أحمد الديين يرى فى ذكرى إقرار الدستور فإن البعض لا يزال يتعامل معه وكأنّه هبة من الحاكم يمكن أن تُسترد

زاوية الكتاب

كتب 359 مشاهدات 0



دستور الحد الأدنى! 
 
كتب أحمد الديين

 

في الحادي عشر من شهر نوفمبر من العام 1962 صدّق صاحب السمو الشيخ عبداللّه السالم أمير الكويت في ذلك الوقت على وثيقة الدستور، التي أقرها المجلس التأسيسي، حيث صدّق عليها كما قُدِّمَت إليه من دون تعديل، حيث كان نجله سمو الشيخ سعد العبداللّه السالم أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور المنتخبة من ذلك المجلس قد شارك بنشاط وفعالية في إعداد مشروع الوثيقة الدستورية وأدخل عليه عدداً من التعديلات، التي اقترحها... وها هي اليوم تمر علينا الذكرى السنوية الخامسة والأربعون لإصدار دستور البلاد، الذي توافق عليه الآباء المؤسسون للدولة الكويتية الحديثة ضمن تعاقد تاريخي بين أسرة آل الصباح ممثلة بالأمير، والأمة ممثلة بأعضاء المجلس التأسيسي المنتخبين، جرى فيه تثبيت التوافق الرائع بين مشروع الحكم ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة.

والمؤسف أنّ البعض بعد خمسة وأربعين عاماً على إقرار الدستور لا يزال يتعامل معه وكأنّه هبة من الحاكم يمكن أن تُسترد... وهنا لا بد من التأكيد على أهمية الدور الريادي المبادر، الذي يُسجّل للشيخ عبداللّه السالم في تهيئة السبل بعد أن نالت الكويت استقلالها في العام 1961 لتلبية الاستحقاق التاريخي المتمثّل في إقامة نظام الحكم الديموقراطي، ولكن في المقابل لا بد من التأكيد أيضاً على أنّ مطالبة الكويتيين بالمشاركة الشعبية تعود إلى بدايات عشرينيات القرن العشرين، عندما تمّ التوافق على قيام أول مجلس للشورى في العام 1921، وبعدها كانت المطالبة بإقامة نظام حكم ديموقراطي دستوري نيابي، حيث تأسس في العام 1938 أول مجلس أمة تشريعي وصدر أول دستور ديموقراطي للكويت قبل حلّه وإلغاء الدستور في العام 1939، ثم استؤنفت تلك المطالبة في العام 1955 بالدعوة لعقد مؤتمر تأسيسي يضع دستوراً للبلاد، إلى أن نالت الكويت استقلالها وأصبح الاستحقاق الدستوري ضرورة ملحة لتحقيق الانتقال من صيغة الإمارة العشائرية التقليدية إلى صيغة الدولة الحديثة المستقلة.

وهناك فهم خاطئ آخر حان الوقت لتصحيحه، يتمثّل في الاكتفاء بالقول إنّ دستور 1962 هو مكسب ديموقراطي للشعب الكويتي، وهو قول صحيح ولكنه ناقص، ذلك أنّ هذا الدستور يمثّل في الوقت ذاته مكسباً لأسرة آل الصباح مثلما هو مكسب للشعب الكويتي، إذ كرّس الدستور الشرعية التاريخية للإمارة بشرعية دستورية في إطار دولة حديثة...


وهذا ما تعبّر عنه المعادلة الأساسية للدستور القائمة على أنّ الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح، وفقاً للمادة الرابعة من الدستور، وأنّ نظام الحكم في الكويت ديموقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وفقاً للمادة السادسة من الدستور.

ولعلّ التجارب التاريخية أثبتت بالملموس مدى أهمية الحفاظ على هذه المعادلة وفائدة التمسك بها، ويكفي أن نتذكر كارثة الغزو والاحتلال، عندما أكدّ الكويتيون في مؤتمر جدة في أكتوبر من العام 1990 تمسكهم بالشرعية الدستورية في رفض الاحتلال، وكذلك في رفض أي بدائل أخرى، خصوصاً الاقتراح الشهير للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران في شأن انسحاب القوات العراقية من الكويت ومنح الكويتيين الحقّ في تقرير مصيرهم.

بل يمكننا أن نلاحظ في هذا الشأن أنّ دستور 1962 القائم على فكرة التوازن والوسطية بين النظامين البرلماني والرئاسي قد وضع في يد رئيس الدولة سلطات واسعة شبه رئاسية، كما أنّه وفّر ضمانات كبيرة، بل هي ضمانات مبالغ فيها للسلطة التنفيذية... ذلك أنّ دستور 1962 هو الحد الأدنى للدستور الديموقراطي، وكان يُفترض خلال العقود الأربعة الأخيرة أن يتطوّر نظامنا الدستوري نحو استكمال طابعه الديموقراطي وتجاوز نواقصه، خصوصاً غياب الإقرار بالتعددية السياسية والحزبية وانعدام آلية تداول السلطة، لولا الاختلال المؤسف لميزان القوى في غير صالح الاتجاه الديموقراطي، ولولا التربص الدائم بدستور الحد الأدنى، بحيث انحصر النطاق المتاح للمطالبة الديموقراطية في أمرين هما: الحفاظ على المكتسبات الدستورية، والعمل على التزام تطبيق الدستور... وتوقفت بذلك المطالبة بتعزيز المكتسبات الدستورية، ولكن إلى حين... فهل سيفرض التغيير الدستوري نفسه قبل احتفالنا بالذكرى السنوية الخمسين؟!
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك