دبي الحربي يعقد مقارنة بين ديوانيات الاثنين وبين الندوات والحشود الطائفية والمناطقية
زاوية الكتابكتب سبتمبر 24, 2010, 12:27 ص 1291 مشاهدات 0
دبي الحربي
24/09/2010
ديوانيات الاثنين... وندوات 'الافك' والسلم الاجتماعي
المشاركة الشعبية خير يجب أن نتمسك ونحرص عليه وندافع عنه
مع تصاعد وتيرة التنابز المذهبي والندوات الشعبوية ذات الطابع الطائفي, قد يكون من المفيد عقد مقارنة بين ديوانيات الاثنين الشهيرة في مسيرة الكويت الديمقراطية, التي بدأت في الرابع من ديسمبر عام 1989 وبين الندوات والحشود الطائفية والمناطقية من لايذكر ديوانيات الاثنين فإنها عبارة عن تحرك شعبي قاده 30 نائباً من نواب مجلس عام 1985 وقد ضم هذا التحرك ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في الكويت وكان هدفه المطالبة بعودة العمل بالدستور, بعد انقطاع للحياة البرلمانية دام نحو اربع سنوات هذه الوحدة الوطنية التي تجلت في هذا التحرك الشعبي عكست نفسها بمبادرة القيادة السياسية بالدعوة للحوار, مع مراعاة الظروف الإقليمية والدولية, وإن كان ذلك الحوار لم يأخذ مداه بسبب الغزو العراقي الغاشم للكويت صبيحة 2 أغسطس عام 1990 إلا أن ذاك الخلاف كان سياسيا ومنطلقه الأساس أرضية حضارية ووطنية.
وبناء عليه لم يستطع الغزو والاحتلال العراقي للكويت الذي دام سبعة اشهر عجاف, أن يدق إسفينا بين فئات الشعب الكويتي بمجمله حكاما ومحكومين وإن كانت ضمن أهدافه استثمار ذلك الخلاف, بل أدى الغزو الى صقل معدن المواطن الكويتي الذي تربى وترعرع على الدستور والحرية والحكم المشترك, وثقافة التسامح, وأبدى الشعب تماسكا منقطع النظير وتمسكا بشرعيته الدستورية, وهكذا استكمل الحوار في عز أزمة الاحتلال, وتم التأكيد على الثوابت الكويتية بعد التحرير وذلك في مؤتمر جدة في اكتوبر عام 1990 والخلاف في وجهات النظر لم يفسد الود القائم بين القيادة والشعب.
إذا كان البعض الآن يحاول تكرار تحركات ديوانيات الاثنين, من خلال المكان لا الزمان والهدف, فإنه وإن جاء مصادفة من حيث المكان (الجهراء, كيفان, والفروانية) فهو بعيد كل البعد عن روح ومقاصد ديوانيات الاثنين, بل هو انقلاب على كل معطياتها, وهذا ما دفع بالطرف الآخر الى التهديد بإقامة ندوات مماثلة, لا هدف منها إلا الشحن المذهبي المضاد, وجميعها تصب في محاولات التكسب الانتخابي السياسي, وهم جميعهم وقعوا من حيث لا يدرون في خانة 'أبو لهب وامرأته حمالة الحطب', ولن يسهموا في ندواتهم المذهبية المتبادلة إلا في جميع الحطب, ليأتي موتور أو مجموعة موتورين لإشعال لهب الفتنة, فينكوي الجميع بأوارها الذي لن يبقي ولايذر, وهو الهدف الأساس من وراء ادعاءات ياسر الحبيب ومن لف لفه, عندما يزعم ان خروجه من السجن نتيجة خطأ إجرائي, كان إيحاء من أحد الأئمة فهي امور تجاوزها الزمن, إذا انطلت حيلة هذا المارق على البعض وجرهم الى خندقه فعلى العقلاء أن ينتبهوا لمنزلقات مثل هذه الأطروحات الجهولة, فالذين مازالوا يظنون أن خلق الفتن هي 'حفلة شاي' او اضغاث احلام, لن يسمح لهم العالم المتحضر, وآلية التصحيح الذاتي التي تكتنزها المبادئ الديمقراطية والحضارية, في إشعال نار الفتن على مستوى الكيانات الصغيرة أو الإقليمية, فكما نجحت آلية التصحيح الذاتي في الدستور والمديمقراطية, في الكثير من الدول ذات النهج الحضاري والديمقراطي بالاطاحة بالتربصين شرا في دولهم, وأحبطت مخططاتهم, فإنها أي الديمقراطية والرؤى الحضارية وتطبيق الاسس القانونية التي سلكتها كل من دولة الكويت ومملكة البحرين كفيلة بإحباط أي مخططات لزرع الفتن في المنطقة الخليجية.
هذا السجال لم نرغب الخوض فيه لغياب البعد العلمي والنقاش الموضوعي في تناوله, ولولا انه بات يشكل تهديدا للسلم الاجتماعي لما تطرقنا اليه وكان الأحرص أن تقام ندوة تجمع السنة والشيعة تعبر عن رفض كل محاولات النبش في الفتن وأحاديث الافك والنفاق ما دام أن الجميع يدينه بدلا من التصعيد المتبادل وكفى المؤمنين شر القتال اللفظي على الأقل الذي يشحن النفوس ويورث الضغينة كما ورثنا هذا الخلاف على طريقة هكذا وجدنا آباءنا.
وما دمنا ذكرنا ديوانيات الاثنين والتحرك الشعبي ببعده الوطني للحفاظ على المكتسبات الحضارية للشعب الكويتي, فمن المفيد ان نستذكر بعض ما ورد في خطاب الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح (طيب الله ثراه) في 20 يناير 1990 حين قال: 'من حق الكويت علينا ان نعالج قضاياها من مدخلين يتبادلان التأثير ولا يغني احدهما عن الآخر, أولهما: عالمي, والثاني: داخلي ذلك لأن العالم من حولنا سريع التغير فيه الآن تكتلات جديدة تتكون وأخرى تتفكك, وتحولات في العلاقات ما بين الشمال ومع دول الجنوب وما بينها.
ولا تستطيع سفينة في بحر السياسة العالمية أن تعزل نفسها عن عصف الريح وهدير الموج, ولا يستطيع بعض أهلها أن يستقلوا بإرادتهم عن قيادتهم ومصيرها, أو يفقدوا التعاون بينهم وهي تشق طريقها لتبلغ مأمنها من أبرز هذه المتغيرات المعاصرة أن يقوى الحوار بين الدولتين الكبريين, وأن يتم بينهما الاتفاق على قضايا خطيرة كمستويات نزع السلاح النووي, مع أن أسلحة أدنى من هذا بكثير وصلت الى دول صغيرة وضعيفة فكانت اموالهم للسلاح ثمنا وأبناؤها له ضحايا.
لقد حدث الاتفاق بين القوتين الكبيرتين رغم ما بينهما من تناقضات مذهبية واختلاف في المبادئ والممارسات, ولكن امكن حقن الدماء وتوجيه الإنفاق الى ما هو اجدى, وهذا الأسلوب من الحوار الحضاري تتبعه دول تغلب فيها الحكمة, واستطاعت به ان تطور حياتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية, وهذا هو الأسلوب الذي ارتضيناه للكويت سبيلا, وأشار (رحمه الله) في ذلك الخطاب إلى أن بناء دولة الكويت قام من أول أمره على الحوار والتشاور بين أبناء الجيل الواحد والأجيال المتتابعة وبين القيادات والقواعد في احترام وتعاطف متبادلين, فالشورى والحوار في حياتنا عقيدة وسلوك, وتماسكنا كان العامل الاول في قدرتنا على اجتياز العقبات التي واجهتنا وتواجهنا والاتفاق حول الصخور التي تعترض مسارنا والتكيف والقدرة على التصرف الحكيم هو الثمرة الطيبة للحوار, ولن نستطيع ان نتابع المسيرة من دون حوار ومن دون مرونة وشجاعة في مراجعات الذات'.
وشدد (رحمه الله) على ركنين اساسيين في هذا الصدد: الأول: أننا نؤمن إيماناً راسخا بقيمة الحرية, وهو إيمان يعكسه السلوك الكويتي وتؤكده الممارسة اليومية في علاقات الناس بعضهم ببعض, وعلاقاتهم مع من يحملون مسؤولية الحكم بينهم.
والثاني: أننا نؤمن إيماناً لا شك فيه بأن المشاركة الشعبية خير يجب أن نتمسك به ونحرص عليه وندافع عنه, باعتباره مبدأ أقره الدين الحنيف وجبل عليه مجتمعنا الكويتي ومارسه منذ نشأته.
ونبه (رحمه الله) الى أن 'السباحة في الالفاظ غير السباحة في الأمواج' مشددا على القول 'إن الكويتي الذي أنبتته هذه الأرض الطيبة إنسان عف اللسان, أواب الى الحق, يحيا في إطار دينه وأعرافه الطيبة, وإذا دفعه الغضب بعيدا, عاد به الإخاء, وإذا أماله الهوى أقامه الوفاء'.
ذلك الخطاب لو استوعبه صدام حسين نفسه وقيم معانيه في حينه لما كان مصيره المشنقة, ولو تمعن ساسة العراق الجدد بتجربة الكويت داخليا وخارجيا ونحوا الخلاف المذهبي جانبا وغلبوا ماهو وطني على ما عداه لتجاوزوا محنة الاحتلال وأعادوا بناء وطنهم كما فعل الكويتيون... وسيفعلون لتجاوز هذا الشحن غير المبرر عقلا.
تعليقات