لتكن قمة أبوظبي آخر قمم الترحيل
خليجيديسمبر 4, 2010, 3:37 ص 3303 مشاهدات 0
من بين كل الأحاديث التي يرويها الناس تأتي أقلها استناداً للوقائع القصص المتعلقة بالبدايات، لكن الحالة لا تكون كذلك عندما يكون الراوي هو السفير عبدالله بشارة والقصة هي تأسيس الأمانة العامة لمجلس التعاون، فلدى أبومعتز قدرة مميزة على حفظ المعلومة وعرضها ملخصة بطريقة سهلة ومفهومة .
وفي 6 - 7 ديسمبر 2010 تحتضن العاصمة الإماراتية أبوظبي الدورة 31 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن المرجح أن تحظى حزمة الملفات الاقتصادية بأهمية خاصة على أعمال القمة، حيث ستتصدرها ملفات مثل الوحدة النقدية والمعوقات المتعلقة بالاتحاد الجمركي، وسير المفاوضات مع الدول والمجموعات الاقتصادية والحوار الاستراتيجي مع الدول والمجموعات الصديقة والربط الكهربائي واستخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية .
كما سيكون هناك ملف للجانب الدفاعي والأمني بين دول المجلس، إضافةً إلى ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، والمستجدات على الساحة اللبنانية وتطورات الأوضاع في كل من العراق والسودان والصومال، ثم قضية الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى .
لا نتحامل على المجلس لو قلنا إن قراراته المتوقعة سيغلب عليها ترحيل الملفات لقمة قادمة، كما لا نتطاول على معقل '' دبلوماسية الأدب الجم '' ، لو قلنا إن القرارات المعطلة في أروقة الأمانة العامة تقترب من القرارات المنفذة، بل تتفوق في الأهمية على بعضها .
نقول ذلك ونحن نتابع الاجتماع الرابع للجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ كافة القرارات الصادرة من المجلس والتأكد من قيام كافة الدول بتنفيذها للرقي بالعمل المشترك، لكن وجود اللجنة يعني الإقرار بخلل عمره ثلاثون عاماً، حيث لم يتم تداركه إلا في قمة مسقط , 2007 بل إن الأمانة العامة التي كانت جزءاً من المشكلة لم تكن جزءاً من الحل، فقد رأى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو تأخيراً في تنفيذ هذه القرارات فدعوا إلى البحث عن طرق سريعة وفعالة وناجحة للتنفيذ، فتشكلت اللجنة بقصور في برنامجها تمثل في عقدها اجتماعين سنوياً لا ثالث لهما . لقد تعطلت القرارات بسبب الروتين الإداري في كل دولة، وفي السياق نفسه كان لنا في الكويت قصب السبق لتعليق شلل مسيرة العمل الخليجي المشترك على شماعة الديمقراطية الكويتية، فلطبيعة دولة الكويت كدولة مؤسسات، ولأن على جدول أعمال مجلس الأمة عدداً كبيراً من المشروعات والقوانين والقرارات فلابد أن تنتظر قرارات العمل الخليجي المشترك حتى يأتي دورها ولو بعد حين .
إن ما يعيدنا إلى ما قاله السفير بشارة في كتابه '' بين الملوك والشيوخ والسلاطين '' ، هو أن دول المجلس تمر بناءً على قراءة التغيرات المقبلة على الساحة الإقليمية بتحديات حادة، تتطلب فتح أهم الملفات، وهو ملف إصلاح الأمانة العامة التي هي بمثابة القاطرة التي تجر عربات العمل الخليجي المشترك .
لقد بدأ بشارة عمله عام 1981 بموظف واحد هو السيد صالح إسماعيل الذي كان يعمل مدرساً في معهد الإدارة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، حيث قام كمساعد للشؤون المالية والإدارية بالتعاون مع بشارة ببناء الأمانة العامة بالاستناد إلى كلمات النظام الأساس للمجلس وهي توحيد الأنظمة والقوانين في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدة المنطقة، لكن الوثيقة لم تحدد نوع الوحدة، ولا تشير إلى آلية الوصول إليها، ولا تتحدث عن شكلها، أو نوعها، وإنما تدعو إلى '' تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدته ''.
الأمانة العامة كما شرع بشارة في بنائها بعمارة مكونة من ثمانية أدوار على شارع في الرياض كانت ترى نفسها ككيان سياسيي تعبر به عن مواقف المجلس، وتمثل المجلس في الاجتماعات الإقليمية والدولية، وتعرّف العالم بالمجلس، وتنظر أفكار المجلس وتشرحها، وهي إعلام المجلس وناطقه الرسمي الذي يقدمه للرأي العام، وهي الشارح لخطوات المجلس وإجراءاته ممثلة في الأمين العام الذي كان عليه أن يستمع للملاحظات حول المسيرة الخليجية، ومع ذلك يذهب بشارة إلى أنه لم يحقق ما يريد في ارتياح الدول في مواقف الأمين العام، لسببين جوهريين :
الأول : عدم تقبل أي دولة أن يخصها الأمين العام أو الأمانة العامة بالإشارة إلى تأخرها في تنفيذ التزامات أو الاستجابة لقرارات المجلس الأعلى، ولا تقبل أي دولة بالتلميح، وليس بالتصريح عن تأخرها في المسيرة، وقد حافظت الأمانة العامة على مبدأ الابتعاد عن التقييم وإصدار الأحكام على تصرفات الدول، لأنها دول مستقلة، ولأن ظروف الدول الأعضاء مختلفة وليست متشابهة .
الثاني : لا ترضى الدول أن يعطي الأمين العام رأياً في خلاف داخلي بين دول المجلس، ولا تريد تدخلاته وتعليقاته، إن لم يكن مفوضاً من المجلس الأعلى أو المجلس الوزاري، فقد كانت الدول تكيل التهم للأمانة، والمقصود بها الأمين العام أو مساعدوه وكانت سياسة الأمانة العامة هي الابتعاد عن المماحكات والاستماع إلى النقد للاستفادة منه مستقبلاً .
الأمانة العامة في عهد بشارة، مازالت هي الأمانة العامة في عهد الأمين العام عبدالرحمن العطية، ففي 28 نوفمبر 2010 وخلال ندوة حول السوق الخليجية المشتركة بأبوظبي تعرض العطية لهجوم من رجال الأعمال وانتقادات وتحفظات بشأن تباطؤ في تنفيذ القرارات، وضعف دور الأمانة العامة، وكان رد العطية إن الأمانة العامة ليست سلطة على الدول الأعضاء، ومن الخطأ مقارنتها بالمفوضية الأوروبية التي أوكلت إليها مهام متابعة السوق الأوروبية المشتركة، وتم منحها صلاحيات مستقلة فوق الدول لمتابعة سير العمل وإصدار اللوائح والتعليمات اللازمة لتنفيذها حيث تقتصر صلاحياتها على المتابعة ورفع الدراسات والتوصيات إلى اللجان المختصة .
هنا نتساءل عما يحول دون قيام الأمانة العامة لمجلس التعاون بدورها كالمفوضية الأوروبية، عابرة لحواجز السيادة القُطرية، والسلطات المحلية، التي كادت تصيب مسيرة المجلس في مقتل في أكثر من مرة ! حيث إن على الأمين العام الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني والذي سيتسلم مهام منصبه في مطلع أبريل 2011 أن يضع أمام قادة دول المجلس ملف إعادة هيكلة الأمانة العامة والنظر في التركيبة البنيوية لها وإعطائها الكثير من الصلاحيات، حتى لا ندخل في مرحلة الجمود من جراء ترحيل الملفات من قمة إلى أخرى، وحتى لا تقدم مبادرات واقتراحات ودراسات قاصرة فتتعرض كما قال بشارة إلى تسفيه في كثير من الأحيان، وتجاهل في معظم الأحيان .
إن تطوير الأمانة العامة التي استنفدت أغراضها بصلاحياتها الحالية هو استجابة تاريخية للعمل الخليجي المشترك حتى لا ينتهك الخمول بوحشية التفاؤل بمستقبل خليجي مشرق، وحتى يعود الحماس إلى مندوبي الدول الأعضاء كما كان في بداية عمل المجلس على الأمين العام الجديد أن يقترح تعيين وزير مختص بشؤون مجلس التعاون في الدول الأعضاء، من مسؤولياته متابعة شؤون التعاون داخل دولته، لكي تتوقف عملية إرسال الوفود التي تشارك على مستوى اللجان الفنية والإدارية ولا تأتي بتعليمات واضحة، ولا تشارك بحماس، ولا تقدم مبادرات، ولا ترغب في التغيير لأنها ضعيفة الإرادة والصلاحية، فيقع كل شيء على كاهل الأمانة العامة التي هي نفسها في حيرة في كيفية التعامل مع المأزق البنيوي لنفسها، وهي إن التزمت الصمت في شخص الأمين العام حملت وزر النوايا .
http://gulfsecurity.blogspot.com/
تعليقات