داود البصري وفضيحة المالكي الطهرانية: حيث الهوى والشباب والولاء العقائدي, والحبيب الأول!
زاوية الكتابكتب أكتوبر 23, 2010, 2:47 ص 3297 مشاهدات 0
فضيحة المالكي الطهرانية!
في تكريس وتأصيل لسياسة التبعية والفشل والتخبط القيمي والسلوكي, زار رئيس الوزراء العراقي المنتهية صلاحيته للاستهلاك الدستوري, العاصمة الإيرانية طهران حيث الهوى والشباب والولاء العقائدي, والحبيب الأول! من أجل حشد الدعم الإقليمي المطلوب لتجديد رئاسته الحكومية ولتقديم واجب الشكر والعرفان والامتنان للرفاق المؤلفة قلوبهم في طهران لدورهم في تسهيل مهمة إيلاج حزب 'الدعوة' في عجلة السلطة العراقية المثقوبة, وكذلك للالتقاء ببعض وكلاء النظام الإيراني من العراقيين الخاضعين للسيطرة والتوجيه الإيراني المباشر مثل مقتدى الصدر القابع تحت الحماية 'الحرسية' في قم, والذي بات الإيرانيون يحركونه وأتباعه بال¯'ريموت كونترول' بعد نجاحهم في الهيمنة على الساحة الشيعية العراقية بطريقة غير مسبوقة في التاريخ العراقي المعاصر.
ومسألة الاتصالات المالكية مع الأطراف العراقية المتمسكة والملتزمة بالمشروع السياسي والعقائدي الإيراني هي قضية بديهية, ولكن الزيارة الأخيرة حملت مفاجأة مزعجة وغير منتظرة قدمها الإيرانيون بدهائهم التاريخي والمعروف نحوضيفهم الذي استقبلوه بحفاوة وكأنه من أهل بيتهم ومن أتباعهم الصرحاء, وذلك في ظل غياب رمز الدولة العراقية التي يمثلها المالكي وهوالعلم العراقي الذي غاب تماما عن المشهد الخلفي للاستقبالات الرسمية مع المسؤولين الإيرانيين, بدءا من الولي الفقيه الذي جلس أمامه المالكي كالتلميذ المطيع في حضرة أستاذه أوكالمريد في حضرة القطب الأكبر.
في زيارة سابقة للولي الفقيه تعمد المالكي عدم ارتداء ربطة العنق التي يحاربها النظام الإيراني لأنها تعبر عن 'الطواغيت' أو هي كما وصفها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني بكونها 'ذيل للحمار'!, هذه المرة تدارك المالكي الخطأ ولبس ربطة العنق, وهو في حضرة الولي الفقيه, ولكن النظام الإيراني بدهائه المعروف أعطى انطباعات خطيرة عن نوري المالكي, وعن الحكومة العراقية تجاوزت كل الاعتبارات والترتيبات البروتوكولية المعروفة في التعامل الديبلوماسي بين دول العالم. فالمالكي لم يذهب لإيران بصفته الشخصية, أي كنوري كامل أبوالمحاسن المالكي الأمين العام لحزب 'الدعوة - المقر العام' بل ذهب بصفته كرئيس للحكومة العراقية كما قال وأكد هو بنفسه, وهو ما يتطلب أن يكون العلم العراقي حاضراً في المشهد الخلفي لسيادته على الدوام وهويستقبل من قبل رئيس الجمهورية الإيرانية محمود احمدي نجاد أو رئيس أو نائب الرئيس أو رئيس البرلمان أوأي مسؤول إيراني آخر, ولكن المصيبة والفضيحة الكبرى تمثلت في غياب العلم العراقي, وهوغياب يعطي مؤشرات واضحة لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاتها ومعانيها, خصوصا أن الخطا غير وارد أساسا في حسابات النظام الإيراني, كما أن السهو لا محل له من الإعراب في العقلية السلطوية الإيرانية المبرمجة, والتي تعرف ماذا تريد بالضبط.
الاحتمال الأكبر لذلك التصرف الإيراني الذي لم يحصل مثلا, لا مع الرئيس السوري بشار الأسد ولا مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز, وحيث لوحظ العلمان السوري والفنزويلي في خلفية المشهد إلى جانب العلم الإيراني, ولكن علم العراق قد غاب تماما ومطلقا خلال الزيارة المالكية لربما كان الموضوع رسالة إيرانية واضحة لمن يهمهم الأمر من دول التحالف الدولي التي 'حررت' العراق أن ذلك البلد قد أصبح بحكم الواقع واستغلال الظروف بشكل ذكي مجرد ضيعة إيرانية, كما كان شأنه 'زمن الاحتلال الأميركي' شأن أقل ولاية أميركية لذلك تم تنصيب حاكم مدني أميركي يديره وكان الجنرال غارنر قبل أن يأتي السيد بول برايمر, وهوأحد رجال الخارجية الأميركية ومن أبناء وتلاميذ هنري كيسنجر النجباء ليحكم العراق ويؤسس دستوره ويسن القوانين الملغومة ويعبث بالصيغ الطائفية ويسلم العراق أرضا وشعبا ومقدرات لإيران بعد أن تهشم جيشه وتحطمت كل مقومات دفاعه الوطني, وأستبيح للفرق والأحزاب والميليشيات المتخلفة,بدءا من أهل 'القاعدة' وأخواتها من فرق القتل المتوحشة وليس إنتهاء بالعصابات الطائفية الإيرانية المتخلفة التي تمكنت من ركوب الموجة الطائفية المريضة, وفرضت سلطتها المدعومة بأساليب وإمكانيات النظام الإيراني الذي استفاد من خزينه التعبوي الستراتيجي في الثمانينات من القرن والذي استخدمه خير استخدام في الألفية الثالثة, بعد تغير قواعد اللعبة وسيادة الفوضى الأميركية غير الخلاقة التي حولت أحزابا فاشية دينية وطائفية كـ'الدعوة' وأخواتها لأحزاب حاكمة وقائدة للديمقراطية العراقية العجفاء التي لم تبن البلد .بل ساهمت في تعويقه وتكسيحه وإرساله للمجهول.
لقد أكد النظام الإيراني بأن السيد نوري المالكي يظل بحكم الواقع والارتباطات التاريخية من اهل البيت الإيراني رغم الخلافات السطحية الموجودة على السطح, ولكن وجود حزب الدعوة في السلطة يجب ويلغي كل الخلافات السابقة.
الإيرانيون لا يحتاجون اليوم لرفع العلم العراقي عند استقبال المسؤولين العراقيين لأنه في ظل البركات الأميركية العظيمة تحول العراق بكل ثقله الستراتيجي ووجوده التاريخي لحالة كسيحة ولخرابة يطأها أزلام النظام الإيراني متى رغبوا. ويبقى قول الشاعر الرصافي قبل سبعين عاما من الزمان هوالصالح حتى اليوم حينما يقول :
'علم ودستور ومجلس أمة
كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها
أما معانيها فليست تعرف'
وتظل فضيحة العلم العراقي المفقود في طهران تزين عهد الفضائح العراقية المستمرة فصولا.
*كاتب عراقي
تعليقات