حذار من انسلاخ الجيش عن المجتمع الخليجي

عربي و دولي

2666 مشاهدات 0

هل تسد المرأة الخليجية نقص الرجال

تظهر صفقة أسلحة الـ123 مليار دولار الأميركية لدول الخليج لمواجهة إيران لدى البعض كأنها مسيرة تاريخ مكتوبة مسبقا، حيث يراهن الكثير على فشل الخليجيين في ترجمة المبلغ الضخم ليصبح قدرة عسكرية خليجية فعالة، وليس الغرض من هذه المقالة مناقشة ما جاء في الطروحات المتشائمة والمستخفة بأهليتنا لها، لكن هناك أزمة حقيقية تتمثل في أن على مجلس التعاون أن يعيد تعريف نفسه بناءً على هذه الصفقة عبر عمليات تحديث مؤلمة في «العسكري الخليجي» قبل وصول المعدّات أو السلاح الأميركي.
ففي 29 سبتمبر 2010م تحدث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس Robert Gates عن انسلاخ بين الجيش والمجتمع الأميركي، وعن تبعاته الخطرة على الوضع الاستراتيجي الأميركي، وجاء ما قاله ضمن خطابه الجريء الذي ألقاه في جامعة ديوك العريقة Duke University حين تطرق لتضارب المشاعر على المستوى الوطني الأميركي حول الاهتمام بالقوات المسلحة ومدى التأثر بالخسائر البشرية من منطقة أميركية إلى أخرى.

لقد قال غيتس: إن معظم الضباط والمجندين في الجيش الأميركي أصبحوا يأتون بشكل متزايد من المناطق القروية والبلدات الصغيرة في الجنوب ووسط الغرب، بل إن السود واللاتين يتطوعون أكثر من البيض مقارنة بنسب عدد السكان، ثم تحدث عن عزوف الشرائح الاجتماعية الحضرية عن الانضمام للقوات المسلحة وضرب مثلا بولاية ألاباما Alabama الريفية التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، ومع ذلك يوجد بها 10 مراكز لبرامج قوات الاحتياط «Reserve Officers Training Corps» فيما لا يوجد في مدينة لوس أنجليس Los Angeles الحضرية ذات الاثني عشر مليون نسمة إلا 4 مراكز لتسجيل قوات الاحتياط «ROTC» لضعف الإقبال هناك على الخدمة العسكرية.

جرأة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس تجبر المراقب على الالتفات للجيش الخليجي، تداركا لمرض أصاب المؤسسة العسكرية الأميركية رغم تحصينها بكل العلاجات المتقدمة وبعد دراسات استشرافية على قدر كبير من المهنية، فهل يعاني الجيش الخليجي من أي درجة من درجات البعد عن مجتمعه؟

تربعت الارستقراطية الخليجية في صفحات كتاب مايكل فيلد «Michael Field» العائلات التجارية في الخليج «The Merchants» بأسماء منتسبيها التي علت صروحا اقتصادية بل سياسية أحيانا، لكنها لم تقترب من معسكرات الجيش إلا في حالات نادرة في رتب الضباط فقط، وبصورة رمزية في حالات أخرى، وهو الحال نفسه بالنسبة لكثير من أبناء المدن، والخوف الآن هو أن تلحق بهم فئات اجتماعية أخرى من أبناء البادية والقرى والأقاليم النائية، بسبب مخرجات التعليم والتدريب المهني التي توفر لهم فرصا للعمل في القطاع المدني أكثر إغراء بمردودها المادي، أو بسبب القدرة التخريبية للنعمة المادية ورغد العيش الذي لا يقارن بحياة العسكرية الخشنة.

لقد تحدث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن التبعات الخطيرة لانسلاخ الجيش عن المجتمع الأميركي، ولسنا عنهم ببعيد، ومن تلك الأخطار: تراجع التعاطف في المدينة مع تجهيز القوات، وتعزيز الشعور بالفئوية والمناطقية، وإضعاف الشعور بأن الجيش للوطن بكل فئاته وليس لأبناء المناطق النائية.

وقد يرى البعض أننا نصنع أزمة لا وجود لها في بعض دول الخليج العربي، فأبواب مراكز التطوع مكتظة بالمتقدمين، وفي هذا صحة، لكنها طفرة مرحلية تعود بعدها الحاجة للعنصر الوطني بصورة حادة كلما لاحت أزمة في الأفق، مع أن الحلول لوقف انسلاخ الجيش عن المجتمع الخليجي كثيرة وقابلة للتنفيذ، فالتجنيد الإلزامي على مستوى الدول هو أحد الحلول، وقد طبق التجنيد الإلزامي في الكويت لمدة 25 عاما، ثم تم إيقافه بدعوى تعديل القانون للحد من سلبياته وليصبح أكثر فعالية، لكن أعظم إيجابياته كانت ربط الجيش بكل بيت وبكافة فئات المجتمع.

كما كان التجنيد في الكويت هو البوتقة التي صهرت كافة فئات المجتمع تحت راية الله ثم الوطن ثم الأمير لفئات عمرية يمكن أن تتشرب بتلك القيم بيسر، وقد تأسست هذه القناعات على المقدمات المنطقية التالية: التجنيد يجمع المنتسبين قسرا دون اختيار وبقوة القانون العسكري، وله قدرة على الحزم وسرعة تنفيذ العقوبات، وقد أدى غياب التجنيد خلال تلك السنوات العشر الماضية إلى بروز مظاهر اجتماعية سلبية مست قيم المجتمع.

كما أنه من حلول وقف ابتعاد المجتمع عن المؤسسة العسكرية التي تذود عنه، وضع المغريات لانضمام كافة فئات المجتمع مثل التعليم الجامعي في الخارج بعد خدمة سنوات محدودة، ورفع الراتب والتقاعد مع الاحتفاظ بكل العلاوات، وتسهيل السكن ونظام الإعاشة المميزة.
ومن حلول ربط المؤسسة العسكرية بالمجتمع الخليجي كله، فتح باب التطوع أمام الخليجيين بنسب أكبر مما هو مقرر حاليا في جيوش دول مجلس التعاون، أو فتح الباب أمام المتطوعين في قوات درع الجزيرة بشكل مباشر.
ولسنا بغافلين عن المحاذير التي قد ترافق عسكرة قطاع كبير من المجتمع مما قد يعيق خطط التنمية، لكن لا بديل لها إلا أن نلجأ للعلاج السهل بطعمه المر، كما فعلت سابقا كافة دول الخليج دون استثناء وهو العمل بنظام المنتدبين «Deputation» من باكستان وبنغلادش.  فهل تفعل دول مجلس التعاون ذلك وهي تتجه للحظة هامة في تاريخها فتبني الإنسان قبل بناء الترسانة العسكرية؟

الآن: د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك