'الديوانية' سمة كويتية بامتياز، عرفت منذ 250 عاما
محليات وبرلمانسبتمبر 11, 2010, 3:38 م 9066 مشاهدات 0
تعتبر الديوانية سمة كويتية بامتياز وعلامة فارقة للبلاد نظرا الى دورها البارز في الحياة الشعبية والسياسية والتكافل والتماسك الاجتماعي وعرفها الكويتيون منذ 250 عاما عندما كانت الكويت امارة صغيرة حيث كان السكان يعملون في البحر سواء للسفر بواسطة السفن الشراعية أم للغوص بحثا عن اللؤلؤ أو صيد الأسماك.
وقال الكاتب والباحث في التراث منصور الهاجري لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان الديوانية اصبحت المحرك الرئيسي والمؤشر القياسي لكثير من القرارات في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والادبية في البلاد.
وأضاف الهاجري ان الديوانية في نشأتها الأولى بدأت (اقتصادية ) وكان العمل في البحر أحد أسباب وجودها باعتبار ان التاجر والنوخذة ومالك السفن الشراعية والسفن الأخرى الكبيرة والصغيرة بحاجة الى قطع غيار للسفينة حيث اسست وبنيت ما كان يعرف بالعمارة وهي مخازن لأدوات السفن مثل الحبال والأخشاب وقطع الحديد 'الباوزة' (المرساة) والشباك والزيوت وغيرها من مستلزمات وأدوات.
واستذكر كيف كان التاجر يجلس في عمارته منذ الصباح وحتى المساء على فترتين حيث يحضر اليه المشتري لشراء ما يحتاج اليه من قطع وخلال فترة انتظاره مع عدد من المشترين ريثما يتم تجهز طلبياتهم يدور الحديث بينهم وهكذا حتى باتت استراحة للحاضرين ومكانا لم يقتصر فقط على قضاء الحاجات بل للتعارف والسؤال عن احوال بعضهم بعضا.
وشرح الهاجري معنى الديوانية لغويا بالقول انها مشتقة من كلمة ديوان وتعني مجتمع الصحف أو الكتاب الذي تجمع فيه قصائد الشعراء كما جاء في المنجد 'فحينما نقول يدون الشاعر قصائده والكاتب مقالاته فاننا نقصد هنا انه يجمعها بعضها مع بعض فلذلك الديوانية مجموعة من الرجال يجتمعون في مكان واحد'.
واضاف ان الديوانية انتقلت من ساحل البحر (العمارة) الى داخل السوق في محلات التجار فصارت اقتصادية وتجارية معا للبيع والشراء حيث يجتمع الرجال من التجار والعمال في المحل ويتداولون اطراف الحديث وهنا شعر الكويتيون بأهمية تجمعهم في المحلات و(العماير) واستحسنوا ذلك التجمع فنشأت الديوانية المنزلية التي يكون صاحبها عادة هو من التجار القادرين على تقديم القهوة قديما والشاي عندما دخل الى الكويت.
وذكر الهاجري ان التجار أسسوا فيما بعد الديوانية في بيوتهم على أن يختار التاجر جزءا من منزله هي اما غرفة كبيرة بحيث تكون بداية مدخل المنزل وبابها على جزء من (حوش) البيت لدخول وخروج الرجال أو أن يقيم (حوشا) خاصا للديوانية.
واشار الى ان الديوانية كانت تضم (مطارح) ومساند منجدة من القطن حيث يتصدر مقاعدها صاحبها وروادها على اليمين والشمال ومنها ما تفتح أبوابها لروادها بعد صلاة الفجر لغاية وقت الضحى ومنها ما تفتح خلال الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء وبحسب المناسبة.
واوضح انها تعد ملتقى في الأيام العادية وفي الأفراح تكون مكانا لاستقبال المهنئين وفي حال الوفاة مكانا لتقديم التعازي وتبقى أبواب الديوانية الرئيسة مفتوحة طوال اليوم لاستقبال الرواد.
وتابع ان الديوانية كانت في بعض الاحيان مضافة لمن يحتاجون الى قضاء ليلة أو أكثر في البلاد وخصوصا بعض التجار الذين خصصوا مكانا خاصا أو غرفة من الديوانية لضيوفهم من الاقارب أو المعارف والاصدقاء من التجار من الدول المجاورة للمبيت نظرا الى عدم وجود فنادق حينئذ وكان صاحب الديوانية يضع في الخارج مقاعد يستريح عليها المارة ويستمتع فيها الضيوف بنسيم البحر حيث كانت موجودة على الساحل.
وقال ان الديوانية تطورت بعد ذلك من اقتصادية تجارية الى ديوانية دينية مبينا انه عندما عرف الكويتيون أهميتها بدأ رجال الدين يجتمعون فيها لالقاء المحاضرات الدينية والأحاديث وتعليم الاخرين قراءة القرآن الكريم والمشاورات في الأمور الدينية.
وكمثال على ذلك اشار الهاجري الى ديوانية المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي كاتب ديوانية دينية تعليمية تربوية الذي كان يعقد ندوة دينية ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكان المتحدث المرحوم الشيخ محمد بن جنيدل والحضور مجموعة من رجال الدين الأفاضل ومنهم المرحوم الشيخ ياسين الطبطبائي ومن هنا خرج العلماء بفكرة المدرسة المباركية وذلك في عام 1911 وهي سنة بداية التعليم النظامي الحالي. وعن الديوانية السياسية قال انها ظهرت عام 1921 أثناء تأسيس المجلس التشريعي الأول فكان يجتمع فيها المرشحون لطرح ما عندهم من أفكار وتطورت هذه الديوانية السياسية عامي (1938-1939) أثناء تأسيس المجلس التشريعي الثاني وزادت تطورا عام 1961 الى 1963 أثناء الاستقلال وانتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات مجلس الأمة عام 1963 فكان لها دور كبير في تلك الانتخابات حيث تميزت وبرزت وانتخبت نوابا على المستوى المطلوب وتطورت من غرفة واحدة في البداية الى حوش الديوانية الى مبنى خاص كما نشاهده حاليا.
واشار الى ان الديوانية كانت منذ الخمسينيات مكانا لتجمع أبناء الفريج وكانوا يلعبون (المحيبس) وخصوصا الكبار من الرجال مضيفا ان الكويتيين وبجهودهم الخاصة وبفطرتهم نقلوا الديوانية من الكويت الى المدن الهندية منذ عشرينيات القرن الماضي فأسسوا الديوانيات لاستقبال التجار والبحارة في الهند وكذلك أسسوا المقاهي الشعبية في مدن هندية مثل بومباي وكلكوتا والنبيار وكراتشي عندما كانت تابعة للهند.
من جهته قال أستاذ الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور يعقوب الكندري ل (كونا) ان الدواوين تعتبر ظاهرة اجتماعية كويتية ويمكن وصفها بمنتدى سياسي وثقافي واجتماعي حيث تنفرد بكونها ملتقى دوريا يناقش فيه روادها آخر الأخبار والموضوعات وفيها يصنع جزء من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وأضاف الكندري ان الديوانية الكويتية مرت بثلاث مراحل أساسية تمثلت الاولى بالديوانية الكويتية التقليدية التي اقتصرت على طبقة معينة من أعيان البلد وعلى أفراد الاسرة الحاكمة في المجتمع الكويتي ما قبل النفط نتيجة للظروف الاقتصادية والمادية في تلك الفترة كما كانت اللبنة الاولى لترسيخ دعائم الديمقراطية وتقديم المشورة والرأي في غياب الحياة النيابية.
وأشار الى انه كان للديوانية دورها الاجتماعي والثقافي والاعلامي حيث كانت ديوانية الحاج محمد حمد بودي أول مستشفى في الكويت قبل بناء المستشفى الامريكاني كما كان ديوان محمد صالح الجوعان مقر النادي الادبي الذي أنشأه مثقفو الكويت عام 1923.
وتابع انه جاءت فيما بعد مرحلة الديوانية الكويتية الحديثة بعد الانتعاش الاقتصادي ازاء اكتشاف وتصدير البترول فشملت غالبية طبقات وفئات المجتمع حيث غلبت عليها سمة الترفيه الفكري والمتعة المتمثلة بألعاب التسلية والمناقشات الخاصة والعامة في أمور الحياة المختلفة كما أصبحت الوسيلة التي تقاس بها اتجاهات الرأي العام الكويتي.
وذكر انه كان للديوانية أثناء فترة الاحتلال العراقي الغاشم دور في اتصال تجمعات القوى السياسية بحكومة الكويت خارج البلاد ونقل الاوضاع القائمة آنذاك كما اتسمت بمحدودية نقاشاتها وتعدد أوقاتها وتقلص عددها ومحدودية مرتاديها.
واضاف ان الديوانية كانت أثناء الاحتلال المنطلق للعمل الخدماتي والاجتماعي حيث قسم العمل على المتطوعين في مجال العمل التعاوني وأعمال النظافة والصحة وتنظيم المقاومة بشقيها العسكري والسلمي من خلال التصعيد المسلح والعصيان المدني.
وقال الكندري ان الديوانية لعبت دورا في التكافل والتماسك الاجتماعي من خلال عمل نظام للمناوبة في الديوانيات ذات المواقع الاستراتيجية للمراقبة وتوفير جو من الامان لابناء المنطقة الى جانب متابعة أحوال الاسر وتقديم المساعدة للمحتاجين وتوزيع المبالغ المالية على الكويتيين.
واشار الى بعض العوامل التي ساهمت في انتشار الديوانيات الحديثة ومنها الوفرة المادية والتصاميم الهندسية الحديثة للمنازل والتشجيع الحكومي من خلال زيارة المسؤولين في الدولة للدواوين فضلا عن ان الديوانية قد تحقق بعض المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لصاحبها لاسيما في ظل قلة وندرة الاماكن الترفيهية.
تعليقات