ثقل العجمي بدراسة قانونية خص بها ((الآن)):

محليات وبرلمان

سحب الجنسية أداة الحكومة الجديدة ضد أبناء شعبها

9554 مشاهدات 0

د.ثقل سعد العجمي

بين د. ثقل سعد العجمي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت ان سحب الجنسيات تعتبر أداة الحكومة الجديدة ضد أبناء شعبها بحجة اللعبة السياسية، جاء ذلك عبر دراسة قانونية خص بها ، وجاء فيها:

لم يبقى من الأدوات ما لم تستخدمه هذه الحكومة ضد أبناء شعبها بحجة اللعبة السياسية وبسبب نصائح بعض مستشاريها الذين يحيطون بها من جميع الاتجاهات, فتاجرت بالتعليم فأصبح التعليم في الكويت في أدنى مستوياته وذهب الكثير من أبناء الكويت إلى المدارس الخاصة أو إلى الخارج , وأخضعت المناصب العليا في كل الأجهزة التربوية للتسييس والإرضاء الذي يجب أن تدفعه في كل مرة إلى نوابها الموالين لها, كما أساءت إلى القطاع الصحي وأفقدت المواطن الثقة به فأصبح المواطنون يتدافعون على بعض النواب الذين سمح لهم فقط بأن يرسلوا إلى العلاج في الخارج من يشاءون من ناخبيهم , والتكلفة المالية باهضة جدا لو أنفقت على تحسين المرافق الصحية في الكويت لأصبحنا مزاراً صحياً لكل شعوب المنطقة.

ولكن أن يصل الأمر إلى ضرب انتماء الأفراد إلى وطنهم بحجة تطبيق القانون من خلال تجريدهم من جنسياتهم فهذا الأمر الذي لم نكن نتصوره مطلقا قبل  سنوات قليلة. وقد يقول قائل إن الذي يحصل إنما هو تطبيق لصحيح القانون الذي يمنع الازدواجية بين الجنسية الكويتية وغيرها من الجنسيات الأخرى.  ولهذا ولغيره نقول أنه إذا كنتم تؤمنون بتطبيق القانون فالقانون يجب أن يطبق على الجميع وبنفس الدرجة , فالقانون الذي يمنع الازدواجية مع الجنسية السعودية هو ذاته القانون الذي يمنعها مع الجنسية الأمريكية , والقانون الذي يمنع ازدواجية بسطاء الناس هو ذاته القانون الذي يمنع ازدواجية أغنياءهم, وفي ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (إنما أهلك الذين قبلكم, أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

بل إنه وعلى عكس ما يعتقد الكثير بما في ذلك الأشخاص المسئولين عن تطبيق قانون الجنسية , فإن الازدواجية ليست ممنوعة بكل صورها, ونحيلك عزيزي القارئ في ذلك إلى الدراسة التفصيلية التي قمت بنشرها في جريدة عالم اليوم وذلك على الرابط التالي:
http://www.alamalyawm.com/ArticleDetail.aspx?artid=150738

وبالرجوع إلى قرار اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية رقم (61/9) لسنة 2010 بشأن فقد الجنسية الكويتية والمنشور في جريدة الكويت الرسمية – العدد 1003 (السنة السادسة والخمسون) - يوم الأحد (28/11/2010).

فإنه يلاحظ على الأسماء المنشورة فيه والتي فقدت الجنسية الكويتية أن غالبيتها إن لم نقل كلها هي من فئة اجتماعية معينة, ويلاحظ أيضا أنهم فقدوا الجنسية الكويتية بحجة الازدواجية مع الجنسية السعودية.  ولنا كرجال قانون أن نتساءل أنه إذا كان الدستور الكويتي قد نص في المادة 27 منه على أنه '.... ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون', فكيف لنا أن نعرف أن هؤلاء الأشخاص قد تم تجريدهم من جنسيتهم الكويتية طبقاً لنصوص قانون الجنسية , وهل ازدواجيتهم أصلا ممنوعة؟ وما هي الأدلة التي استخدمت لثبوت هذه الازدواجية؟ وهل تم التحقيق معهم جميعاً؟ وهل مكنوا من الدفاع عن أنفسهم بواسطة محامين أو غيرهم؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تجعلنا لا نثق بعمل هذه اللجنة لأسباب كثيرة منها, انه - ومع احترامنا الشديد لأعضائها-  أنهم ليسوا بقضاة , وحتى القضاة  الذي يفترض أن يكونوا خبراء القانون , فإن أحكامهم تكون قابلة للطعن فيها أمام المحكمة الأعلى درجة منها.  وعليه, فلا يمكن الاطمئنان لعمل هذه اللجنة خصوصا مع استعانتها وتعاونها مع جهات وأشخاص ليس لهم أية صفة رسمية في هذا الشأن, وإلا كيف يفسر لنا المسئولين في هذه اللجنة وصول أوراق رسمية تخص بعض الأفراد الذين جاءت أسماءهم في هذا الكشف إلى قناة غير مرخصة, كيف ذلك والأوراق موجودة لدى هذه الجهة الرسمية منذ أكثر من سنة!!!

وبناء على ما تقدم, فإننا نكرر ما سبق أن طالبنا به مراراً وتكراراً بأن هذا الملف الخطير يجب أن لا يبقى بيد السلطة التنفيذية منفردة , بل يجب أن يعطى للقضاء الكويتي الحق في مراقبة كل ما يتعلق بإسقاط الجنسية أو سحبها أو فقدها, فبأي منطق وعدل يسمح للفرد أن يلجأ إلى القضاء بمناسبة حرمان من علاوة دورية  قد لا تتجاوز عشرة دنانير ولا يسمح لفرد تم تجريده من جنسيته الكويتية هو وأفراد أسرته بالكامل بسبب خطأ في تطبيق القانون أو انتقائية في هذا التطبيق.

كما يلاحظ على قرار فقد الجنسية المشار إليه أنه منسوب في صدوره إلى اللجنة العليا لتحقيق الجنسية وهو بذلك ليس بقرار من مجلس الوزراء وليس مرسوم أميري, وهذا مخالف للمرسوم الأميري رقم (5) لسنة 1960 بقانون تحقيق الجنسية الكويتية, والذي أعطى اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الاختصاص فقط بنظر التوصيات التي تقدمها لجان تحقيق الجنسية في مسألة منح أو عدم منح المتقدم للجنسية الكويتية, فاللجنة وبموجب قانون إنشائها لا تملك الاختصاص ببحث مسائل فقد الجنسية ولا تملك إصدار أية قرارات بذلك.

بل إننا نري أن قرار فقد الجنسية يجب أن يصدر به مرسوم أميري أو قرار من مجلس الوزراء على الأقل, ولا يجوز أن يكون بقرار من وزير الداخلية,  ذلك أن الاعتقاد السائد لدى الكثير أن فقد الجنسية الكويتية إنما يكون بقوة القانون ومن ثم لا يحتاج إلى مرسوم أميري أو قرار من مجلس والوزراء بحيث يكفي أن يصدر بشأنه قرار من وزير الداخلية لأن المادة 11 من قانون الجنسية لم تحدد الأداة القانونية لإعمال حالة فقد الجنسية.

ونحن بدورنا نرفض هذا الاعتقاد وهذا الفهم وذلك للأسباب التالية:
 أولا: أن قانون الجنسية وفي المادة 11 نفسها أجاز استرداد الجنسية لمن فقدها وذلك بقرار من مجلس الوزراء, وهكذا فإنه لا يعقل أن يكون الفقد وهو الأخطر أثرا على الأفراد بقرار أقل مرتبة من قرار الاسترداد.

ثانيا: أن كثير من الأشخاص الذي شملهم قرار الفقد الأخير كانوا قد حصلوا على الجنسية الكويتية بمرسوم أميري, وطبقا لقاعدة توازي الأشكال القانونية لا يجوز أن يحرم شخص من حقه بأداة قانونية أقل (قرار وزير الداخلية) إذا كان قد حصل على هذا الحق بأداة قانونية أعلى (مرسوم أميري), لذا فإنه لا يجوز الحرمان من هذا الحق إلا بأداة قانونية مماثلة أو أعلى.

ثالثا: أن المادة 11 مكرر والتي تتعلق بالأجنبي الذي يتجنس بالجنسية الكويتية والتي اشترطت أن يتنازل هذا الأجنبي عن جنسيته الأجنبية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ حصوله على الجنسية الكويتية , جعلت مخالفة هذا الشرط سببا في فقده لجنسيته الكويتية وذلك من خلال مرسوم أميري يقرر سحب جنسيته الكويتية, وهكذا فإنه من غير المنطقي أن يكون فقد الجنسية الكويتية في هذه الحالة وبالنسبة للمتجنس أكثر تشددا من حالة فقد الجنسية بالنسبة للكويتي بالتأسيس والتي كانت أو تمت بقرار من وزير الداخلية فقط.
 
رابعا: أن المشرع كان بإمكانه أن يقرر فقد الجنسية بقوة القانون ويضمنها ضمن عبارات المادة 11 من قانون الجنسية بشكل صريح , كما فعل في المادة 5 منه والتي اشترطت الإسلام لتجنيس الأشخاص طبقا لأحكامها وجعلت ارتداده عن الدين الإسلامي سبب في سقوط جنسيته بقوة القانون, كما جاءت صريحة في المادة 5.

كما يلزم الانتباه إلى أن القرار الأخير بفقد 63 شخصاً لجنسيتهم الكويتية أن من بينهم الكثير من الأشخاص المتجنسين , ونحن والوضع كذلك لا نعلم وبشكل يقيني إذا كان هؤلاء يحملون جنسية أجنبية قبل حصولهم على الجنسية الكويتية أم لا, لأنه إذا كان الحال كذلك فمثل هؤلاء لا تنطبق عليهم المادة 11 من قانون الجنسية لأنها متعلقة بالكويتي الذي يتجنس مختارا – أي بعد تمتعه بالجنسية الكويتية – بجنسية أجنبية, وإنما النص المتعلق بهم هو نص المادة 11 مكرر من قانون الجنسية والتي لم يشر إليها قرار الفقد.  ونحن نرى أن المادة 11 مكرر قد أضيفت بموجب المرسوم بقانون رقم 11 لسنة 1980 , وهو مرسوم ضرورة صدر في فترة حل مجلس الأمة حلا غير دستوري , وعليه فإن هذا النص وغيره من النصوص التي صدرت في فترة حل مجلس الأمة حلا غير دستوري هي نصوص غير دستورية لا يجوز إصدارها من قبل السلطة التنفيذية بأي حال من الأحوال, ذلك أن المادة 71 من الدستور والتي قالت أنه 'إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله, ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير, جاز للأمير أن يصدر بشأنها مراسيم تكون لها قوة القانون ...' , فإن عبارة فترة حله إنما المقصود بها حله حلا دستوريا ذلك أن الحل غير الدستوري هو أصلا وضع مخالف للدستور لم يتصوره المشرع الدستوري, كما أنه ومن المتفق عليه أن الوضع القانوني الذي يرتب عليه الدستور أحكاما قانونية معينة, يجب أن يكون هو – أي الوضع - مشروع أصلا ومتوافق مع نصوص الدستور, ولا شك أن الحل غير الدستوري ليس كذلك على الإطلاق.


وفي الختام, فإن يلزم القول بأن الغالبية العظمى من الشريحة المستهدفة من الإجراءات الحكومية الأخيرة ليست مزدوجة الجنسية , ومن ثم قد يقول أحدهم أنني غير معني بهذه الإجراءات الأخيرة, ولهذا الشخص وغيره نقول أن المسألة اليوم ليست أنا وأنت وهذا وهؤلاء , وإنما أنت مستهدف لأنك تنتمي لهذه الشريحة الاجتماعية, لذا فالقانون والدستور هو سلاحنا المشروع في مواجهة هذه الإجراءات الانتقائية.
 
وعلينا أن نأخذ العبر من القرآن الكريم وذلك حينما قال فرعون مصر لموسى عليه السلام في سورة الشعراء 'أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ' أي أنك يا موسى حظيت برعايتنا ولطفنا وكرمنا وعفونا فلماذا تعادينا, فرد عليه السلام 'وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ' أي ليس مهم ما لقيته أنا بل المهم ما لقاه قومي من استعباد واضطهاد!

تنبيه أخير: إن اتخاذ أية دولة إجراءات قانونية ضد فئة اجتماعية معينة يعتبر في نظر القانون الدولي جريمة من جرائم التمييز العنصري الذي جرمته الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التفرقة العنصرية بكافة صورها وأشكالها لعام 1965.

د. ثقل سعد العجمي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت

الآن - د. ثقل سعد العجمي/ أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت

تعليقات

اكتب تعليقك