فهد الهندال يضع وصفة لصيانة مواطن الوحدة الوطنية، بعيداً عن الاستقواء بالقبلية والمذهبية والطبقية والمحاصصة

زاوية الكتاب

كتب 1376 مشاهدات 0


 



 فهد توفيق الهندال / فاصلة / قميص الوطن!
 
 فهد توفيق الهندال 
 

 
هل هناك فرق بين الوحدة الوطنية والوطنية نفسها؟
الفرق يكمن في نظر كل فريق للمفهومين بحسب الزاوية التي ترصدها وتحركها مقتضيات المصالح والانتماءات، فباتت اليوم قميصاً يرفعه فريق في وجه الآخر حالما تتغير الأهداف وتتشابك المصالح في صراع محموم يصبح فيه الوطن، وكل معاني الانتساب إلى ترابه ونسيجه الاجتماعي، حطب محرقة هذا الصدام، تتبعها تصنيفات واتهامات كل فريق للآخر.
إن محاولة قياس الوطن وكل مفاهيمه التابعة لمداراته الفكرية والتاريخية والاجتماعية والجغرافية بحسب تفصيل كل تيار لقياساته الأيديولوجية أو البراغماتية على حساب الحقوق والواجبات العامة أول خطوة نحو تهديم أركان الوطن وكل ما يشتق منه معنى وانتماءً!
وأول أركان الوطن الحقوق والواجبات التي شرّعها الدستور كضمانة استقرار الوطن والعلاقة القائمة بين الدولة والمواطنين، فلا يجب أن تدخل ضمن حسبة وأوراق الضغط السياسي، أو فرض هيمنة معينة على حساب مجتمع بأكمله.
فالمجتمع قد يجمعه وطن واحد، إلا أنه من الطبيعي جداً اختلاف مشارب واتجاهات أفراده بحسب عقائدهم، جنسهم، مستوى المعيشة والثقافة، ونحن هنا نقصد التعددية الناضجة لا الطبقية القاصرة.
فعندمـا تحاول فئـة ما أياً كان حجمها أو مصالحها فرض أجندتها الخاصة على وطن بأكمله، فإنها لم ولن تلتفت لحقوق الآخرين في أن يكون لهم حضورهم وصوتهم ودورهم في شراكة وتحمل مسؤولية الوطن ومستقبله. فالوحدة الوطنية لا تعني أن تستيقظ شعاراتها وأصواتها في حالة الخطر الخارجي، وإنما لابد أن تكون يقظة دائمة وراصدة لأي خطر داخلي في لحظة اشتعال شرارة أي أزمة أو فتنة، فيسارع الجميع لإطفائها بدلاً من صب الزيت عليها، فاليد التي تشعل الفتيل لابد أن تطفئه ذات اليد إن علمت أن الحريق لن يبقي أخضراً أو يابساً أو اي أثر بعد عين!
الوحدة الوطنية خيار اليوم والمستقبل، وليس خلافات الماضي وأممه التي خلت، فلها ما كسبت ولنا ما كسبنا ونكسبه في وطننا ودنيانا.
عندما نتحدث عن تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية، لابد أن نؤمن بحقيقة واحدة وهي تبني خيار العيش السلمي مع بعض، في أن تتسع الصدور لكل الأصوات، وأن نخرج الصوت النشاز من المقطوعة الموسيقية الصادحة بحب الوطن وكل رموزه فوق كل اعتبار آخر مهما كان.
عندما نريد صيانة مواطن الوحدة الوطنية، لابد أن نعالج بواطن الخلل والتفريق والتمييز بين المواطنين أنفسهم قبل أن يكون مع بقية الساكنين في ربوع هذا الوطن. أن نقوم بمراجعة شاملة كاملة نقيس بها الوطن ضمن مقاييس المواطنة والعدالة والمساواة وأن القانون يحمي الضعفاء بوجه الأقوياء، بعيداً عن الاستقواء بالقبلية والمذهبية والطبقية والمحاصصة والمقايضة والمتاجرة باسم الوطن وتاريخه الشاهد على تكوين مجتمعه في بداية قيامه ونهضته.
أن نصون الوطن وجوانب حياته المختلفة التعليمية، الاجتماعية، السياسية، الرياضية والاقتصادية عن الخلافات الشخصية والحزبية والفئوية والمذهبية، ولا نرفع قميصه في كل نازلة وصاعدة، فنصدّع أركانه ومفاهيمه القائمة على تعددية الفكر الإنساني. وهنا فقط، تتحقق وحدة الرغبة في العيش السلمي المشترك في وطن واحد، ويسمو مفهوم المواطنة في ظل ميزان الحقوق والواجبات، وفي تكوين ودعم وعي عام مستنير يعزز الولاء للوطن ويرسخ روح الوحدة الوطنية كما جاء في خطاب سمو الأمير في العشر الأواخر.
أخيراً... أتمنى أن تجسد مفاهيم الوحدة الوطنية والوطنية في اقتلاع جذور الفتنة من أرض الوطن، وليس بدفنها بالرمال موقتاً. بأن نطفئ شرارتها بالمرة، وليس بترك الجمر متوقداً أسفل الرماد الذي يذر بالعيون باسم الشعارات والتصريحات الداعية للحفاظ على الوحدة الوطنية دون الحفاظ أساساً على مقومات هذه الوحدة في اليقين المطلق بأن الوطن للجميع والدستور مظلتهم ومرجعهم الأساسي، ولا لأحد الحق أن يتقمصه دون غيره من الشركاء!
ملاحظة: اجتماعات لجنة الظواهر السلبية وتصريحات أعضائها حول حماية وتعزيز الوحدة الوطنية ضد بعض الفضائيات ووسائل الإعلام، يطرح سؤالاً واضحاً... هل اللجنة مستعدة لطرح القضايا المهددة للوحدة الوطنية كالفرعيات والواسطة العنصرية والمحسوبية الفئوية والمحاصصة السياسية؟ والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.


فهد توفيق الهندال

 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك