لا تولولو ساعة ندم إن فقدنا دور رجل الدولة الحقيقي المسؤول عن تحطيم التحالف الفاسد كما ينقل لنا تعريفه نواف الفزيع
زاوية الكتابكتب سبتمبر 2, 2010, 2:04 ص 1433 مشاهدات 0
هجوم على العقل
كتب المحامي نواف سليمان الفزيع
من آخر ما قرأنا كتاب مهم لنائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور عنونه بـ (هجوم على العقل).
في الكتاب خطاب سياسي شامل يتضمن رؤية السياسي المحنك لاوضاع أمريكية يدلل فيها على هبوط مستوى عملية صنع القرار الحكيم في واشنطن ومدى تأثيرها بالهبوط بمستوى الديموقراطية الامريكية.
هنا آل غور يحذر من خطر ما يحصل على أمريكا وعلى العالم عبر قراءة تاريخية وتحليل يستخدم فيه لغة المنطق وهو يحاور العقل الأمريكي للرد على ما يراه هجوماً عليه.
آل غور حدد كثيراً من معالم الانهيار بسبب منهج الفساد الذي تزايد هناك.
استقدم المؤلف استشهاداً جميلاً للسناتور المخضرم روبرت بيارد نائب ولاية غرب فرجينيا يقول فيه (لماذا يبدو ان دور العقل والمنطق والحق قد تقلص بشدة في الطريقة التي تتخذ بها أمريكا الآن قراراتها المهمة).
قد يكون ما قاله السناتور ينطبق على كثير مما يدور لدينا سنقف على مقاطع او فقرات هذا الكتاب المهم نرى فيها بصيرة نافذة تنطبق على كثير مما نعيشه فآل غور يلقي اللوم على عقول الناس فيما لو اخلت الأخيرة مسؤوليتها تجاه مجتمعها مما يجعل لقوى الفساد السيطرة واليد العليا.
«مادام المواطنون الآفراد لا يستطيعون استخدام العقل والمنطق كأداتين يمكنهم بهما فحص الأفكار والآراء والسياسات والقوانين وتحليلها بدقة شديدة فإن القوى الفاسدة ستقوم بصياغة تلك السياسات بدلاً منهم اذ ان امتناع العامة عن المشاركة هو ما يقوي شوكة الفاسدين».
لكلمة «corruption» (فساد) أصل لاتيني هو (corruptus) بمعنى «تحطيم وتدمير» فالفساد يدمر تماما تلك الثقة اللازمة لتوازن التركيبة الكيميائية الدقيقة في قلب الديموقراطية النيابية والفساد – في صورته المعاصرة – يشمل في معظم الاحيان زواجا محرما بين السلطة والمال ويمثل عملية مقايضة اساءة استخدام السلطة العامة بالمال ولا يهم ما اذا كان من بدأ عملية المقايضة هذه هو صاحب المال ام صاحب السلطة فالمقايضة في حد ذاتها هي لب الفساد ولا يهم ما اذا كان الثراء الخاص ثراء ماديا او ما يعادله من تأثير او مكانة اجتماعية او جاه او سلطة اذ ان الضرر يقع باستبدال الثروة بالعقل بطريقة احتيالية في تقرير كيفية ممارسة السلطة ولا يهم ما اذا كان بعض الناس او كثير منهم يرون في السلطة المشتراة نفعا فإن الضرر كله يكمن في الخداع الذي تمت به العملية وعندما تتوقف هيمنة العقل على عملية صنع القرار فانها تكون اشد طوعا لما تمليه السلطة الغاشمة، ومن ثم يتنامى اغراء الفساد.
ادرك لينكولن (الرئيس الامريكي) الأخطار التي كان يعززها الفساد اذ قال في عام 1864 وعند قرب نهاية الحرب الاهلية الامريكية.
«اننا نهنئ انفسنا لأن هذه الحرب الطاحنة على وشك الانتهاء لكنني ارى على المدى القريب ازمة تقترب وتثير اعصابي وتجعلني ارتعد من اجل سلامة بلادي فنتيجة للحرب قويت شوكة الشركات وسيعقبها مرحلة من الفساد في المناصب العليا وستسعى سلطة المال في البلاد لمدمدة هيمنتها بالعمل على اهواء الناس حتى تتجمع كل الثروة في ايد قليلة فتخرب الجمهورية. وانني اشعر في هذه اللحظة بقلق على سلامة بلادي اشد من اي وقت مضى حتى في غمار الحرب واتمنى ان تكون شكوكي لا أساس لها».
«وفي منتصف ولايته الثانية وبعدما ربح معارك عديدة ضد الممارسات الاحتكارية لصالح المصلحة العامة قال روزفلت (الرئيس الامريكي) في ابريل من عام 1906 «خلف الحكومة الظاهرة تقبع حكومة خفية متوجة لا تدين بأي ولاء للشعب ولا تقر بأي مسؤولية تجاه الشعب لذا فمهمة رجل الدولة الاولى هذه الايام هي القضاء على هذه الحكومة الخفية وتحطيم التحالف غيرالمقدس بين الممارسات التجارية الفاسدة والممارسات السياسية الفاسدة».
انتهى استعراضنا لفقرات مهمة من كتاب آل غور نهديها لكل معنى باتخاذ القرار في الكويت.
خطر الفساد يفوق خطر الحروب اذ انه يتغلغل في الجسد كالخلايا السرطانية ينهش بالداخل حتى تضعف كل الاهجزة المناعية ويصبح الانسان لقمة سائغة للموت.
وما لم تتضافر كل الجهود المعنية لمحاربته او على الاقل التخفيف من حدته فإنه سيأتي بالنهاية مهما كانت النوايا حسنة او نظيفة.
(الفساد) قضية حذر منها كل مفكر سياسي واعتبرها قدرا محتوما للنهاية فيما لو تركنا الفساد ينطلق بكل حرية في البلاد؟
بل ان (الفساد) كان عنوانا تاريخيا مهما لسقوط دول وامبراطوريات من الاندلس الى روما الى اغلب دولنا العربية الحالية.
يقولون مثلا ان في (س) من الدول العربية 80 مليونا فكيف لا نتوقع الفقر والنظام ليس المسؤول ونقول ان في امريكا 250 مليونا يستهلكون 20 مليون برميل نفط باليوم فكيف استطاعوا ان يكونوا اقوى دولة بالعالم؟
لماذا الدولة (س) العربية من بعدما كانت اغنى دول المنطقة قبل النفط اصبحت من افقرها؟
لهذا لا نركب غرورنا بما نملكه اليوم ما لم نقرأ محيطنا والتاريخ بعناية وتمعن.
رجل الدولة الحقيقي كما يقول روزفلت هو الرجل المسؤول عن تحطيم التحالف الفاسد ما بين الممارسات السياسية الفاسدة والممارسات التجارية الفاسدة فان فقدنا هذا الدور عند رجل الدولة لا تولولو ساعة ندم.
المحامي نواف سليمان الفزيع
لا
تعليقات