إخطار أي جهة عنها مقدما ، كما لا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على تلك الاجتماعات . ولكن هذا لا يمنع الأفراد أنفسهم من الاستعانة برجال الشرطة ، وفقا للإجراءات المقررة ، لكفالة النظام أو ما إلى ذلك من أسباب . أما الاجتماعات العامة سواء كانت في صورتها المعتادة في مكان معين لذلك ، أو أخذت صورة مواكب تسير في الطريق العام ، أو تجمعات يتلاقى فيها الناس في ميدان عام مثلا ، فهذه على اختلاف صورها السابقة لا تكون إلا وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها للقانون ، وبشرط أن تكون أغراض الاجتماع (أو الموكب أو التجمع) ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب . وتحديد المعنى الدقيق للاجتماع العام والمعيار الذي يفرق بينه وبين الاجتماع الخاص أمر يبينه بالتفصيل اللازم القانون الذي يصدر بهذا الخصوص . ولا يخفى كذلك أن ضمانات الاجتماع الخاص التي نصت عليها هذه المادة لا تعني السماح باستغلال هذه الحرية لارتكاب جريمة أو تآمر يحظره القانون ، فهذه الحالة يضع لها القانون الجزائي وقانون الإجراءات الجزائية الأحكام اللازمة لضمان أمن الدولة وسلامة الناس بما تتضمنه هذه الأحكام من عقوبات وإجراءات وقائية تحول دون ارتكاب الجريمة وتتعقب مرتكبها ولو كان شخصا واحدا معتصما بمسكنه ، وليس اجتماعا خاصا في هذا المسكن ' .

لقد تعمدنا عرض النص الدستوري المتعلق بحق الاجتماع وتعليق المذكرة التفسيرية عليه كاملا حتى نبين حرص المشرع الدستوري على ضمان هذا الحق وتنبيه المشرع والحكومة إلى ضرورة عدم المساس به أو التعدي عليه بأية وسيلة ، ويتضح من النص الدستوري السابق وتعليق المذكرة التفسيرية عليه ما يلي :

أولا : تعرض المشرع الدستوري لضمان الحق في الاجتماع بنوعيه العام والخاص ، وكذلك الحق في المواكب والتجمعات .

ثانيا : فرق المشرع الدستوري بين الاجتماع الخاص والاجتماع العام ، وترك بيان الفرق بينهما للمشرع العادي .

ثالثا : جعل المشرع الدستوري حق الاجتماع الخاص حقا لا يحتاج الحصول على إذن أو إخطار من أية جهة ، كما لا يجوز لقوات الأمن إقحام نفسها على تلك الاجتماعات .

رابعا : أحال المشرع الدستوري في تنظيم حق الاجتماع العام للمشرع العادي لبيان شروط وأوضاع ممارسته ، على ألا يتضمن هذا التنظيم تقييدا للحق يذهب بمضمونه أو يفقده محتواه أو يجعله حقا صوريا لا قيمة فعلية له .

وقد قامت السلطة التنفيذية ـ خلال فترة حل مجلس الأمة ـ بإصدار المرسوم بالقانون رقم 65 لسنة 1979 نظمت فيه حق الاجتماع العام ، إلا أنها خرجت على حدود القيود التي اشترطها الدستور لتنظيم هذا الحق الدستوري بل والإنساني ، مما دفع المحكمة الدستورية إلى القضاء بعدم دستوريته في حكمها رقم 1 لسنة 2005 والذي صدر بعد تطبيق هذا المرسوم بالقانون المخالف للدستور مدة خمس وعشرين سنة تقريبا .

وقد قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة الأولى منه التي تولت تحديد تعريف الاجتماع العام ، والمادة الرابعة التي اشترطت الحصول على ترخيص من السلطة التنفيذية (المحافظ) لعقد الاجتماع العام ، بل أنها قضت بعدم دستورية جميع المواد المتعلقة بالاجتماع العام في هذا المرسوم  وهي المواد (2 ، 3 ، 5 ، 6 ، 8 ، 9 ، 10 ، 11 ، 16 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ) .

وبودي اقتباس بعض المبادئ التي قررها هذا الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية ، نظرا لحاجتنا إليه في هذه الأيام العصيبة ، التي كثر فيها اللغط حول حق الاجتماع وأوضاع وشروط ممارسته ، سواء كان هذا اللغط يرجع لجهل بحقائق الأمور ، أو يرجع لرغبة في طمس الحقائق وتغطية مظاهر القمع والاستبداد ، حيث سطرت المحكمة الدستورية ـ في هذا الحكم التاريخي ـ بعض المبادئ السامية التي نوجز أهمها فيما يلي :

أولا : أن المشرع لا ينشئ حريات وحقوق الإنسان بل يكشف عنها فحسب ، كما أن ضمان الحريات العامة يعد أداة لارتقاء الأمم وتقدمها ودعامة أساسية لأي نظام ديمقراطي .

ثانيا : أن مبدأ السيادة الشعبية ـ وهو جوهر الديمقراطية وعمادها ـ لازمه أن يكون للشعب ـ ممثلا في نوابه بالمجلس النيابي ـ الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة ، وأن يكون للشعب أيضا رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر ، مما يغدو معه الحق في الرقابة الشعبية فرعا من حرية التعبير ونتاجا لها ، فلا يجوز والأمر كذلك وضع قيود على هذا الحق على غير مقتضى من طبيعته ومتطلبات ممارسته ، ومصادرة هذه الحرية أو فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها ، وإلا عد ذلك هدما للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور .

ثالثا : أن حق الاجتماع بما يعنيه من مكنة الأفراد في التجمع في مكان ما فترة من الوقت للتعبير عن آرائهم فيما يعن لهم من مسائل تهمهم توصلا إلى أعظم الآراء سدادا ونفعا ، هذا الحق سواء كان مستقلا عن غيره من الحقوق ، أو بالنظر إلى أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها محققا من خلالها أهدافها ، هذا الحق لا يجوز نقضه ، حتى لا تقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستند إلى الإرادة الشعبية .

رابعا : أن الدستور وإن عهد في شأن تنظيم الاجتماعات العامة إلى القانون ، إلا أنه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه ، وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور ، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون مخالفا للدستور .

وبعد هذا العرض الموجز لموقف المشرع الدستوري من حق الاجتماع يهمنا التأكيد على الأمور التالية :

أولا : أن الاجتماعات الخاصة والاجتماعات العامة مكفولة دستوريا وفقا لنص المادة (44) من الدستور بل وتدعمها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .

ثانيا : أن القيود المتعسفة التي فرضها المرسوم بالقانون المشار إليه على حق الاجتماع العام وبالمخالفة للدستور قد أضحت جزء من التاريخ بعد إلغاء النصوص المتعلقة بهذا الحق في ذلك المرسوم بحكم المحكمة الدستورية المشار إليه . 

ثالثا : لا يجوز للسلطة التنفيذية منع الأفراد من ممارستهم حقهم في الاجتماعات العامة تحت ذريعة تطبيق القانون ، وأي ممارسة تعتدي على هذا الحق لا يمكن تبرئتها من وصم الاستبداد والطغيان .

رابعا : تنوي الحكومة تقديم مشروع بقانون يحل محل المرسوم بالقانون المتعلق بالاجتماعات العامة الذي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نصوصه المتعلقة بالاجتماع العام ، وهنا ينبغي التأكيد على السلطة التشريعية بضرورة عدم تقييد حق الاجتماع بالمخالفة لضمانات هذا الحق ومقتضياته ، وليكن حكم المحكمة الدستورية درسا يتعلم منه الجميع كيفية ضمان الحقوق والحريات العامة .

وختاما ، فإنني لا أجد ما أختم فيه إلا قول أحد الحكماء ' إن صدق إيماننا بالمبادئ السامية والمثل العليا يظهر في الأوقات التي تتعارض فيها هذه المبادئ مع مصالحنا الخاصة أو الآنية ' .

والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين 
 
د. تركي سطام المطيري

أستاذ القانون الدستوري والإداري

الآن - د.تركي المطيري/ استاذ القانون الدستوري والإداري

تعليقات

اكتب تعليقك