عندما يضع نيتشه الاستراتيجية الوطنية ؟!
عربي و دولينوفمبر 7, 2010, 11 م 3942 مشاهدات 0
يصعب على من لم يقرأ أعمال الفيلسوف الالماني فريدريك فيلهيلم نيتشه 'Friedrich Nietzsche 'الادعاء بذلك. رغم أنها تعتبر من أكثر الاعمال الفلسفية شيوعا بين القراء. وصعوبة الادعاء تأتي من صعوبة كتم محتواها المغري للتطبيق،حيث أن من يقرأها وينبهر بها ستخرج من فمه حاملة للأفكار النازية والفاشية، وسيظهر كمنكر للقيم السائدة مثل الأخلاق والضمير والرحمة .
وفي مقاله 'اضواء على فلسفة نيتشه ' المنشور في 1978م يقول عبد العزيز جادو:
سألت احد الالمان بماذا أرتقت أمتكم بعد انحطاطها،و قويت بعد ضعفها ؟
فأجاب:انها قويت وأرتقت برجلين هما :
بسمارك ونيشته .
والناس يعرفون أوتو فون بسمارك ' ' Otto von Bismarck ويذكرون انه منشئ الامبراطوريه الالمانيه، ورئيس وزراء بروسيا 1862-1890م والمانيا 1871-1890م ، وكان يلقب برئيس الوزراء الحديدي،وهو الذي جمع الامم الالمانيه ،وأنتصر على فرنسا في حرب 1870-1871م . اما الرجل الاخر فهو فريدريك نيتشه والذي يحتاج التعريف به وبأفكاره الفلسفيه مطالعه أهم كتبه التي لا تقل عن عشرين مجلد يستغرق الالمام بها زمن طويل،لكن عبد العزيز جادو لخص لنا نقاط تجعلنا نقول بكل يقينية ان نتشه قد مات عام 1900م بعد ان أصيب بالاختلال العقلي لمدة 12 عاما ،لكن افكارة لم تمت معه، فقد ورثها الشعب الالماني فذاق منها الامرين في حربين.بل ذاقت منها أيطاليا وشعوب اوروبية اخرى نفس المرارة ، لتقفز متخطية حدود القارات وتستقر في بيئتنا الاقليمية القريبة .
يقول نيتشه في ترويجه لرفض المنطق' إن الانسان لا يستعمل أساليب المنطق لاقناع غيره إلا اذا لم يكن لديه ادله تثبت حقه . وهو لا يعمد الى المنطق إلا لأن حقه المزعوم خفي غير جلى، فيحاول إجلائه. ' وهذا بالتأكيد ماتقوم به حاليا دول تمتشق الجدل المنطقي كما تعتقد في مفاوضات طويلة لتحقيق مكاسب في حق تدعيه رغم افتقاده للوضوح و للشفافية.
ويقول نتشه ايضا في فلسفته التي تدعو الى العودة للغرائز البدائية ' في كل زمان ومكان طلبوا جعل الانسان افضل مما هو .ولكن الطرق التي اتخذوها لترقيته كانت ذرائع الى إضعافه،وتدجينه كالحيوانات المتوحشه التي تضعف حين تكون أليفه . فعندهم معنى(ترقية )هو جعله قليل الخطر، وذالك بارهابه او بترغيبه .' فكم من حكومة ترفض الاعراف الدولية، وتقف امام المجتمع الدولي وشرعيته وتتفنن في توهين ماثبتت دعائمه، من خلال مماحكات يتخللها الترغيب والترهيب لجعلها قليلة الخطر؟
كما يقول الفيلسوف الالماني في تمجيده للانانية 'كل آداب تذبل فيها الانانيه،انما هي دلاله سيئه.وهكذا هي بالنسبه للافراد والشعوب معا . فانه إذا ضعفت في الانسان اثرته(تفضيل نفسه) فقد ضعف أفضل ما فيه. وكلما اختار الانسان شيء مضر له وأستسلم لمبادىء يسميها انكار الذات فقد صار الى الانحطاط . فان قول الانسان انه ( لا يبتغي منفعه نفسه ) قول يدل على(حيرته وأين يجد منفعته وعجزه عن نيلها) وهذا هو إنحلال الغرائز في الانسان .' فكم من شعوب وحكومات يمكننا وصفها بالانانية دون تحفظ كلما بررت دوافعها الغريزية الانانية بدعاوي الكرامة الوطنية وراحت في بناء أسلحة الدمار الشامل بكافة انواعها ؟
ثم يصل نيتشه في تسويقه للشدة و العنف والقسوة الى القول ' حسن أخلاقنا وعاداتنا هي نتيجه ضعفنا. أما الشده والغلظ في الاخلاق فهي دليل على قوه الحياة . ذلك لأن الانسان في هذه الحياه يجازف كثيرا ويقتحم كثيرا و يبذر كثيرا.أي يتمتع كثيرا . فهل الذي كنا نعتبره من قبل (ملح الحياه )ورونقها نعده اليوم سم الحياة ؟ ' هنا تقفز أمامنا مناظر شعوب وحكومات تسكرها الاستعراضات العسكرية،والمناورات، والحشود، وشراء وتصنيع الاسلحة فكم منها بجوارنا الاقليمي؟
لقد كان الفيلسوف نيتشه يعتقد ان منبع الاخلاق وأحكامها القويمه هي(الطبيعه) الانسانيه بما فيها من غرائز،وعلى رأس هذه الغرائز جميعا غريزة حب السيطرة، وإرادة القوة . وليست هناك افعال اخلاقيه في ذاتها ، وانما هناك تفسير للافعال الانسانيه' فنتذكر في وقتنا الراهن دول نعرفها وقد وضعت على رأس اهدافها القومية الهيمنة على المحيط الاقليمي لها وفرض سيطرتها .
كما راح نيتشه في فلسفته يمجد الحرب وينصح بها قائلا ' ولست أنصحكم بمزاولة الاعمال ،ولست أوصيكم بالسلام، ولكن الظفر والانتصار. فليكن عملكم اذا نضال ، وسلامكم إنتصار . وأنتم تقولون ان القضيه الجيده تقدس الحرب،اما انا فأقول لكم إن الحرب الجيده هي التي تجعل كل قضية مقدسة' فإذا استعاد احدنا مطالعاته وتذكر ماقرأه مؤخرا فكم من وسيلة إعلام في محيطنا الاقليمي تكرر صباح مساء نفس المفردات الفاشية تلك ؟
لا ريب إن هذه الفلسفه القائمه على الغرور المفرط ، وعلى الاحساس الزائد بالعظمه، كان لها اسوأ الاثر في توجيه الشباب الالماني بوجه عام الى هذه الوجهه المفتونه بقوة العسكرية،المولعه بالحرب والتسلط ،و التي عزلته عن العالم أجمع ،فذاقت منها المانيا الويلات ، وانهارت معها آمالها في السيادة والتسلط عن طريق الحرب والقوة الغاشمه التي تنكر قيم الرحمة والسلام. كما نشير الى ان أهم مؤلفات نيتشه هو كتاب في أربعة أجزاء بعنوان هكذا تحدث زاردشت 'Thus Spoke Zarathustra'ومن فكر زاردشت تكون خط الحركة الرئيسي في فلسفة نيتشه، و هو الخط الفكري الذي انتج فلسفته العدوانية.
ولأنه لايوجد ضياع اشد قسوة من القيام بقراءة كتاب دون ان نخرج منه بمنفعة، وبعد تلميح بحجم البعير، كالذي سبق ، نتسائل كم دولة في محيطنا الاقليمي تقبع فلسفة نيتشة في عقل صانع القرار الاستراتيجي فيها ،منكرة تقهقرها السريع نحو تدمير نفسها كما فعلت الانظمة الفاشية والنازية ؟
تعليقات