استغلال الغرب للعقيدة العسكرية الخليجية

محليات وبرلمان

سلاح الطيران الكويتي وراء الـ F15 بعد العاصفة 'رافال'

5691 مشاهدات 0


المعركة الحديثة غير قابلة للتجزئة بين قوات برية وبحرية وجوية بل صارت عمليات مشتركة، لكن النصر في المعارك يتطلب السيطرة على الأجواء فوق منطقة العمليات، وعدم إحراز السيطرة الجوية (Air superiority) قد يعني الهزيمة. وفي غرفة الحرب الخليجية يُنظر إلى سلاح الطيران كخط الدفاع الأول، والذراع الطويلة القادرة على القيام بعمليات الاستطلاع بالقوة والتجريد، والإسناد الجوي، والاعتراض، والبحث والإنقاذ وغيرها من واجبات كثيرة أخرى. كما أن تعدد الواجبات التعبوية للقوة الجوية يجعل من المهم جدا اختيار الطائرة المكلفة بالواجب، ومن ذلك أن تكون ذات مرونة وقادرة على تنفيذ مهام الدفاع والاعتراض والهجوم والاستطلاع. كما يجب أن تملك قابلية نقل وصب قوة تدميرية ضخمة على أهداف بعيدة في وقت إنذاري قصير. بالإضافة إلى ضرورة توفر قابلية الحركة لمواجهة تهديد طارئ، مما يعطي خاصية استخدام المنابع الدفاعية الأخرى كالصواريخ والمضادات الأرضية باقتصاد أكثر. هذا الفكر العسكري هو ما أقرته مناهج التأهيل القيادي للضباط في دول مجلس التعاون، وقد وعى الغرب أهمية الطائرة ضمن منظوماتنا العسكرية الخليجية، وبعبارة موجزة أصبحنا أسرى لحاجتنا التي كيّفتها العقيدة القتالية الغربية التي تبنيناها، ولو كنا ضمن أساليب قتال الفكر العسكري الشرقي مثلاً لكان لقطاعات عسكرية أخرى دور موازٍ للقوة الجوية، أو يسد عنها. فقد أرعب الجيش الأحمر والصواريخ البالستية السوفييتية حلف الناتو أكثر مما أرعبتها طائرات الميغ والسوخوي.

وتحجب الأفق الخليجي هذه الأيام العديد من الطيور الغربية الجارحة والأنواء العنيفة، حيث يحلق النسر الأميركي الصامت، ومواطنه الصقر المقاتل، كما تهب علينا العاصفة الفرنسية والإعصار الأوروبي، ففي الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام بإعلان وزارة الدفاع الأميركية عزمها بيع الكويت صواريخ باتريوت، تسلل خبر آخر إلى أسماع المتابعين للقضايا الأمنية مفاده أن الكويت قد تقدمت في أواخر يوليو 2010 بطلب توفير معلومات عن مقاتلة النسر الصامت «F-15 Silent Eagle» وهي مقاتلة أميركية من الجيل الخامس منخفضة البصمة الرادارية ومتطورة جدا، وهي طائرة متعددة المهام، كما أنها النسخة الأفضل لطائرة «F15» الشهيرة التي تنتجها مصانع بوينغ «Boeing» (مكدونالد دوغلاس سابقاً).

ورغم أن الصفقة ما زالت في مرحلة مبكرة ولم تتعدّ طلب توفير المعلومات، إلا أن هناك عدة أمور يمكن التوقف عندها، فقد فاجأت الكويت، كما قال نائب رئيس شركه بوينغ للشرق الأوسط وإفريقيا بول أوليفر «Paul Oliver»، الشركة الأميركية بطلبها توفير معلومات عن هذه المقاتلة. حيث إن الكويت سوف تكون أول دولة غير مشغلة لهذا الطراز من المقاتلات تعرب عن اهتمامها باقتناء أحدث نسخ هذه المقاتلة. أما عن إمكانية حصول الكويت على مقاتلة النسر الصامت فيجب أن نأخذ في الاعتبار أن شركة بوينغ تذكر دائماً بأن مقاتلة النسر الصامت الجديدة قد تم صنعها خصيصا لتسويقها إلى الدول التي تمتلك مقاتلات «F-15». وفي الوقت نفسه تركز على تسويق مقاتلتها الجديدة «F/A-18E» إلى الدول التي تمتلك النسخ الأقدم منها والدول التي تبحث عن مقاتلات جديدة، والكويت من الدول التي تستخدم «F/A-18» منذ التحرير.

ولا شك أن دوافع الكويت للحصول على هذه المقاتلة تعود لأسباب عدة منها المواصفات القتالية العالية لهذه الطائرة، كما أن الهدف من صناعتها قد تم بناءً على كونها مشروعاً أتى لتلبية الاحتياجات المستقبلية من الزبائن الدوليين بالدرجة الأولى كما تقول فلسفة الشركة، مما يسهل عملية الحصول عليها رغم الاعتبارات التي تحدث عنها نائب رئيس الشركة. لكن ما لم يتطرق إليه بول أوليفر هو أن المملكة العربية السعودية الشقيقة قد أبدت في سبتمبر 2009 رغبتها في شراء ما يصل إلى 72 طائرة من مقاتله النسر الصامت، لكن الأخبار التي نشرت الأسبوع الماضي أفادت بتعثر الصفقة بعد رضوخ واشنطن لضغوط اللوبي الصهيوني الكريه وعرضها توريد الطائرات لكن من دون تجهيزها بأنظمة صاروخية بعيدة المدى، مما سيدفع بالسعودية إلى التركيز على المقاتلة الأوروبية الإعصار تايفون (Eurofighter Typhoon). وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاعتبار الأهم بين دوافع الكويت لتملك مقاتلة النسر الصامت هو محاولة الحكومة الكويتية الخروج من عاصفة الرافال «Rafale» (تعني كلمة رافال بالفرنسية عاصفة الريح) تلك العاصفة التي شكك من تحت غبارها العديد من أعضاء البرلمان الكويتي والناشطين السياسيين في جدوى شراء طائرة من الجيل الرابع، بل واعتبرها البعض هدرا فادحا للمال العام. وفي موسم مهرجان بيع الطائرات الأميركية هذا، واتساقا مع عقيدتنا القتالية الخليجية التي تركز على سلاح الجو، ومع حسن استغلال حلفائنا لنا، أبلغ البنتاغون الكونغرس الأميركي أن الولايات المتحدة تعتزم بيع سلطة عُمان الشقيقة 18 طائرة عسكرية من طراز النسر المقاتل F16 (F-16 Fighting Falcon) مع خدمات تدريب وقطع غيار ودعم لوجستي، وهي صفقة ناجحة تحتاجها السلطنة التي هي بوابة الخليج العربي والعين الساهرة على مضيق هرمز. لكن التعقيدات الأميركية قد تدفع مسقط إلى التركيز على طلبها السابق مع شركة بريتيش إيروسبيس «BAE Systems» لشراء 24 طائرة من المقاتلة الأوروبية الإعصار (Eurofighter Typhoon).

ولا شك أن الهوى الخليجي حالياً أميركي المنحى، لكن «تغلّي» واشنطن تارة و «تمنّعها» الصلف تارة أخرى قد يدفع العواصم الخليجية إلى العمل بالميسور الذي لا يسقط بالمعسور. وقد تكون هذه فرصة لمراجعة العقيدة العسكرية الخليجية (Military doctrine) خصوصاً أن قراءة المشهد الإقليمي تنذر بتحول وشيك لقوى إقليمية إلى الردع النووي ضمن عقيدتها العسكرية وكيفية قتال جيوشها، وقد سلكت الهند وباكستان هذه الطريق منذ عقد من الزمن.

 

د. ظافر العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك