الحوار الإستراتيجي بين تركيا و دول الخليج ؟!
عربي و دوليأكتوبر 18, 2010, 10:17 م 4229 مشاهدات 0
في 23 أكتوبر 1911 قام النقيب طيار كارلو ماريا بياتزا ' Carlo Maria Piazza' بإسقاط قنبلة بيده على القوات التركية في ليبيا، مسجلا بتلك الخطوة أول استخدام للطائرات في الهجوم الارضي، وقد أدى مقتل عدد كبير من الجنود الى هزيمة القوات العثمانية واحتلال الايطاليين ليبيا.
في تلك الحرب العثمانية الإيطالية1911-1912م قدم حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح إعانة بمبلغ 3,000 ليرة عثمانية، ولم تكن تلك الا خطوة ضمن سلسلة إعانات حربية ومدنية قدمها للدولة العثمانية، تلتها اعانات في حرب البلقان بمبلغ 11,000 ليرة عثمانية.و حريق الاستانة عام 1911 بمبلغ 5,000 ليرة عثمانية، و عند انشاء سكة حديد الحجاز 1,000 لير عثمانية.
وفي 6 نوفمبر 1914 ومع نزول البريطانيين في الفاو عند اشتعال الحرب العالمية الأولى، اعلن مبارك وقوفه مع بريطانيا ، وارسل خيالته شمال الجهراء لمنع التفاف القوات العثمانية على البريطانيين، بل وأمر الدكتور التركي الوحيد أسعد و الذي كان يعمل بالمستوصف الخيري بمغادرة الكويت.
سوء معاملة العثمانيين لرعاياها هي التي أدت لمثل هذه الخطوة على طول الساحل الشرقي للخليج ، ففي 8 مايو 1913 م وبعد حصار دام ثلاثة أيام لقصر ابراهيم استطاع الملك عبد العزيز بن سعود طرد قوات الخلافة العثمانية من الاحساء اخر معقل لهم في الخليج العربي كله. سبقه خروجهم من قطر بعد خسارتهم معركة الوجبة ضد القطريين في 25 مارس 1893 م . وهذه المعلومات هي ماتقوله مصادرنا القديمة عن الخطوات التي ادت الى تجريد الاتراك من صفة الدولة الخليجية التي عاشها بعض اباءنا و اجدادنا .
أما المصادر التركية الحديثة فتذهب الى إن انقرة تقوم خطوة فخطوة بتنفيذ الرؤية التي رسمتها في سبيل تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة للإستقرار. كما تقول نفس المصادر إن احدى الحلقات الهامة لهذه الرؤية، هي آلية الحوار الإستراتيجي مع دول الخليج. وقد بدأت الخطوات التركية مع سوريا ولبنان و الأردن و العراق ،كما ان هناك نوايا لتأسيس مجلس للتعاون الإستراتيجي مع مصر. وبناء عليه فقد عقد في الكويت 17 اكتوبر 2010م الاجتماع الوزاري المشترك الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وتركيا ، ولم يأت هذا الاجتماع كقفزة بين الوقت الراهن ومطلع القرن الماضي بل كان هناك تطور تاريخي ايجابي للعلاقات الخليجية التركية، فقد دأبت تركيا على اعادة تعريف نفسها بين الحين والاخر ، فعلى اثر تكون الجمهورية بعد اتفاقية لوزان 1923م ظهرت العلمانية،ويممت وجهها بقيادة اتاتورك الى الغرب، بل انها منعت الحج حتى عام 1947م ، ثم انضمت لحلف شمال الأطلسي سنه 1952م واجبرها ذلك الى الالتفات الينا حين أنضمت عام 1955 م إلى حلف بغداد الذي بعث نوري السعدي في جهد محموم لادخال الكويت في ذلك الحلف . ولان دول الخليج كانت في ظل الحماية البريطانية فقد توجب على انقرة ان تنتظر حتى إلغاء تلك الاتفاقية لاقامة علاقات مع الكويت في 1961م ثم مع بقية دول الخليج عام 1971م،لكنها كانت طوال تلك الفترة قائمة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث تطورت العلاقات بينهم فوقع البلدين في عام 1984 اتفاقية دفاعية و صناعة عسكرية مشتركة برأسمال سعودي وخبرة تركية ، وفي1985م سمح ببيع العقارات للرعايا الخليجيين ، وقامت السعودية والكويت والامارات بتمويل مشروع للكهرباءعلى مضيق البسفور،كما كان لتركيا موقف مشرف في حرب تحرير الكويت 1991م .
فماذا تريد تركيا وماذا نريد من تركيا الجديدة ؟
تعد تركيا من الفاعلين الأساسيين في التجارة العالمية،وهذا ما اوصل إسطنبول لتكون عاصمة أوروبا الاقتصادية في العام 2010م،و الشراكة التركية الخليجية تأتي لآن تركيا تحتاج للنفط ،و رءوس الأموال والاستثمارات اللازمة لنمو اقتصادها. ويبدوا ان هذه الخطوات تسير ثابتة في الاتجاه الصحيح فصادرات انقرة لدولة الامارات العربية كمثال تأتي على قمة الصادرات التركية الخارجية وتبلغ 3% من صادرات تركيا، حتى انها اكبر من الصادرات التركية لالمانيا التي تعتبر شريك تجاري تاريخي لانقرة . ولعل هذا هو الدافع الاهم للحوار الذي عقد في 17-18 اكتوبر الجاري حيث انتهت مرحلة وضع الاطر خلال الاجتماعات السابقة ، وتم البدء بوضع الاليات لتنفيذ التعاون الاستراتيجي الخليجي التركي من خلال عدة لجان مشتركة تغطي أوجه التعاون التسع التي تشمل التجارة و الإستثمار والزراعة والأمن الغذائي و النقل و الإتصالات و الطاقة و البيئة و السياحة و الصحة و الثقافة و التعليم .
لقد ورد التعاون الامني ضمن أوجه الشراكة التركية الخليجية ،فما هو مفهوم أمن الخليج من المنظور التركي ؟
تعيد الجمهورية التركية تعريف نفسها بعد توجهها الاخير للشرق، وقد حدث ذلك في وقت تتزاحم فيه القوى الإقليمية على حجز مكان لها في الخريطة الجيو-استرايتجية التي نشأت جراء خروج العراق من معادلة الامن في الخليج . وقد التقى الطموح التركي مع الرغبة الخليجية لتحقيق التوازن في المنطقة بعد احتلال العراق، واستمرار الطموح النووي الإيراني. فالصيغة المثلى لأمن الخليج من المنظور التركي هو تحقيق توازن إقليمي بمساعدة الغرب ، وهو نفس المنظور الخليجي في الوقت الراهن جراء ضعف منظومة الامن الجماعي الخليجي . ولعل ما شكل المنظور التركي هو وجود تحفظ أمريكي على توسع دور انقرة في منطقة الخليج لانه يعني التعارض مع مصالح واشنطن في الخليج او خروجا تركيا عن وصاية امريكا التي استمرت منذ ان اصبحت عضوا في حلف شمال الاطلسي 1952م.
وكان البديل عن الا ندفاع العسكري التركي للخليج هو مساندة حلف الناتو لتركيا في تطلعاتها الجديدة نحو منطقة الخليج عبر مبادرة إسطنبول 2004م، IstanbulCooperation Initiative 'ICI ' والتي انضمت إليها دول المجلس على صيغة 26+1 بدل 26+6 مما جعل السعودية وعمان ترفض الانضمام لها لاسباب عدة لعل ابرزها محدودية جدواها التي تنحصر في التدريب وتبادل المعلومات الأمنية. ورفض الحلف الاتفاق مع دول المجلس ككتلة واحدة، ثم عولمة أمن الخليج من خلال هذه الصيغة . ورغم القصور في(ICI) تبقى تركيا في تعاونها معنا مكسبا امنيا ، فتركيا تتمتع بخبرات عسكرية عدة ، ولديها أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة ، حيث يبلغ تعداده نصف مليون جندي ، بالا ضافة الى 900 ألف من جنود الاحتياط . كما ان لدى تركيا صناعاتها العسكرية التي تعتمد حتى الان على تراخيص إنتاج من بلد المنشأ، وهي في امس الحاجة للإسهام المالي لدول الخليج في صندوق الصناعات العسكرية.
إن الحوار الاستراتيجي مع تركيا هو نقلة نوعية في العلاقات و العمل الدبلوماسي الخليجي خارج الاطر التقليدية مع الغرب .وتركيا كما ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية كانت حاضرة في الملفات التي تهم الخليج ، وكانت سياستها تتسم بالتوازن والاعتدال. ولأن التمدد الإقليمي من دول الجوار هوقدرنا المستمر، فنتمنى ان يكون هناك توازن في التمدد بين تركيا وجمهورية ايران الاسلامية ، الذي بدأ منذ معركة جالديران عام 1514م بين سليم الأول و إسماعيل الصفوي ، فهل نرى تآكل في العلاقات بين البلدين أم تعقل من كلا الجانبين، خاصة ان تركيا قد اظهرت حسن النية لاخراج طهران من ازمتها النوويةمع المجتمع الدولي عبر الحل البرازيلي التركي . أما من سينجح في كسب قلوبنا وعقولنا فأشير الى ان من عاصر سبعينيات القرن الماضي يعرف شاهنشاهية وغطرسة المطربة الايرانية قوقوش التي فشلت في التسلل لقلوبنا رغم جمال وجهها وصوتها ، بينما أنسلت نور ومعها مهند كنسمة عليلة الى داخل بيوتنا بكل يسر .
تعليقات