من اختاروا عبارات الشتم في ردهم على مقاله 'معركة الجهراء' فهم مجرد صعاليك مدسوسين في الإنترنت، وهم العدو برأي عبدالله سهر

زاوية الكتاب

كتب 5197 مشاهدات 0



 


 انا مع وضد
 

معركة الجهراء: حقائق وتوضيحات ورد على الشبهات

 
كتب د. عبدالله يوسف سهر
 
في يوم الجمعة السابق كتبت مقالاً عن المتشابهات والاختلافات بين الغزو الصدامي أو العراقي كما يحلو للبعض أن يصر على تسميته، فتوالت ردود أفعال متباينة على النحو التالي: الذين أثنوا على المقال أشكرهم، والذين كان لهم استفسارات أو انتقادات فسوف أوضح لهم، أما الذين اختاروا عبارات الشتم فلا تعليق لدي غير اعتباري لهم مجرد صعاليك مدسوسين في الإنترنت لا يجرؤون على الحديث إلا خلف جدار وهم العدو الذين حذرنا منهم في ذيل مقالنا المشار له. ان الاعتداء على الكويت حديثا كان أو سابقا يمثل اعتداء على الحكم والشعب ونمط الحياة الكويتية وهذه أبسط القواعد التي يجب أن يلف عليها الجميع إلا الصعاليك والعصاة. وعلى هذا الأساس حاول البعض يائسا تحوير المقال المشار له ليكون على مشتهى أفكاره فاراد ان يظهره وكأنه موجها ضد قبيلة محددة أو ضد القبائل عموما أو ما شابه ذلك، وهو أمر قد استعصى عليه اثباته فدعته نفسه الأمارة بالسوء الى الشتم والسب والقذف واثارة الخزعبلات الفئوية والطائفية. إن من أهم جملة الدروس التي يمكن استخلاصها من واقعتي الجهراء والغزو الصدامي هو استهداف الكويت بحكمها وشعبها ونمط حياتها وما المبررات التي ساقها الغزاة إلا مسوغات أرادوا إيهام انفسهم وغيرهم بها، وتلكم حقائق بائنة لكل من له عقل ولب وحكمة إلا من سولت له نفسه أمرا من أموره التعصبية. والدليل على ما ذهبت له من رأي هو استهداف كلا الطرفين بكل من يعارضه وتحالفه مع كل من يتماشى مع مطامحه وأفكاره.لقد قتل فيصل الدويش من القبائل أكثر من الحضر في مغازيه بل وفتك بأبناء قبيلته وخاصة في معركته في الجهراء من أجل اهداف تعصبية ودنيوية. اما صدام المجرم فقد قتل العرب والأكراد والعراقيين قبل الإيرانيين والكويتيين، بل وقتل من أفراد عائلته من اجل مصالحه.وكما ان ملة الكفر واحدة فإن ملة الطغيان واحدة ايضا. لقد خال للبعض ان الاخوان هم من المتدينين في حين ان أبسط وصف ينطبق عليهم هو لقب العصاة المتعصبين. إن ما أستند له في التدليل على ما أزعمه هو مقابلة البطل المرحوم مرشد عايد بن الطوالة الشمري رحمه الله التي اجريت معه في سنة 1964 والتي تتواجد على صفحات الانترنت، بالاضافة الى كتاب الاستاذ بدر خالد البدر «معركة الجهراء ما قبلها وما بعدها». وقبل سبر أغوار بعض الحيثيات التي اريد توضيحها للمستفسرين او النقاد يتعين عليّ أن أوضح أن المرحوم مرشد الطوالة هو أحد المقاتلين الذين شهدوا معركة الجهراء، كما أنه وصديقه البطل مرزوق بن متعب قد جازفا بحياتهما واستطاعا اختراق العدو ليطلبا المساعدة من أهل الكويت وفك الحصار عن قوة الشيخ سالم الصباح رحمه الله المحاصرة في القصر الأحمر، فيكون لهم فضل كبير على الكويتيين جميعا بالنصر المؤزر الذي تحقق وانعكس على تاريخ الكويت ومستقبلها.لقد التبس على البعض ان من يسمون بالاخوان سابقا غير جماعة الاخوان المسلمين حاليا الذين لديهم منظور فكري معتدل حتى لو اختلفنا معهم. فمن كان يطلق عليهم بالاخوان سابقا هم جماعة من المتدينين الذين ليس لديهم اراء دينية فحسب بل هؤلاء من المتعصبين الذين لا يقلون تعصبا عن المحدثين منهم في اعضاء جماعة القاعدة الإرهابية.كما لم يكن هؤلاء ضد الشيعة فقط بل ضد كل من يخالفهم رأيهم الفقهي حيث كانوا يحللون دمه وعرضه وماله وهذا ما أكده المرحوم مرشد الطولة في اثناء مقابلته حيث قال إنهم يعتبروننا كفارا، وهو كذلك ما أكده الكثير من المؤرخين في تلك الفترة.وينقل الاستاذ بدر خالد البدر في دراسته المعنونة «معركة الجهراء ما قبلها وما بعدها» والمشار اليها آنفا ص.21، وصف الشيخ حافظ وهبه للاخوان بالتالي:
«لقد تشرب هؤلاء بكثير من المبادئ والتعاليم الناقصة حتى اعتقدوا انها الدين واصبحوا يعتقدون ان لبس العمامة هو السنة وان لبس العقال من البدع المنكرة بل غالى بعضهم فجعله من لباس الكفار ويجب مقاطعة لابسه وكانوا يعتقدون ان الحضر ضالون وان المشايخ مقصرون ومداهنون لابن السعود وقد كتموا الحق عنه وقد نال بعضهم من الامام عبدالعزيز فرموه بموالاة الكفر والتساهل في الدين.اما شدة الاخوان في مكة فحدث عنها ولا حرج فلم تكن أية هيبة للحكومة فكل ما يعتقده (الاخ) منكراً يزيله بنفسه وكثيراً ما كان الملك ابن السعود ينزل على رأيهم اتقاء للفتنة وفي سنة 1926 اضطر الملك ان ينزل على رأيهم في ايقاف تلغراف المدينة اللاسلكي وهدم بعض المساجد المقامة على القبور لانه لم يكن يسعه غير ذلك (الجزيرة العربية في القرن العشرين صفحة 286) وكانوا يعتقدون ان غزو المجاورين واجب وانه القى عليهم هذا الواجب من قبل الله فلا يسمعون احداً في منع الغزو.
فلا عجب ان يستميت هؤلاء من اجل السيطرة على الكويت وفقا لنظرتهم التعصبية حيث كانت الكويت منارا للتعددية ومنبرا للتسامح وملجأ للتعايش بين الناس كافه ما جعلها درة الخليج دون منازع والذي بدوره قد قاد الغزاة من كافة الاطياف والجهات لمحاولة السيطرة عليها مستغلين بذلك الدين تارة والقومية تارة اخرى.وفي ذلك يقول الاستاذ بدر خالد البدر في دراسته المشار لها في ص21.
«ومدينة الكويت بكونها ميناء بحرياً ممتازاً ومركزاً تجارياً هاماً فهي دون منازع بوابة البادية الاولى وذلك منذ تأسيسها في منتصف القرن الثامن عشر وقد تعرضت لعدة هجمات سواء من البحر او من البر.فمعركة الرقة البحرية بين الكويت وقبائل بني كعب عام 1779 حيث انتصر الكويتيون انتصاراً ساحقاً على اعدائهم ثم الهجوم الوهابي من البر والذي اشار اليه ممثل شركة الهند الشرقية في تقاريره عام 1793(تاريخ الكويت - تأليف الدكتور ابو حاكمة- اشراف لجنة تاريخ الكويت صفحة 184 وصفحة 25). والواقع ان الكويت كانت دائماً المستفيد من توازن القوى في المنطقة بفضل السياسة الحكيمة المعتدلة التي اختطتها لنفسها منذ القدم.فابتعاد الكويتيين عن اعتناق المذهب الوهابي ابعد عنهم كابوس النفوذ التركي وقد سبقت الاشارة الى المكانة التي وصلت اليها الكويت في عهد الشيخ مبارك وما ان بزغت شمس القرن العشرين حتى غمرت الكويت انطلاقة جديدة تمشت مع روح العصر فتوسعت تجارتها وامتد نفوذها بحراً وبراً وظهرت فكرة خط برلين بغداد الذي كان مفروضاً له ان ينتهي عند كاظمة ولكن نشوب الحرب العظمى حال دون تحقيق ذلك المشروع الطموح».
كما ان استيعاب الكويتيين لخصوصية نمط حياتهم وشعورهم بانه هو الدرع الواقي من العدوان هو الذي جعلهم اكثر اصرارا على الاسرة الحاكمة لأن تبقى كخط احمر، وفي المقابل تصر اسرة الحكم على ان يكون نمط الحياة الكويتية الديموقراطي خطا احمر لا يمكن المساس به مهما توترت او ارتخت الاحداث.وبطبيعة الحال ان هذا التفاهم والاصرار هو الذي دائما كان يقود ملاحم الكويت الى الانتصار بعكس ما تصوره الاعداء بانها لقمة سائغة نظرا لصغرها.ولقد انعكست هذه الصورة التي يجب المحافظة عليها كاساس للأمن الوطني الكويتي على الانطباعات السياسية الدولية عن الكويت وشعبها سواء كان في المضي في عهد معركة الجهرء ام في الحاضر ابان الاعتداء الصدامي.ولقد قاد تراص الكويتيين ووحدتهم في مقابل اعمال الاخوان التعصبية المشينة الطبيبة الامريكية الدكتورة اليناتور كالفرلي طبيبة النساء في المستشفى الأمريكي أن تقول ما يلي: «أشارت إلى بناء السور وكيف ان رجال الكويت هبوا يداً واحدة في عملية البناء وعن احاديث النساء عند زيارتهن للمستوصف لم يكن غير موضوع السور وكيف ان فيصل الدويش في غزواته السابقة تخطى اعراف حرب الصحراء التي تمنح الحماية للنساء والاطفال، «لقد حدثنني عن كيفية معاملة جيشه للاسرى من النساء والاطفال مما لا يمكن ذكرها لبشاعتها».نقلا عن الباحث بدر خالد البدر في ص 29.
إن التعصب الفكري هو من سمات الذين اعتدوا على الكويت لتسامحها، كما ان هذا التعصب ليس مقودا كما يراد ان يسوق له اصحابه بفكر ايديولوجي محض بل مخلوط بمصالح مادية تلوكها السنتهم ما دارت معايشهم.وحينما قلنا في مقالانا السابق ان للغزاة في الغزوتين اطماعاً مادية قد غلفت بمعجون فكري فذلك صحيح ولا يمكن الاحتجاج عليه من واقع محاكاة حقائق واقع الحال في كل من الحادثتين.لقد كان صدام طامعا بالكويت ورغدها وليس في ذلك سر، اما الذين ارادوا تصغير مطامع فيصل الدويش على انها مغالاة دينية فحسب فهم قد جانبوا الحقيقية اذ لم يكن فيصل الدويش متحركا بناء على اسس دينية مجردة بل أرادها مسوغات لاستعطاف المتعصبين وطالبي الجنة من ابواب الشيطان.وحتى من معه من فقهاء يبيحون له ما هو عليه من امر وفعل فان في امرهم لريب، والحادثة التالية تبرهن على هذا الادعاء.لقد تواجه عالم الكويت عبدالعزيز الرشيد رحمه الله المتسامح الفقيه مع عالم الاخوان عثمان بن سليمان الذي لا يرى حقا الا من خلال خديعة فيصل الدويش.عندما تم التفاهم على أمر الهدنة والتي طبعا كانت خدعة لان الدويش حيث علم بمقدم النجدة من الكويت «ذهب ابن سليمان ليخبر الدويش بما تم وما هي الا بضع دقائق حتى اقبل علينا فزعم ان الدويش رضي وانه سيرحل بعد الظهر من ذلك اليوم وانتهز الاخوان فرصة الهدنة فهجموا على سفينة على شاطئ البحر مملوءة بالاطعمة فاخذوها ولما احتج (الشيخ) سالم على ابن سليمان قال ان نهبها كان قبل تمام الصلح وان كان بعده فدعوها طعمة للاخوان فهم احوج منكم بها».كما هي منقولة عن كتاب بدر خالد البدر في ص 30. طبعا كلام عالم الاخوان ان ذلك النهب كونه عملا مباحا سواء كان قبل او بعد الهدنة يعد تعبيرا واضحا لاستغلال الدين عملا بقاعدة يحق لي ما لا يحق لغيري او بتعبير ميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة» تعددت الأوجه والفساد واحد. وعلى الرغم من ذلك فإن شيخ الكويت عبدالعزيز الرشيد في تعبيره عن تلك الحادثة يصر على وصف عالم الاخوان بالعالم «التقي» ولا يعتبر ذلك غريبا على سماحته لكونه يمثل الاعتدال الاسلامي الذي ترعرع في بيئة التسامح الكويتية.
انخدع البعض بأن الدويش قد قبل بالهدنة التي بموجبها يلتزم الكويتيين بالاسلام والامتناع عن المنكرات والتدخين ورحل وعلى ذلك فليس له اطماع بالكويت، وهذا مناف للحقيقة حيث التف بقواته في منطقة الصبيحية ليقوم بالهجوم مرة ثانية مما حدا بامير البلاد الشيخ سالم طيب الله ثراه اللجوء لوجهاء الكويتيين مستشيرا اياهم والذين سالوه طلب المساعدة من بريطانيا.وعلى الرغم من قبوله على مضض ذلك الطلب الا ان احساسه بالخطر قد فاق توجهاته بالمجازفة.لذلك فان دخول التدخل البريطاني الذي احتج عليه البعض من النقاد ليس في محله تماما، بل ولولا تدخل بريطانيا لغزا الدويش الكويت مرة ثانية لكونه مصرا على التزام الكويتيين بالاسلام الذي يراه وكان الكويتيين كفارا يريد ان يدعوهم للاسلام. ولقد استجابت بريطانيا لذلك وارسلت طائرة محملة بالمنشورات والقتها على اتباع فيصل الدويش المرابطين في منطقة الصبيحية.وللقارئ نص الرسالة التي القتها القوات الجوية البريطانية فوق قوات الاخوان التي كانت تتحين الفرصة لغزو الكويت مرة ثانية «كما يدونها الشيخ عبدالعزيز الرشيد وينقلها عنه الاستاذ بدر خالد البدر في ص.ص 35-34.
«الى الشيخ فيصل الدويش وجميع (الاخوان) الذين معه. ليكن معلوما لديكم بانه طالما ان أفعالكم ضيقت على البادية وحتى على الجهرة ايضاً وبما ان الحكومة البريطانية لم تدع لتعمل اكثر مما هي عادتها ان تسعى بحسب الصداقة وراء الاصلاح، فاما الآن ما دام انتم تهددون ليس فقط ضد حقوق سعادة شيخ الكويت التي تخالف تاميننا له بل ضد مصالح بريطانيا وسلامة الرعايا البريطانيين ولا يمكن بعد للحكومة البريطانية ان تقف على جانب بدون دخولها في المسألة. ثم من التامينات التي نطق بها من مدة قصيرة سعادة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود - كي.سي.اي.اي. الى فخامة السير برسي كوكس المندوب السامي في العراق. تثق الحكومة البريطانية ان فعالكم هي بعكس ارادة واوامر الامير المشار اليه ولا شك ان سعادته ينبهكم بذلك عندما يعلم بأفعالكم. فبناء عليه - بهذا ننبهكم بانه إذا تجربون ان تهجموا على مدينة الكويت فحينئذ ستحسبون مجرمين بالحرب ليس عند سعادة شيخ الكويت بل عند الحكومة البريطانية ايضاً. فالحكومة البريطانية لم تعتبر ذلك بل ستقابل هذا بأفعال عدائية بواسطة القوة التي تفتكر لائقة. هذا ما لزم اعلامه لكم. تاريخ 7 صفر 1339. الميجر جي.سي.مور - الوكيل السياسي لدولة بريطانيا في الكويت»
«ان الاخوان كانوا متمردين حتى على سلطة المملكة العربية السعودية التي امرتهم بعد الاعتداء على الكويت في حمض فلم يستجيبوا، كما لم تامرهم بغزو الكويت ففعلوا، ولقد استمروا هكذا الى ان ضاق بهم ذرعا الملك ابن سعود رحمه الله فكانت المواجهة المريرة التي لها اسبابها كما يدونها السيد ديكسن في كتابه «الكويت وجيرانها» وينقلها عنه الباحث الاستاذ بدر خالد البدر في ص 48:
«ومع مرور الزمن واستفحال امر الاخوان لاسيما بعد احتلالهم الحجاز قويت شوكتهم وقد اشرنا الى الفقرات السبع التي انكروها عليه واستمرت اعتداءاتهم على الجيران ولم يسلم اهل نجد من تلك الاعتداءات كما سنرى، فاعد الملك عبدالعزيز العدة لوضع حد لتلك التجاوزات التي يقودها الزعماء الثلاثة فيصل الدويش وسلطان بن حميد وضيدان بن حثلين وقد استمرت اعتداءاتهم على العراق والكويت..... وفي الثاني والعشرين من شهر ديسمبر عبر فيصل الدويش الحدود العراقية وهاجم بعض القبائل العراقية وهاجم قبيلة عبده من شمر والحق بهم خسائر فادحة. ان هذه الاعتداءات المتكررة وبهذا الوزن تحدياً لاوامر ابن السعود اثارت الاشاعات حول الوضع في نجد- ديكسن - الكويت وجيرانها صفحة 290-289».
ماذا فعل ابن سعود ازاء تجاوزات فيصل الدويش وحلفائه واتباعه من المتعصبين الاخوان؟ الاستاذ خالد البدر ينقل الجواب عبر مؤلف الشيخ حافظ وهبه «خمسون عاما في جزيرة العرب» في ص 50:
«وفي خضم هذه الفوضى على الحدود بين العراق ونجد من جهة ونجد والكويت من جهة ثانية وما رافقها من أعمال نهب وسلب وقتل من جانب فيصل الدويش وحلفائه من زعماء البادية قرر الملك عبدالعزيز بحكمته وبعد نظره ان يلجأ إلى العلماء والرؤساء ليعرف وجهة نظرهم ومدى تاييدهم او معارضتهم له فغادر جدة متوجهاً الى الرياض فوصلها في ديسمبر 1928 م وامر بعقد المؤتمر النجدي -او الجمعية العمومية- كما سمتها جريدة ام القرى واجتمعت الجمعية العمومية في احد اروقة القصر الداخلية وكان عدد الحاضرين نحو ثمانمائة من علماء ورؤساء حضر وبدو ولم يحضر الدويش ولا ابن بجاد. وقد افتتح الملك المؤتمر بخطبة شرح فيها تاريخه في نجد من بدء استرداده الرياض الى الوقت الحاضر واعماله في توحيد الجزيرة وتأمين الطرق والاخاء بين العشائر وبعد ان انتهى من خطبته عرض على الحاضرين تنازله عن العرش ووجوب اختيار غيره من آل سعود فلم تقبل تلك الجموع تنازله وبايعوه على السمع والطاعة. وكان الملك يرمي من وراء هذا المؤتمر اجماع كلمة النجديين واثارة حميتهم ضد الاخوان المتطرفين وقد نجح في هذه الناحية نجاحاً تاماً -جزيرة العرب في القرن العشرين - صفحة 294».
ان تلك الأحداث لتبرهن مرة أخرى بأن اعتداءات الاخوان الذين كان يقودهم فيصل الدويش لم تكن ضد الكويت او العراق حصرا كما لم تكن لأسباب دينية فقط، بل كانت من اجل تطبيق اجندة واضحة تتمثل في السيطرة على الجزيرة العربية، ولما لم يستجب لهم الملك ابن سعود لذلك سعوا لتقويض سلطته والتجريح بمكانته الأمر الذي سارع في المواجهة. وبهذا فان الرد على الشبهة التي يحاول البعض دسها ان التحدث عن فيصل الدويش يعتبر اعتداء على المملكة العربية السعودية لهو مدعاة للسخرية حيث على العكس من ذلك فلقد اعتبرته الحكومة السعودية من «العصاة».
إن ملة الطغاة واحدة، ومن يطمعون بالغير ويبيحون لانفسهم ما لايبيحونه للآخرين لهم تناقضات عجيبة لا تكاد تصدق ان تصدر منهم في وقت قصير. فلما ضاق صدام ذرعا بحربه ضد ايران واوجس بان كفة الحرب ليست في صالحه اوعز للامريكان بالصداقة، ولما غزا الكويت واعلنت امريكا انها ضده اعتبرها امبريالية، ثم عندما ضاق ذرعا من الصندوق الذي وضع فيه حاول التفاهم معهم، ثم عاود واعتبرهم «علوجا» كفارا يتعين الجهاد ضدهم. فيصل الدويش بعدما طلب من الكويت اعتبار الاتراك كفارا كشرط للهدنه، وطالب الكويتيين بتطبيق الاسلام الذي يراه، وعندما يرى هو واتباعه حرمة السلام على الكفار، تغير لسانه بعد ان ضعفت حالته. ومن المفيد ان يطلع القارئ على ما حاوله الدويش مخادعا برسالته لكلوب باشا المسؤول الاداري الانجليزي في البادية، والتي بها يقر بطاعته بعدما كان يعتبر هو ومن تبعه ذلك كفرا ولمن يرغب الاطلاع عليها فهي منقولة من دراسة بدر خالد البدر في ص58:
«لقد وصف الدويش ولي نعمته بأوصاف لا تليق بعد ان لم يوافق على أفعاله وعصيانه، لجا للعراق التي اعتبرها بلاد المشركين، وبعد لم يلب طلب الدويش اللجوء للعراق ثم ذهب للكويت التي حاربها جورا وعدوانا رميا باتهام الكفر فلم يتم استقباله واستقر في الجهراء، ثم اخيرا انتهي الى الحامية البريطانية. وكما ينقل الاستاذ بدر خالد البدر في ص.ص 59-58.
«ويقول الزركلي في 5 شعبان كان الملك عبدالعزيز قد عسكر في شعيب الباطن على سبعة كيلومترات من حدود العراق وفي المساء دخلت المعسكر سيارة تحرسها سيارتان مدرعتان نزل منها (الكابتن كلوب - المفتش الاداري للبادية الجنوبية العراقية) وعلم منه الملك عبدالعزيز ان الحكومة البريطانية لم تاذن بضرب الدويش لان معه نساء واطفالاً. وقد طورد في الاراضي العراقية وطلب ان يكون من رعايا العراق فرد طلبه. قال كلوب وجاءني هو وابن حثلين فانذرتهما بالضرب ان لم يخرجا من حدود العراق في خلال يومين وقد رحل الدويش عن طريق الجهراء الى الكويت ولا يمكنني ان اتعقبه فيها لاني موظف عراقي. ثم يذكر الزركلي ان الملك عبدالعزيز ابرق من اليوم نفسه الى المندوب السامي يطلب طرد العصاة من الكويت او السماح له بمطاردتهم اينما ذهبوا. وفي اليوم الثاني 6 شعبان ورد جواب المندوب السامي بان حكومته عاملة على اخراج العصاة من الكويت وفي يوم 8 شعبان وصلت برقية من رئيس المعتمدين في الخليج يطلب فيها مقابلة ابن سعود فارسل يخبره بخطة سيره الى بنية عيفان حيث وصلها يوم 10 شعبان فوجد فيها كتاباً يحتوي على برقية من المندوب السامي في بغداد يخبره بان فيصل بن سلطان الدويش ونايف بن حثلين وجاسر بن لامي معتقلون في بارجة بريطانية وكانوا قد استسلموا بالجهراء يوم 8 شعبان.
وصف ديكسن لعملية تسليم الدويش وابن حثلين لابن سعود كما نقلها بدر خالد البدر في ص60.
وقد جرى التوقيع على شروط التسليم هذه من قبل كل من ابن سعود والسير هيو بسكو وعادت البعثة الى الكويت يوم السابع والعشرين من شهر يناير. ويقول ديكسن «وفي اليوم التالي زودت زوجتي قواد التمرد الثلاثة بملابس لائقة ثم انزلوا من السفينة الحربية واوصلوا جواً بعهدتي الى مخيم ابن سعود. لقد وجدت الملك جالسا في فسطاط واسع مغلق محاطاً باقاربه ورؤساء القبائل وكان اللقاء محزنا وبينما كانت الدموع تنهمر من عينيه سمح لكل من السجناء بتقبيل انفه على الطريقة البدوية ثم اجلسني بجانبه».
ان ما اردت توضيحة خلف تلك النقولات والاقتباسات هي تسطير الحقائق لمن يريد ان يشاهدها دون غبش او تزييف، في حين ان تلك الحقائق تبقى خاضعة للفحص العلمي والتدقيق التاريخي، وهو امر يخضع لحرية البحث العلمي التي كفلها الدستور. ان المقاربة بين غزو الاخوان وغزو صدام للكويت لا تحتوي على متشابهات فقط وهذا ما اكدته في مقالي السابق، لكن هنالك اختلافات ايضا. ان التاريخ وقصصه التي استل منه القرآن الكريم موعظة وحكم للبشرية هي بمثابة قوانين وسنن تاريخية للناس، لابد وان يستفاد منها هنا ايضا في الاستدلال على طبيعة العدو، فما اشبة اليوم بالبارحة، فما الفرق بين الذين قتلوا اهل العراق والكويت والمملكة بسبب فهم منحرف للدين بالامس عن الذين يفجرون انفسهم اليوم بين المدنيين في المساجد والاسواق بسبب فهم منحرف للدين ايضا. ان المنحرفين والتكفيريين لا يختلفون كثيرا وان تباعد الزمن بينهم فشأنهم شأن الطغاة والبغاة الذين باعد الزمن بين أفعالهم لكن طبائعهم تبقى واحدة. ولم يكن يختلج في ذهني ان يتم عجن بعض المفاهيم القبلية بالمفاهيم الدينية لمحاولة تلبيس المقال اكثر مما يحتمل. ان الدرس والموعظة ستبقى وتتلخص في ان الذين سقطوا شهداء على ارض الكويت هم من جميع اطياف المجتمع، وان الذين طمعوا في الكويت واعتدوا عليها حكما وشعبا هم ملة واحدة لا يمكن ان يمثلوا لونا او دينا او اصلا او لغة، انما المشترك بينهم هو التعصب والجشع والطمع والإرهاب وتكفير وتخوين الآخرين كل ذلك لأغراضهم وأهدافهم الدنيوية. أما الذين اختفوا خلف اسماء مستعارة محاولين من خلالها الايهام انهم من منتسبي قبيلة محدده، فنقول لهم ان هذه القبيلة لا تحتاج لشهادتي او شهادتهم او شهادة غيري فالكل يعلم بمساهمة رجالها الوطنية فكانوا ولايزالون كالنجوم في سماء الكويت ابتداء بالعم المرحوم فجحان هلال المطيري ومرورا بالسيد مسلم البراك، اما الوشاة وارباب الفتن والمتعصبين الذين يحملون ذات الهوى الذي يحمله من اعتدى على الكويت بالامس فهؤلاء هم العدو اليوم فاحذروهم، ولقد ظهرت رؤوسهم كالافاعي لمن يريد ان يعرفهم والله المستعان على ما يصفون.

د.عبدالله يوسف سهر

 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك