الطب النفسي بين العلاج والتجارة ؟!
محليات وبرلمانسبتمبر 16, 2010, 9:17 ص 8235 مشاهدات 0
- الظفيري :الاعلام وقلة ثقافة المجتمع وضعت الطب النفسي في المنطقة السوداء .
- الظفيري : لماذا لانتهم الطب التقليدي عند استخدامه للعقاقيرلمدة طويلة ،وأحيانا كثيرة تكون لها تأثيرات جانبية ؟!
- رأفت عسكر: اتهام الطب النفسي بأنه لايُعَاِلج سوى بمضادات الاكتئاب اتهام باطل فكل مرض له طريقة علاج وبالتالي العقار الذي يناسبه.
- الوكيل: نعم للأسف هناك أطباء تجار!
ــــــــــ
اشكالية كبيرة أحيانا تصل إلى حد التشكيك في مدى جدوى العلاج النفسي وآلية الوصول بالمريض إلى مرحلة الشفاء ، وتساؤل كبير وحائر حول ممارسة هذه المهنة، وهل تضاف إلى قافلة الوظائف الانسانية أم تندرج تحت مهنة التجارة نتيجة لما يمارسه بعض الأطباء النفسيين من استنزاف وقت وأموال المريض وأسرته بإيهامم أنه يحتاج إلى فترات علاج طويلة، مما يعني استخدام كميات هائلة من العقاقير وعدد لانهائي من الجلسات فتكون النتيجة تردي المريض في غياهب المرض بلاعودة .
حول كيفية تعامل الطب النفسي مع المريض وآلية علاجه ومدى جودى العلاج، كان هذا الحوار مع عدد من الأطباء والأخصائيين النفسيين، ونبدأ مع الدكتور عبد العزيز الظفيري استشاري العلاج النفسي بمركز ابن سينا التخصصي والأمل والنور للاستشارات النفسية والاجتماعية ، وعضو هيئة رعاية الأحداث.
دكتور ما هي الأمراض النفسية والعقلية وما هو الفرق بينهما ؟
تقسم الأمراض النفسية والعقلية إلى قسمين رئيسيين الأول الأمراض الذهانية وهي الاضطرابات العقلية والانفعالية العميقة التي يفقد المريض فيها القدرة على التكيف مع الذات أو الآخرين وتكون مصحوبة ببعض الهلاوس والضلالات ، ويمكن إرجاع الذهانات العضوية لأسباب وراثية أو لأسباب أخرى كالإصابات والحوادث التي يتعرض لها الدماغ وما يترتب عليه من خلل في وظائفه ، أما الذهانات الوظيفية في كثير من الأحيان يكون منشأها نفسي ، وبالرغم من ذلك هناك تفاعل بين الأسباب النفسية والعضوية في نشأة المرض النفسي وتطوره .
القسم الثاني وهي الأمراض العصابية وهي اضطرابات انفعالية أقل حدة من الاضطرابات الذهانية وبالتالي لا تمنع المريض من التكيف الشخصي أو الاجتماعي وإنما تحد منه . بمعنى أن درجة التكيف الشخصي والاجتماعي لدى من يعانون من اضطرابات عصابية أقل من الأشخاص العاديين وأفضل بكثير ممن يعانون اضطرابات ذهانية ، مثال ذلك الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي نجد أنهم يعانون من صعوبة في التكيف أو الراحة أو التواصل في المواقف الاجتماعية . فالشخص الذي يعاني من رهاب اجتماعي على سبيل المثال تمثل دعوة الفرح له هم كبير وعبء لا يستطيع مواجهته فيفضل الهروب وعدم المشاركة ، لأن درجة التوتر والقلق ترتفع لديه وتظهر عليه الكثير من الأعراض الجسدية مثل تزايد ضربات القلب ونشفان الفم وضيق التنفس والتعرق والصداع وغيرها من الأعراض.
هل كل الأمراض النفسية تتطلب تدخل دوائي ؟
لا بالطبع ، ليس كل الأمراض النفسية تحتاج إلى تدخل دوائي ، هناك الكثير من الاضطرابات النفسية سببها الرئيس طريقة تفكير المريض أو ضعف شخصيته أو قلة خبرته ونضجه الانفعالي أو بسبب الظروف البيئية المحيطة ، فمثل هذه الحالات لا تحتاج إلى الدواء بقدر حاجتها إلى التوجيه والإرشاد . أما الاضطرابات العقلية أو الذهانية كالفصام والاكتئاب ثنائي القطب والهوس فهي بحاجة ولا شك إلى التدخل الدوائي.
ما هو تفسيرك لتخوف الناس من استخدام الأدوية النفسية ؟
أنا لا ألوم الناس على هذا المعتقد فهناك عدة عوامل ساهمت في تشكيل وتعميق هذه المعتقدات الخاطئة لدى الناس منها ثقافة المجتمع الشرقي الذي يميل لربط كافة الأمراض النفسية بالغيبيات والسحر والعين والمس ، وللأسف هناك الكثير ممن يدعم ويروج لهذه النظرية إما بقصد التجارة والتكسب على حساب صحة الآخرين ، أو بسبب الجهل في تفسير النصوص الشرعية . وهنا أود التأكيد على أيماني المطلق بما ورد بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن بأن هؤلاء الجهلة جعلوا للشيطان مكانه كبيرة في نفوس الناس فكل عارض نفسي أو صحي يتعرض له الإنسان ينسب للشيطان أو العين أو السحر . لا شك أن هذا التهويل والتطبيل لقدرات الشيطان يعد تدمير لعقائد المسلمين فالله عز وجل يقول ' إن كيد الشيطان كان ضعيفا '. أقول لهؤلاء الجهلة اتقوا الله تعالى في المسلمين فليست كل الاضطرابات النفسية أو العقلية كما تتصورون ، فالقول على الله بدون علم حرام.
كذلك من العوامل التي لا تقل أهمية عن السابق وسائل الإعلام وما يعرض فيها من أفلام ومسلسلات تظهر هذه المهنة والعاملين فيها بمظهر سلبي ومقزز نفر الناس وساهم في تشكيل هذه المعتقدات الخاطئة ، فالطبيب يصور ويعرض على أنه مجنون والأدوية النفسية تسبب الإدمان ، أقول كيف يمكن لهذه المهنة الإنسانية الأخلاقية أن تتطور في ضل هذه الظروف ، والإعلام يصورها ويضعها دائما في دائرة الاتهام والشك .
أنت تدافع عن الطب النفسي وكأن لا توجد فيه أخطاء أو لا يستغل للتجارة ؟
الطب النفسي تخصص من التخصصات الطبية وفيه من الأخطاء كما في التخصصات الطبية الأخرى ولكن السؤال هل هذه الأخطاء متعمده ، فلا اعتقد أن من يعمل في هذا المجال الإنساني سوف يتعمد الإضرار بالآخرين ، لا أقول مستحيل ولكن على الأقل من وجهة لنظري أنه قليل.
هناك بعض الناس تضرر من الأدوية النفسية وهناك من يقول أن الطبيب كل شهر أو شهرين يغير الدواء ؟
هذا الكلام صحيح ،أحيانا قد يضطر الطبيب لتغيير العلاج في حال عدم استفادة المريض من الدواء المصروف له.
ألا تعتقد أن هذا دليل على خطا في التشخيص ؟
هذا بالطبع وارد ، لكن أود أبين قضية مهمة أن التشخيص في الطب النفسي يختلف عن التخصصات الطبية الأخرى ، فالمريض مثلا عندما يذهب لطبيب الباطنة ويعرض حالته ، هنا الطبيب يملك الكثير من أدوات التشخيص ابتداء من المختبرات وانتهاء بالتكنولوجيا الطبية العالية في التشخيص ولا شك أن التشخيص الصحيح يساعد في صرف الدواء الصحيح والمناسب ، في حين أن المريض النفسي عندما يعرض مشكلته ففي الغالب ولظروف معينه سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اسرية فإنه يجتهد بعدم عرض الأسباب الرئيسة بشكل يساعد على فهم مشكلته وبالتالي فإن هذا يؤثر على صحة التشخيص .
هناك من يرى أن مراكز الاستشارات وعيادات الطب النفسي تجارية وتستغل الناس ماديا ؟
الاستغلال المادي والتكسب على حساب الآخرين من المشكلات التي تعاني منها كافة المجتمعات وفي كثير من المهن الطبية وهذا ليس مقتصرا على الطب النفسي وحده إن وجد ، فمتى ما وجد فاقد الضمير والخلق وقليل الدين نجد مثل هذا الاستغلال بكافة أشكاله ، كذلك لا ننسى أن هناك كثير من غير المختصين يمتهن هذه المهنة لمجرد حصوله على دورة أسبوع أو أسبوعين في الطاقة أو البرمجة ينصب نفسه ممارس وخبير ومعالج نفسي ،في حين أن شهادته أو تخصصه إن وجد فهو بعيد كل البعد عن علم النفس. أتوقع أن هؤلاء لم يدخلوا في هذا المجال إلا من أجل التكسب المادي بغض النظر عن أصول وقواعد وقوانين هذه المهنة ، والتي تتطلب شهادة في التخصص ناهيك عن التدريب والخبرة .
ما هي الآليات وطرق العلاج النفسي في عيادتكم بدءً بدخول المريض العيادة ؟
ينطوي العلاج النفسي على استخدام شتى الوسائل والطرق والنظريات التي تساعد على فهم المشكلة وحدودها وأسبابها لوضع الخطة العلاجية المناسبة ، والعلاج النفسي يمر في ثلاث مراحل الأولى مرحلة الاستبصار أو الوعي بطبيعة المشكلة وحدودها وأسبابها ، ثم مرحلة التكيف مع المشكلة ثم مرحلة العلاج .
ويمكن تصنيف معظم تقنيات العلاج النفسي وفق ثلاثة مداخل عامّة 1- المدخل التحليلي، 2- المدخل السُّلوكي، 3- المدخل الإنساني، وهنالك أشكال أخرى من العلاج النفسي لا يمكن تصنيفها ضمن أي من هذه الفئات الرئيسية الثلاث.
هل أحياناً يكون الحوار مع المريض كافياً لعلاج مشكلته ؟
نعم في كثير من الأحيان مجرد الحوار الهادف والبناء على يد أخصائي نفسي كفيل بتوجيه المريض للتعرف على مشكلته وفهمها ومن ثم حلها أضف أن الأخصائي النفسي لا يتعامل بالأدوية لأنها من اختصاص الطبيب النفسي .
هل تذكر لنا حالات تم علاجها بالحوار دون تدخل دوائي من طبيب نفسي ؟
الحالات أكثر من أن تحصر ولله الحمد والمنة فالشافي هو الله عز وجل ولكن اذكر حاله لفتاة عمرها 13 سنة في الأسابيع الماضية راجعت المركز مع والديها وكانت تعاني من مشكلة عضوية شلل باليد اليسرى لا تستطيع تحريكها وقد راجعت المستشفى وصرف لها الكثير من الأدوية بلا فائدة استمرت على هذا الحال أكثر من شهر . وبفضل الله ومنته وتوفيقه خلال الجلسة الأولى عادت لوضعها الطبيعي.
ما هي الطرق والأساليب التي ساعدت على شفائها في أقل من ساعة ؟
أولا هذا بتوفيق من الله عز وجل ، ثانيا أثناء المقابلة الإكلينيكية ودراسة الحالة تم تشخيص الحالة بالشلل الهستيري ، خاصة وأن الوالدين ذكروا لي أن الفتاة بدأت مشكلتها بسبب تعرضها لصدمة في المدرسة مما جعلها تشتكي من بعض الأعراض الجسدية كالغثيان والصداع وآلام في المعدة ولذلك كثر تغيبها من المدرسة ومع إصرار الأسرة على الدوام تعرضت للشلل الهستيري في اليد اليسرى . وعليه تم التعامل مع الحالة بأساليب وفنيات العلاج النفسي التي ساهمت شفائها بل وقد عادت وانتظمت في المدرسة .
الحالة الثانية لشاب عمره 24سنة كان يعاني من رجفة شديدة في الأطراف وتزداد الرجفة في المواقف الاجتماعية وقد راجع أحد أطباء المخ والأعصاب وصرف له بعض الأدوية إلا أنه لم يستفد منها كثيرا وتركها ، وعندما نصحه أحد أصدقائه زار المركز وبفضل الله ومنته تم تشخيص الحالة واستمر بمراجعة المركز وكانت الحالة تتحسن بشكل كبير جدا . وقد أرفقت هذه الحالات بعد موافقة أصحابها خطيا . لأنني لا أجيز لنفسي أو لغيري نشر أسرار المراجعين إلا بعد موافقة المريض ، لأننا ننطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم ' المستشار مؤتمن ' .
لماذا يحتاج العلاج النفسي في بعض الأحيان إلى فترات طويلة ؟
بعض الحالات تتطلب الاستمرار في العلاج النفسي والسلوكي فترات طويلة قد تصل في بعض الأحيان ستة أشهر أو سنة ، وفي المقابل هناك حالات لا تتطلب أكثر من جلستين أو ثلاث وهذا بالطبع يعتمد على طبيعة المشكلة وما خلفته من أثر على تكيف المريض الشخصي والاجتماعي .
ما هي الحالات التي تستجيب لفنيات العلاج النفسي ؟
لا أبالغ إن قلت أن كل الحالات التي تعاني من اضطراب نفسي عصابي تستجيب للعلاج ولكن بدرجات متفاوتة قد تصل في كثير من الأحيان للشفاء الكامل لكن بشرطين أساسيين الأول اعتراف المريض بالمشكلة والثاني التشخيص الدقيق والصحيح . ومن هذه الاضطرابات التي تم علاجها بنجاح الوساوس القهرية والقلق والاكتئاب والفوبيا أو الرهاب بأنواعه المختلفة ، حالات متعددة من الجنس الثالث ومنهم من التزم دينيا بفضل الله عز وجل ، بل ومنهم من تزوج واستقر ، كما أن الفريق العلاجي في المركز استطاع حل وعلاج الكثير من المشكلات الاجتماعية كالخلافات الأسرية والطلاق والمشكلات المتعلقة بتربية الأبناء.
على حسب التشخيص يكون العلاج
كذلك يرى الدكتور رأفت عسكر بروفوسور الطب النفسي بمستشفى الطب النفسي في الكويت أن هناك أمراضاً تستدعي التدخل العلاجي بالعقاقير فيقول :
هناك أمراض نفسية مثل الاضطراب الانفعالي يكون في السلوك أو مشكلات التوافق وهى لم تكن أسبابها لنتائج مرضية، ولكن على نطاق أوسع في المجموعات البشرية نجد بعض الاضطرابات مثل القلق العصابى وأعراض اكتئاب ومخاوف، والاضطراب الذهني، واضطراب العادة، والصعوبات البين شخصية والاضطراب العائلي والزواجي، والاضطرابات الجنسية، والإدمان، ويتطلب الأمر في التدخل للمشاكل السابقة أن يكون لدى المُعالج معلومات عن النواحي الطبية والاجتماعية والتربوية، والتأهيل ومصادر أخرى.
فالتشخيص له أهمية كبيرة في المجال الطبي حيث يساعد على فهم المشكلة ويساعد أيضا على وضع خطة منطقية للبرنامج العلاجي.
على سبيل المثال 'العنف' فمن الممكن أن يكون له عدة أسباب منها أن يكون سلوك بسيط ناتج عن موقف معين،أو يكون ناتج عن شخصية تعانى من الاضطراب المضاد للمجتمع،أو يكون ناتج عن عدم التحكم من الشخصية البينية أو يكون صادر كتعبير عن ضلالات للفصامي أو يكون ناتج عن عرض من أعراض ذهان الهوس والاكتئاب.
وإذا لم يكن هناك تشخيص دقيق لا نستطيع أن نقوم بالمساعدة المطلوبة، فالعنف في علاج الناحية الأولى الذي يكون ناتج عن سلوك بسيط من موقف معين يتطلب فهم للظروف البيئية المحيطة بالمريض، أما التدخل في العنف لمن هم لديهم اضطراب في الشخصية يتطلب تدخل علاجي من نوع خاص والتي تختلف عن الأشكال الأخرى من العلاجات أما العنف الناتج عن الفصامي أو يكون عرضة لذهان الهوس والاكتئاب فيحتاج إلى علاج دوائي. أي أننا نستطيع القول أن التشخيص هنا مهم لكي نحدد المشكلة المراد التعامل معها.
اتهام باطل
وعن الاتهام الموجه للأطباء النفسيين بأن معظم أدويتهم قائمة على مضادات الاكتئاب يقول د. عسكر : بالطبع هو اتهام باطل فليست كل الأدوية النفسية أدوية مضادة للإكتئاب لكن هناك أنواع كثيرة تحتاج إلى طبيب نفسى يقوم بوصفها للمريض بناء على حالتة المرضية.
للأسف بعض الأطباء النفسيين تحولوا إلى تجار
أما الدكتور سيد الوكيل أخصائي العلاج النفسي وأستاذ الفلسفة بجامعة الملك عبد العزيز فله رأي آخر فيقول :
من المؤسف حقاً أن بعض الأطباء النفسيين تحولوا إلى تجار اعتادوا على كتابة الأدوية والوصفات الطبية الدوائية سريعة التأثير مثل المُهدئات والمنومات والمُنشطات، متجاهلين ما لهذه الأدوية من آثار على حياة المريض لأنها فى حد ذاتها تُسبب الإدمان وتعتبر علاج لأعراض المشكلة التى يُعانى منها المريض وليست علاجاً أصيلاً لمشكلات المريض، ولأن العلاج النفسي يحتاج إلى جهدٍ وصبر ومثابرة من قبل المُعالج والمريض كما أنه يحتاج إلى وقت كبير لكى تتحقق الفائدة المرجوة وهذا ما قد يستغرق شهوراً حتى يحدث نوع من التحسن الملموس لدى المريض وهناك بعض الأطباء النفسيين يلجأون إلى أسهل الطرق التى لا تكلفهم أية مُعاناة أو تعب وهى الاكتفاء بكتابة الوصفات الطبية للمريض منعاً لاستغراق وقت أطول مع المريض ، وبالرغم من ذلك فإن هناك نماذج مُشرفة من الأطباء النفسيين الذين يجمعون بين العلاج الدوائى والنفسى للمرضى وهم غالبية ولله الحمد .
تعليقات