أحمد الديين يستنكر الاستسلام المشين للتيارات السياسية والنخب في مواجهة اعتداءات الحكومة على حرياتنا

زاوية الكتاب

كتب 951 مشاهدات 0


 

إفراغه أسوأ من تنقيحه! 
 
كتب احمد الديين
على سوئهما الأكيد فإنّ المحاولتين الفاشلتين لتنقيح الدستور في بداية الثمانينات كانتا أخفّ ضررا وأقل خطورة من السعي السلطوي المتواصل لإفراغ الدستور من الحدّ الأدنى المتاح من محتواه الديمقراطي... فلئن استهدف مشروعا تنقيح الدستور تقليص الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس الأمة وتعزيز الضمانات المبالغ فيها بالأساس للسلطة التنفيذية على نحو يتعارض مع مبادئ النظام الديمقراطي وأسسه، فإنّهما على أقل تقدير لم يستهدفا المساس مباشرة بالحقوق الديمقراطية والحريات الشخصية والعامة للمواطنين، ومع ذلك فقد تمّ التصدي لهما وإفشالهما وأصبحا جزءا من التاريخ، ولا يمنع ذلك الفشل من تكرارهما.
أما المحاولات الهادفة إلى إفراغ الدستور من الحد الأدنى المتاح من محتواه الديمقراطي فهي تستهدف، وهذا هو الأخطر، تقليص الحقوق الديمقراطية والحريات الشخصية والعامة للمواطنين، التي تمثّل مع النظام الأميري “الخطين الأحمرين” المحظور الاقتراب من تنقيحهما.
إذ نجح المسعى السلطوي لإفراغ الدستور من محتواه، بالتواطؤ مع الغالبية النيابية الموالية، في تمرير مجموعة من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة والسالبة للحقوق الديمقراطية المقررة في الدستور... فبينما يقر الدستور في المادة 30 منه الحرية الشخصية، وهي إحدى الحريات المطلقة، التي لا يجوز تنظيمها بقانون، تأتي الممارسات والإجراءات الحكومية والدعوات النيابية من شاكلة الضوابط الـ 13 على الحفلات ومنع الكتب لتضيّق على الحريات الشخصية للأفراد، فتصادر حقهم في الفرح والغناء؛ وتفرض عليهم وصايتها فيما يحقّ لهم الاطلاع عليه وما لا يحقّ لهم ذلك... وكذلك فإنّه على خلاف ما قرره الدستور في المادة 30 من صون لحرية المراسلة تحاول الحكومة أن تفرض رقابتها على التراسل الإلكتروني... وبينما تكفل المادة 43 من الدستور حرية تكوين الجمعيات والنقابات يأتي قانون جمعيات النفع العام ليمنح الحكومة سلطة شبه مطلقة في إشهار ما تشاء من جمعيات أو منع إشهارها، بالإضافة إلى تمكين الحكومة من سلطة مطلقة في اتخاذ قرارات بحلّ مجالس الإدارات المنتخبة أو الجمعيات نفسها وتصفيتها نهائيا... وكذلك الحال مع المادة 44 من الدستور، التي كفلت حرية الاجتماعات، حيث لا تتورع الحكومة مثلما يحدث هذه الأيام عن اتخاذ إجراءات بوليسية غير معهودة لمنع عدد من الاجتماعات العامة، التي لا يسري عليها ما تبقى من مواد المرسوم بقانون غير الدستوري، فتضع الحواجز في المناطق السكنية وتسد الطرقات وتمنع الوصول إلى بعض الديوانيات... وكذلك هو شأن قانون المحكمة الإدارية، الذي يحصّن القرارات الحكومية في قضايا الجنسية والإقامة وتأسيس دور العبادة مهما كانت جائرة ويمنع القضاء الإداري من النظر فيها، وذلك على خلاف ما قرره الدستور في المادة 166 من كفالة لحقّ التقاضي... والأمر ذاته نجده عندما يسلب قانون المحكمة الدستورية حقّ الأفراد ذوي الشأن في اللجوء المباشر إلى القضاء الدستوري، الذي تقرّه المادة 173 من الدستور!
والمؤسف ليس فقط نجاح المحاولات السلطوية المتكررة في إفراغ الدستور، وإنما المؤسف أيضا هو تكرار التواطؤ النيابي السلطوي على ذلك، والمؤسف أكثر هو تقبّل بل تشجيع جزء من التيارات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني لبعض هذه المحاولات عندما تكون متوافقة مع هواها غير الديمقراطي... أما الأشد مدعاة للأسف فهو ذلك الاستسلام المشين للتيارات السياسية والنخب، التي يفترض أن تكون تقدمية أو ليبرالية، أمام مثل هذه الهجمات المتواصلة وغياب التحرك الموحد لمجابهتها والاكتفاء بتسجيل المواقف أو التحركات الموسمية في المناسبات... وهكذا فقد جرى قضم حقوقنا الديمقراطية وحرياتنا الشخصية والعامة واحدة تلو الأخرى من دون أن تلجأ الحكومة إلى تنقيح أي مادة من مواد الدستور، فقد كفاها سكوتنا عناء ذلك، وهذا ما يغريها بالمزيد...!.

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك