حملة علي رصيِّف
زاوية الكتابكتب أكتوبر 30, 2010, 3:37 ص 1653 مشاهدات 0
القطية كانت ستين ديناراً , بل ورجع لنا شيء يسير , وهذه القطية كانت في حملة الوناسة وهي ليست وقفية , فهي حملة علي رصيِّف -بتشديد الياء شداً ليس بيسير - أو لنقل حملة الضعفاء والمساكين , قوتها بين جبن كيري وخبز الحويلة.
أما المواصلات فتنقسم إلى قسمين , مواصلات خارج مكة ومواصلات داخل مكة , أما الخارجية فأنتَ تقوم بتدبير أمورك , إما أن تأتي بسيارتك الخاصة أو على متن الطيارة أو معهم في سيارة واحدة تحملكم كسوبر جمس مثلاً موديل 85 - والسكان فيه فضاوة - وذلك من باب الاقتراب أكثر فأكثر من الموت , ويا عيني عندما يأتي الموت وأنت ذاهب لتؤدي فريضة الحج , فنحتسبك شهيداً بإذن الله , أما المواصلات داخل مكة , فنتحدث عنها بعد قليل .
حملة علي رصيِّف , هي أنموذج لأي حملة غير قانونية , حملة تتخطى القوانين وتقفز عليها لتصل إلى الحرم المكي , حملة تجد راحتها في الشيشة , لا أقصد الشيشة أم راس وواحد معسل وصلحوو , أبداً , بل أقصد الشيشة في اللفظ المُطلق الدارج عند العامة وهي محطة البانزين وما فيها من لوازم كالبقالة وماشابه , ولا تسألني عن البقالة والكاكاوات التي تُمثل فتنة لكل صاحب كرشٍ .
يحاول أمير الحملة توفير الميزانية قدر المُستطاع من خلال توقفه في أي شيشة تواجه الحملة أثناء المسير بسيارة الحملة الرسمية وهي كما قلنا سوبر جمس , مقاوماً بذلك شراسة أعضاء الحملة وهجومهم على البقالة التي تكون في تلك الشيِّش , بل ويكون قد أعد مسبقاً لستة لمطاعم رخيصة جداً في أماكن معينة يتوقف فيها لتناول وجبة الغداء أو العشاء من باب التوفير وربط الحزام , وربما وزع على أفراد الحملة قبل المسير إلى فريضة الحج لكل واحدٍ منهم صخرتين وحزام ناسف للجوع , يربط بطنه بتلك الصخرين قاهراً للجوع - مع الإعتذار لسنيكرس- .
بل وأحياناً لا يحرص كثيراً على تلك الوجبات , بل يأمرهم بتويع الخبز أو الكيكة الأمريكانية المحشاة بكريمة الفراولة , مع عصير سن توب وإن لم يجد العصير استبدله بماء القصيم وهذا كله بُعداً وابتعاداً عن الأكلات الدسمة , ويتعذر ويقول أن تلك الوجبات تسبب لنا كثرة التوقف زي الناس !
ويحرص أمير حملة الوناسة على تخفيف الحمولة والأمتعة , فيقوم بتوزيع سليب باق ومغطى بشيءٍ يذكرني بالسفرة التي أتناول عليها الطعام , وهذا السليب باق يقوم مقام الأمتعة الثقيلة كالفراش والديباج وهلم جرَّا , ويمنع منعاً باتاً أن يجلب أي نفرٍ منَّا معه الديباج أو الفراش , وذلك لأن أمير الحملة قد وفر البديل , وهو السليب باق وعليه صورة وردة صفراء , وذلك لأن مثل هذه الحملات فعلاً تُمسى حملات صفراء , قياساً على الصحف الصفراء , فالحملة محسوبة وبحنكة لسين من الناس .
أما الشنطة فيقوم أمير الحملة بزيارة إلى أقرب سوق للمحاميد سواءً كان في خيطان أو حولي , فينزل للسرداب ويقوم بشراء كمية كبيرة من الشنط التي عليها صورة النمر الوردي , ولذلك تيمناً ببساطة النمر الوردي وصفاء قلبه وسكوته الدائم , وركزيا قارئ على سكوته الدائم , مما يساهم في ترسيخ مبدأ السكوت والصفاء وعدم المعارضة , وأيضا يغرس المسالمة والوداعة الدائمة لأعضاء الحملة تجاه أميرهم الحنون .
حملة الوناسة ليست كأي حملة , لا مقارنة بينها وبين حملة المشاعر أو الشايع أو غيرهن , فهي حملة تمارس دورها الريادي بين الحملات بكل قوة .
فداخل مكة مواصلاتها ذات جودة عالية , فلا تستخدم أي صناعة من خلال التنقل , بل تستخدم وسيلة طبيعية جداً , فأنتَ تستخدم كلتا رجليك في التنقل من منسكٍ إلى آخر , أما السكن , فثلاث غرف يسكنها أكثر من عشرين شخص .
هذه معلومات بسيطة تساهم في إفهام البعض وتوضيح الصورة لهم فيما يخص حملة علي رصيِّف أو حملة الوناسة .
المشاهد كثيرة التي تحدث في المناسك وأنتَ تخوض الحج مع حملة بهذا الوضع , لا يسعنا عدها وحصرها وذكرها , أتذكر أنني قد مشيت أكثر من 30 كيلو في أحد الأعوام وأنا حاج من خلال تنقلي في المناسك .
هنيئاً لكل من سيحج هذه السنة , وهنيئاً لمن سيقف في عرفة , لا تغبطنَّ أحداً إلا في ذلك الموقف .
هناك الآن كثير من النَّاس يقدرون ويستطيعون الحج ولم يجح أحد منهم في أي سنة , بل ووصل عمرهم الثلاثين والأربعين , وهم يملكون المال والوقت والجهد ولكن يسوفون .
ولكن ماذا لو سمع هذا الرجل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال : من استطاع الحج ولم يحج , فليدفع الجزية وليمت نصرانياً أو يهودياً إن شاء .
رسالة إلى كل من هو قادر ولم يحج هذه السنة , تدارك نفسك , فالأمر جد خطير , بادر قبل أن يبادرك الموت , عندها لن تجد أحدا يقول عنك : لبيك اللهم عن شبرمة , وسمران يحييكم .
تعليقات