أحمد الجارالله يُعيد كتابة رسالة من لنكولن وتشرشل إلى ناصر المحمد يطلب منه فيها قراءة سيرتهما ليعرف أنهما لم يطلبا من المتفوهين وأهل البلاغة والحناجر الصادعة شهادات على الوطنية

زاوية الكتاب

كتب 1806 مشاهدات 0


 

 

رسالة منقحة من لنكولن وتشرشل الى ... ناصر المحمد
 

بقلم ¯ أحمد الجارالله:

وقعت يدي, حين كنت أفتش في مقالات سابقة, على مقالة كتبتها قبل نحو سنتين من الآن عندما كان بعض من يريدون اغتصاب السلطة عبر التأزيم يثيرون ضجيجا يصم الآذان ويهددون ويتوعدون, ووقتذاك كنا نأخذ عليك يا سمو الرئيس حلمك, بينما كنت تشعل أصابعك العشرة شمعا كما يقول المثل لارضاء من سوقوا انفسهم وأقنعوا بعض العامة بأنهم هم وحدهم الوطنيون وحماة الدستور الذي يفسرونه بناء على نوازعهم الشخصية وليس استنادا الى العقل والمنطق, وإنهم وحدهم من يخاف على المال العام ويحفظه ولهم وحدهم الحق في الغرف منه خارج القانون والتعدي عليه من دون اي حسيب او رقيب, وزيفوا الحقيقة حينها و صوروا للناس ان غيرهم هم شلة لصوص وحرامية يريدون السطو على المال العام.
ولم يرف لهؤلاء جفن حين تقصدوا تعطيل مشاريع الدولة عبر اثارة الشكوك في كل شيء فقط من اجل ان يفرضوا وصايتهم على المال العام ليتصرفوا بوجهات صرفه بعيدا عن اي مشاريع عامة رغم الازمة الاقتصادية التي ساعدوا على استفحالها.
نعم اعتبرنا الحلم ضعفا في لحظة ما, بينما كنت تريد سموك ان تعرف أهواء هذه الفئة من السياسيين, بل اردت ايضا ان يعرف الناس غايات هؤلاء وما يريدونه لهذا البلد, ووفقا لما علمنا من أوساطك كنت في السنوات الاولى لرئاستك مجلس الوزراء تدرس غايات تلك المجموعة حتى يتبين لك الخيط الاسود من الابيض وتحكم باليقين على أفعالهم وليس عبر الشكوك, وبعد كل ذلك ظهرت الحقيقة جلية ليس لسموكم فقط, بل للغالبية العظمى من الناس وإن هؤلاء بأصواتهم العالية يريدون الزحف على السلطات الاخرى اذ تتحكم بسلوكهم السياسي النفوس الشريرة المرامي, وهم لا يفهمون من الحرية الا الشتم والسب وقذف الناس بالباطل, وإطلاق البذاءات ضد كل من لا يسير وفق هواهم, بل إنهم أصيبوا بداء جنون العظمة وتوهموا أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة وليس من حق أحد ان يرد عليهم.
سمو الرئيس: نعترف الآن كم كنت حكيما حين عكفت على دراسة تاريخ الحكماء والقادة الاوائل في العالم, وربما تكون قرأت رسالتي ابراهام لنكولن و ونستون تشرشل, ولعلك تعمقت بدراسة تاريخ الرجلين, وأعتقد أنك تتذكر مقولة تشرشل الشهيرة حين قيل له ان الفساد عم انكلترا وان سوسة الرشوة تنخر جهاز الدولة, ورد سائلا :ماذا عن القضاء? فقيل له: 'إنه عادل ومستقل ولا يزال بخير'. فأجاب 'اذن بريطانيا بخير'. وهذه هي المملكة المتحدة فعلا بخير بقضائها العادل.
عندما رفعت يا سمو الرئيس شعار القانون مسطرتك والقضاء مرجعيتك, حينها وضعت النقاط على الحروف لمعنى ممارسة السلطة المسؤولة, ولم تبطش او تعتدي او تقتل, او تحتجز حرية أحد رغم الامكانات الكبيرة التي تمتلكها من خلال موقعك, لأنك أردت ممارسة صلاحياتك بأمانة.
سمو الرئيس لقد أردت من اعادة نشر هذه المقالة ان أقارن بين ما كان بالأمس وما هو سائد اليوم, لأن الدنيا حكم وتجارب, وما كان بالأمس لا يزال الكثير منه نلمسه اليوم في كل تصرف وقرار تتخذونه.
قبل سنتين كتبت: »لا بأس بأن 'تولول' الأصوات ويزداد الصراخ, ويسمع الحاكم من الصالح والطالح ما يريد كلاهما أن يوصله إليه... ألسنا نؤمن بالحرية, وبأنها مسار لا خيار لنا سواه? حسناً... فلتسمع الحكومة وليسمع سمو الرئيس ما يقال وما تهذر به العامة, سواء كان هذا الهذر منطقيا أو هذرا للشوشرة والتمصلح وحلب أضرع الدولة واختراق صلاحياتها, وممارسة السلطة والتسلط عليها وعلى رعاياها.
نعم لا بأس بذلك... لكن على سمو رئيس الوزراء وحكومته, وعلى النظام أن تكون له مرئيات تخدم عموم الناس - أو بالتحديد غالبيتهم - وأن يمارسوا صلاحياتهم التي أعطاها لهم الدستور, بدل إرضاء فئة قليلة ذات أصوات عالية ترعب بها من على رأسه طاقية. قلة تفننت في كتابة سطور صكوك الغفران لمن ترضى عنه وتسطر التهم لمن تغضب منه.
قلة تسطر شهادات الوطنية ومنحها لمن تريد وحجبها عمن لا يوافق هواها, وكأن كل من يفسر ظواهر الاشياء خارج إطار هواها وفق المنطق الصحيح 'خائن لوطنه وضد الديمقراطية والحرية التي تفسرها هي بصوتها العالي الذي أرعب لزمن طويل من بيده تسيير السلطة التنفيذية... قرارات تُلغى وقوانين تُسن, وتكتشف الرعية أن هذه القوانين ضدهم وضد مسار حياتهم, كما أنها مزعجة ومؤذية لاقتصاد بلدهم ولحياتهم الاجتماعية.
الحكومة بسلطتها التنفيذية وبرئاستها العليا, عليها أن ترفع صوتها, وتتخلى عن هذا 'الخفوت', والاعراب عن مواقفها وتفسيرها لسياساتها وتوجهاتها 'على استحياء' وكأنها ترتكب جريمة, وليست سلطة توفر الأمان والاطمئنان للناس.
لندخل الى صلب الموضوع, فنحن أمام ما يسمى ب¯'خطة الانماء والتنمية' للسنوات الخمس المقبلة, والتي وافق عليها مجلس الوزراء, وأيضا نحن أمام 'المتاجرة السياسية' من جانب نواب و'شوية ناس' أبدوا المعارضة لها و'الطنطنة' حول ما يرونه عيوباً فيها وخللاً يشوبها, فيما تترقب غالبية المواطنين ما يجري أمام ناظريها, وتتمنى أن تعبر الخطة نفق الصراع بين السلطتين, وتصبح واقعا ماثلا, حتى نرى الكويت 'ورشة عمل' كما كانت في السابق, بعدما عشنا سنوات طويلة توقفت خلالها المشاريع الحكومية أو كادت, وحتى القليل الذي طرح منها فإنه يطرح وكأن مضمون ما أريد منها قد خوي, عبر البخل في تحقيق المواصفات المطلوبة لها, وهي مشاريع 'نحسد' المقاولين وبيوت الخبرة على أرباحهم الهامشية منها, وهي أرباح لا تكاد تذكر, نظرا للمنافسة الشديدة عليها, و ندرة المشاريع الحكومية المطروحة, في المقابل هرب القطاع الخاص الكويتي للعمل في بلدان مجاورة, لأن الحكومة عندنا لم تصل الى صيغة واضحة للتعاون مع هذا القطاع, والسبب أن أذنها مفتوحة ل¯ 'شوية' نواب يتهمونها بأنها 'حكومة تجار' أو 'حكومة قطاع خاص', وحتى هذه 'التهمة' لا نرى مبررا يجعل الحكومة تنكرها أو تجزع منها. أليس القطاع الخاص يمثل نسبة عالية من مسار الدخل القومي وتحريك الأموال?أليس ملاك هذا القطاع مواطنين من رعايا الدولة الكويتية وإنهم لا يملكون أمام الحكومة إلا التبرم والتعجب مما يحدث, وغيرهم يهدد بعظائم الأمور, وهو غير قادر عليها?
نريد رئيس حكومة لا يرضي كل الناس, وإنما يرضي في الاساس مصلحة الوطن ومصلحة غالبية الناس, بل لنتواضع قليلا ونقول: يرضي نصف الناس... فليسمع رئيس الحكومة الصراخ, لكن عليه أيضا ان يفعل ما يجب ان يفعل. لقد انصاعت الحكومة لضجيج الذين ثبت أن ضجيجهم وراءه 'تمصلح واستفادة'. انصاعت الحكومة لمدعي حماية الدستور والمال العام ومحاربة الفساد وهم أصلا خارقون للدستور وحالبون للمال العام وشلة الفساد والافساد.
في الحرب الأهلية الأميركية عندما أراد الجنوب ان ينفصل عن الشمال قاد ابراهام لنكولن حربا أعاد بها الجنوب الى الشمال وحمى الاتحاد الاميركي من التمزق... قيل له يومها: 'إنك تقوم بحرب لا تتفق مع الدستور', فضحك لنكولن وقال: 'عن أي دستور تتحدثون.. كلموني عن الدستور عندما أنهي هذه الحرب, الاتحاد في خطر, كلنا في خطر, أليس هذا الخطر أكبر من خطر خرق الدستور... اذهبوا وانقعوه واشربوا ماءه'! ونستون تشرشل أيضا في الحرب العالمية الثانية قاد الحرب كديكتاتور, ولما قيل له 'عليك أن تعود إلى البرلمان وتنسق معه', قال تشرشل:' الذي يحكم بريطانيا هم الاربعة ملايين الذين ماتوا في هذه الحرب, وليس مئة عضو أنيق في قاعة أنيقة في مجلس العموم'.
نذكر رئيس الوزراء ان الذي 'يحكم' الكويت هم المتضررون الآن من توقف التنمية لسنوات طويلة, هم المتداولون في البورصة - وهم كثر - والذين قيل لهم: ' فلتذهبوا إلى الجحيم'... بالمناسبة هم كثر ولا أدري إذا كان المكان يتسع لهم. لقد توقفت التنمية, والتنمية تمثل جزءا مهما جدا من اقتصاد بلدنا, والبورصة تعاني, وهي الأخرى تمثل جزءاً كبيرا من نشاطنا الاقتصادي... وعندما يعاني اقتصادنا فسنعاني سياسياً, فالأمن الحقيقي هو الأمن الاقتصادي.
يا رئيس الحكومة ... مطلوب منك أن تقرأ جيدا سيرة ابراهام لنكولن وتشرشل, لتعرف أنهما لم 'يشحذا' من المتفوهين وأهل البلاغة والحناجر الصادعة, لم يطلبا منهم صكوك غفران أو شهادات وطنية وأنت لست بحاجة اليها... كانت عندهما الثقة بنفسيهما أنهما يعملان للوطن, يحيطهما مستشارون من خيرة الناس وأصحاب عقول نيرة.
***
أخيرا يا سمو الرئيس: لا أخفي عليك أننا تغيرنا بين الأمس واليوم. لقد اكتشفنا الغث من السمين, ولذلك أدعوك ان ترفع شعار ابراهام لنكولن وشعار ونستون تشرشل... والعاقبة للمتقين.
 

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك