محمد العوضي يرى في العيد فرصة لأن نشعر بعيد البدون الذين يتجرعون الجحيم في كل يوم يتأخر عن حل مشكلتهم

زاوية الكتاب

كتب 866 مشاهدات 0



د. محمد العوضي / خواطر قلم / عيد البدون... عيد السجون...
 

 
العيد الوحيد الذي قضيت أيامه جميعا خارج البلاد كان عام 1988 في مكة المكرمة وذلك استعدادا وتفرغا لاختبارات السنة المنهجية التمهيدية للماجستير والتي ستكون بعد العيد...
أديت صلاة عيد الفطر في الحرم المكي ورجعت الى شقتي في العزيزية وكان اهلي واولادي في البلد... وما هي إلا ساعات حتى خلت مكة من السكان فالناس يذهبون الى اقاربهم في جدة والطائف وسائر مدن المملكة، حتى عمارتنا التي فيها طلبة دراسات عليا في الاقتصاد من جنسيات عديدة وتربطنا بهم روابط الاخوة والعلم والتزاور اختفوا ورحلوا... واصبحت وحيدا فريدا لا املك إلا الهاتف الارضي اتواصل به مع الاهل الاباعد... ورغم اني في البلد الحرام وتحاصرني الكتب التي صارت جزءا من حياتي اليومية وعندي من الواجبات الفكرية العويصة التي لابد ان استوعبها للاختبارات النهائية في قضايا العقائد وعلم الكلام والمنطق والفلسفة والمذاهب ومناهج البحث... اي رغم الانشغال الذهني الكبير احسست بالغربة النفسية في أول ايام العيد... لان العيد ليس له معنى اذا كنت وحيدا فريدا في عزلتك عن الاحباب والاقارب والاصحاب وشهود الشعائر وتلك التلقائية في العلاقات المتفاعلة واولها مشهد براءة الاطفال في فرحتهم بجديد العيد.
تلك التجربة جعلتني ألتفت وأتأمل احوال الغرباء والبعداء عن اهلهم وديارهم ممن دفعتهم ظروف البحث عن عمل او الهرب من الطغيان السياسي او التعصب العرقي او المذهبي او الديني... او الحروب والاحباطات... كيف تكون اعيادهم وسائر المناسبات السارة وهم يعيشون بعيدا عن محبيهم وارضهم واذا كنت وأنا الآمن في رزقي وفي سكني واعيش اجواء الطمأنينة الاجتماعية لم اتحمل غربة العيد وانا بجوار الحرم المكي فالله في عون من تفصله آلاف الاميال عن بلاده من اجل لقمة العيش وهو يعاني من صراع مع الزمن والقوانين العتيدة والظروف الضيقة والفرص المحدودة في الكسب، فإذا اضفنا على ذلك ضعف الغريب في البلاد التي لا يملك فيها نصيرا مخلصا او قانونا منصفا.
في العيد علينا كبشر ان نتحرر من انانيتنا وفرديتنا ونفهم ان عيدنا لا يكتمل إلا بادخال السرور على الآخرين... والمؤمن الحق هو الذي يوقظه حسه الايماني من البلادة التي حولت العبادات الى عادات كي يشعر بإخوانه ممن لم تتح لهم فرص السعادة كما اتيحت له، ولا معنى لتحقيق كلمة مسلم إلا بعبادة «التكافل الاجتماعي»... فلنحس بعيد البدون الذين يتجرعون الجحيم في كل يوم يتأخر عن حل الكارثة المعلقة التي يعيشونها في اوضاعهم ولنعلم ان في ايام العيد سجناء معزولين فإن كان بعضهم مجرما فالبعض الآخر ليس كذلك، وأهلهم وان كانوا احرارا لكنهم يعيشون في سجن نفسي مع غائبهم وراء القضبان... عيد المرضى... عيد الفقراء... عيد البائسين... جزء من حياة وشعور وهم كل انسان يفهم العيد بمعناه الذي ارادته الشريعة.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك