الفراغ الإداري لمنصب مدير الجامعة

أمن وقضايا

الوسمي برأي قانوني: جريمة يعاقب عليها القانون وشبهة جنائية

3987 مشاهدات 0

عبيد الوسمي

بالإشارة للاستفسار المقدم من جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت للدكتور عبيد الوسمي عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق والمستشار القانوني لجمعية أعضاء هيئة التدريس ، حول الفراغ الإداري لمناصب مدير الجامعة ونواب المدير وأثر ذلك، بين د.عبيد المطيري رأيه قائلا:


بسم الله الرحمن الرحيم


     بالإشارة لما يثار حول الفراغ الإداري في منصب مدير الجامعة وبعض نواب المدير والعمداء و العمداء المساعدين وذلك لبلوغ قرارات تعيينهم في هذه المناصب أجلها وآثار هذا الفراغ بالنسبة لموجبات قيام مسئولية وزيرة التربية السياسية و المدنية و الجنائية، فنود أن نشير إلى هذه المسائل الأولية :

     فأولاً : إن الاختصاصات التي عهد بها لمدير الجامعة هي اختصاصات تنفيذية مردها قانون الجامعة ولائحته التنفيذية ، والقواعد القانونية المتعلقة بالتنظيم الإداري والتفويض في الاختصاص .مما يستلزم مباشرة هذه الصلاحيات ضمن الحدود التي يسمح بها القانون و دون اخلال بقواعد التوازن الهرمي للاختصاص الوظيفي لما في ذلك من اثر على سلامة القرارات الادارية.

     فمن ناحية, تختلف أداة تعيين مدير الجامعة  عن نواب المدير ذلك ان أداة تعيين مدير الجامعة هي المرسوم الاميري عملا بنص المادة 9 من قانون التعليم العالي , بينما يعين نواب مدير الجامعة بقرار وزاري بناء على عرض مدير الجامعة , اضافة لذلك فأن المركز القانوني لمدير الجامعة من حيث الاختصاصات الفنية والإدارية لا يتطابق مع المراكز القانونية لنواب المدير, مما لا يجوز معه أن يعهد باختصاصاته لسواه بعد زوال سند مباشرته لها . وبما يعني إن إنتهاء أجل مرسوم تعيين مدير الجامعة يسقط كل تفويض في الاختصاص كان المدير قد عهد به لأحد نوابه أو سواهم ممن أجاز القانون له حق تفويضهم.

      ومرد ذلك أن مدير الجامعة لا يملك أساساً صلاحية مباشرة اختصاصاته بعد إنتهاء أجل صلاحية مباشرة الاختصاص المحدد قانوناً بيوم 1/8/ 2010 , و ذلك عملا بما جاء في مرسوم تعيينه رقم 238 لسنة 2006 الصادر في الاول من اغسطس 2006و الذي قضى في مادته الثانية ' على وزير التعليم العالي تنفيذ هذا المرسوم و يعمل به من تاريخ  صدوره , و ينشر في الجريدة الرسمية'  , ولما كان نص المادة 15 مكرر من  المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة  1979في شأن نظام الخدمة المدنية قد نص على ' تكون مدة التعيين في اية وظيفة من مجموعة الوظائف القيادية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد ', فان مؤدى ذلك أن الفترة من 1/8/2010 وحتى تاريخه هي فترة شغر بها منصب المدير , لعدم صدور مرسوم تجديد للمدير أو تعيين اخر .وهو منصب لا يشغل إلا بالأداة المحددة قانوناً و باتباع الإجراءات المستلزمة قانوناً لشغلها ووفقاً للشروط والضوابط المشار لها في المادة (9) من قانون الجامعة , و لا يغير من ذلك ان يكون تاريخ مباشرته للعمل هو تاريخ لاحق على صدور مرسوم التعيين , اذ أن مباشرة العمل هي شرط لاستحقاق المرتب لا الصلاحية الوظيفية عملا بنص المادة 18 من  المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة  1979في شأن نظام الخدمة المدنية و التي تنص على ' يستحق الموظف مرتب من تاريخ تسلمه العمل..'

      علاوة على ذلك, تعتبر القواعد المنظمة لتشكيل اللجان الجامعية وتحديداختصاصاتها قواعد آمره من النظام العام لاتصالها بقواعد سير المرفق ، وبما يستتبع حتمية اعتبار اعمال اللجان التي تشكل بالمخالفة للقواعد المقررة قانوناً خروجا على المشروعية و مخالفة للنظام العام وبما ينزع عن أعمال هذه اللجان الصفة القانونية .

       فالمخالفة الصريحة لقواعد الاختصاص الوظيفي تشكل إخلالاً بضمانات جوهرية متعلقة بمباشرة اختصاصات مرفق عام بموجب القانون, وبما يعني عدم إمكانية انعقاد اللجان التي يستوجب القانون تمثيل مدير الجامعة بها, لزوال صفته ببلوغ صلاحيته المحددة بأداة تعيينه أجلها, الأمر الذي يمثل خروجا على مبدأ عام من مبادئ القانون الإداري وهو مبدأ سير المرافق بانتظام واضطراد .

     علاوة على ذلك فان انعقاد هذه اللجان بالمخالفة لقواعد تشكيلها يبطل أعمالها, وهي في الصورتين السابقتين مخالفة تستوجب التحقيق والمسائلة لأن من شأن استمرار الوضع على هذا النحو تحميل الدولة مسئولية التعويض عن أي أضرار قد تنشأ نتيجتة لهذا الخلل في مباشرة اختصاصات المرفق.

ثانياً- توافر موجات المسئولية السياسية لوزيرة التربية و التعليم العالي باعتبارها صاحبة الاختصاص في الإشراف و الرقابة على أعمال المرافق التعليمية علاوة على اختصاصاتها المقررة بالقانون رقم 29 لسنة 1966 في شأن تنظيم التعليم العالي :

     جامعة الكويت باعتبارها مرفقا عاما تخضع لاشراف و توجيه وزيرة التربية و التعليم العالي لاتصال نشاط المرفق بترجمة السياسات العامة للدولة و لذا فان الإخلال الجسيم بواجبات النهوض بالمسئوليه القانونية في الإشراف والرقابة أمر  يستلزم بطبيعته حتمية التقدير المسبق لخطورة حدوث مثل هذا الفراغ و اثاره , مما كان يستوجب القيام بما يلزم لتفادي حدوث مثل هذا الفراغ , وهي من مسائل التقدير التي تخضع لاعتبارات المراقبة السياسية وقد تؤدي لوجوب المسائلة السياسية.

كما نشير أنه لا يجوز الاستناد الى سوابق فيما يتعلق بشغر منصب مدير الجامعة, ذلك أن الأخطاء السابقة لا تنشأ بذاتها قواعد تبرر الخروج على القانون أو مخالفة احكامه, كما أن هذه السوابق بفرض حدوثها في الماضي لاتنشيء عرفا بمعنى القاعدة القانونية ,ذلك أن القواعد العرفية باعتبارها مصدرا من مصادر القانون لايجوز لها أن تخالف نصا مكتوبا أو تهدر مبدأ من المباديء العامة التي تحكم عمل المرافق العامة.

     فشغر منصب المدير دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للتجديد أو التعيين قبل بلوغ الصلاحية أجلها يعتبر بذاته خطأ قانونياً جسيماً يترتب عليه تعطيلاً لاختصاصات المرفق وقيام مسئولية الدولة مدنياً عن الأضرار التي قد تنشأ نتيجة لهذا الوضع غير المألوف ,و منها على سبيل المثال تعطيل المواد 10و 13 و 15( تعيينات العمداء) ، والمواد (16-17-19-25-31-33-37-39) ، حيث أن شغر منصب المدير يعد تعطيلاً لعمل اللجان المشار لها في مواد القانون. كمجلس الجامعة ، مجلس العمداء ، الأمانة العامة , بالتالي فان عدم وجود مدير للجامعة يمثل تعطيلا للأجهزة التنفيذية بالجامعة للاستحالة القانونية لاتخاذ القرارات  الادارية اللازمة لسير المرفق.

     نشير أيضا أن قواعد الحلول في الاختصاص لا تسعف في هذا المقام ذلك أن مناصب نواب مدير الجامعة تعتبر مراكز قانونية تخضع لنظام قانوني يختلف عن منصب مدير الجامعة, من حيث أداة شغل المنصب و متطلبات شغله و صلاحياته مما لا يجوز معه الحلول التلقائي في مباشرة اختصاصات هذا المركز القانوني .فالقانون و ان أجاز التفويض الجزئي في الاختصاص الا أن هذا التفويض مشروط بتوافر المقتضيات الأولية له , وهي صلاحية سند شغل المدير لمنصبه فشغر هذا المنصب لاي سبب معتبر كالوفاة أو بلوغ السن القانونية أو انتهاء أجل التكليف المحدد بأداة التعيين , يترتب عليه سقوط كل التفويضات في الاختصاصات الصادرة من المدير لنوابه متى ما زالت عنه الصفة وأصبح استعماله لصلاحياته مستحيلاً قانونًا .

     و بالتالي فأن التفويض الصادر من مدير الجامعة بعد بلوغ مرسوم تعيينه اجله يوم 1-8-2010 لعميد طب الاسنان الدكتور محمد جواد بهبهاني للقيام باعمال مدير الجامعة يعتبر قرارا منعدما لزوال صفة المدير عنه ابتداء , اذ انه لايملك أصلا مباشرة صلاحياته بعد ذلك التاريخ. ومن ثم فان القرارات الصادرة من القائم بأعمال مدير الجامعة و على الأخص القرار رقم 2167 بتاريخ 3-10-2010 بتكليف الدكتور عادل حسين مال الله القيام بأعمال نائب مدير الجامعة للتخطيط , و القرار رقم 2166 بتاريخ 3-10-2010 بشأن تكليف الدكتور أحمد سامي المنيس بالقيام بأعمال نائب مدير الجامعة للأبحاث تعتبر اعمال مادية لاقيمة قانونية لها لابتنائها على صورة من صور عيب الاختصاص الجسيم وبما تنحسر عن هذه الاعمال صفة القرار الاداري, كما ان قبول وزيرة التربية و التعليم العالي بهذا الواقع و اقرارها له لا أثر له في تصحيح هذا الوضع, فتصبح المراكز القانونية المشار لها انفا : مدير الجامعة, نائب المدير للابحاث , نائب مدير الجامعة للتخطيط مراكز قانونية شاغرة قانونا.

     علاوة على ذلك فان القضاء الاداري و باعتبار احكامه مصدرا للقانون الاداري قد مايز بين أخطاء الموظفين العامين من حيث الجسامة وصلة الخطأ بالمرفق و حدود المسئولية عنه, بين الاخطاء المرفقية و الاخطاء الشخصية و التي تنقطع صلة المرفق بها فالخطأ المرفقي Le Faute de la Service هو الخطأ التقديري العادي الذي يقوم به الموظف بمناسبة تسييره لاعمال المرفق دون أن يصل الى قدر من الجسامة فينسب الخطأ للمرفق ذاته و تتحمل الخزانة العامة تبعة التعويض عن الضرر الناشيء عنه, أما الخطأ الشخصي Le Faute Personnelle فهو صورة خاصة من صور خطأ الموظف العام الذي ينطوي على قدر كبير من الاخلال بواجبات الوظيفة مما يقطع صلة المرفق به و يتحمل الموظف لا المرفق تبعة التعويض عن الاضرار الناشئة عنه. و قد جاء في أحكام القضاء الأداري: 'يُعتبر الخطأ شخصياً إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف مُعرض للخطأ والصواب فإن الخطأ فى هذه الحالة يكون مصلحياً - فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصياً ويتحمل نتائجه - فإذا كان يهدف من القرار الإداري الذى أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية فإن خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف فى هذه الحالة خطأ مصلحياً - إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية فإن الخطأ فى هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً'. (الطعن رقم 638 لسنة 29 قضائية 'إدارية عُليا' - جلسة 26/12/1987 مجموعة المكتب الفني السنة 33 صـ 490).

     لذا نرى أن إخلال الوزيرة بواجباتها الدستورية التي تفرضها طبيعة العمل الوزاري يستتبع اعتبار فراغ الجامعة وما يترتب عليه من قبيل الخطأ الشخصي الذي يوجب قيام مسئولياتها المدنية بالتعويض عن كل الأضرار التي قد تنشأ بسبب هذا الفراغ.

ثالثاً: المسئولية الجنائية للاهمال و التفريط طبقا لقانون حماية المال العام:

     ان استمرار الوضع على هذا النحو مدعاة لخلق فوضى في النظام الاداري للمرفق نتيجة للخلل في قواعد الاختصاص و هو ما يمكن من الاعتراض على سلامة القرارات الصادرة من الجامعة في الحدود المشار اليها, لذا فان احتمال الرجوع على الدولة بالتعويض سواء في اعمال المرفق الادارية أو التعاقدية يبقى قائما و محتملا, و يبقي عدم التدخل في هذا الخصوص شكلا من اشكال التفريط و الاهمال الشديدين الامر الذي يشكل بذاته شبهه جنائية طبقا لقانون حماية الاموال العامة.

     حيث تنص المادة (14) من قانون حماية المال العام رقم 1/1993 على ' كل موظف عام أو مستخدم أو عامل تسبب في خطئه في الحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال الغير أو مصالحه المعهود بها على تلك الجهة ، بأن كان ذلك ناشئاً عن اهمال أو تفريط في إداء وظيفته أو عن إخلال بواجباتها أو عن إساءة في أستعمال السلطة داخل البلاد أو في خارجها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات...' . وهي جرائم لا تخضع لنظام التقادم طبقا القانون .

     كما نشير الى ملاحظة هامة في هذا الخصوص, هي أن مطالعتنا لهذه القرارات استدعت الرجوع لبعض النظم القانونية المشار لها و المعمول بها في جامعة الكويت و منها قرارات تنظيمية (لوائح) نقطع بعدم وجود أساس قانوني لها , لعدم نشرها كما يوجب القانون-حيث لايوجد في السجلات الرسمية ما يفيد نشرها في الجريدة الرسمية- كما أن مظاهر عدم مشروعيتها شديدة الوضوح . و أود ان ألفت انتباه الوزيرة و الحكومة و مستشاروهم أن استمرار العمل بهذه النظم و على هذا النحو يشكل جرائم يعاقب عليها القانون.

     كما نوجه السادة أعضاء البرلمان باعتبار وظيفتهم الرقابية الي ضرورة تشكيل لجنة تحقيق عاجلة , حتى يتسنى لنا اثبات هذا الادعاء و محاسبة المتسببين فيه و حتى يقف الأفراد على واقع ادارة مؤسسات الدولة.

رابعاً: أثر الفراغ الإداري في المراكز المشار إليه :

بطلان القرارات الصادرة من جامعة الكويت لخلل في نظم الاختصاص الوظيفي و التفويض فيها, و للخلل في قواعد تشكيل اللجان.
تحميل الدولة مسئولية مدنية بالتعويض عن القرارات الباطلة متى ما توافرت موجبات التعويض طبقاً لقواعد القانون المدني ، وتحميل الدولة مسئولية عن أعمالها التعاقدية لخلل في تشكيل اللجان الخاصة بالتعاقدات الخاصة بالجامعة.
شبهة جنائية لمخالفات مقتضيات المادة (14) من قانون حماية المال العام. .
خامساً : التوصيات :

إصدار مرسوم عاجل بتعيين مدير مؤقت للجامعة طبقاً للقواعد المقررة في المادة (9) من القانون 29 لسنة 1966 لحين إصدار مرسوم تعيين مدير الجامعة طبقا للاجراءات المقررة بهذا الشأن .
(او) إصدار مرسوم بالتجديد للدكتور عبد الله الفهيد على أن يكون المرسوم بأثر رجعي من تاريخ 1/8/2010 تصحيحاً للأوضاع القائمة وتصحيحاً للقرارات الصادرة من المرفق في الفترة من 1-8-2010 و حتى تاريخ صدور مرسوم التجديد .
(او) إصدار قرار من مجلس الوزراء بتعطيل العمل في جامعة الكويت ومرافقها للصالح العام, تفادياً لبطلان القرارات الصادرة عن الجامعة أو وحداتها الإدارية .
 

د.عبيد محمد المطيري

كلية الحقوق-جامعة الكويت

الآن - المحرر القانوني

تعليقات

اكتب تعليقك