عندما تكون علامة الحدود نخلة!
محليات وبرلمانأغسطس 15, 2010, 3:11 ص 5063 مشاهدات 0
ليس متوافقا مع المزاج المعتاد للقارئ الكويتي خاصة أن نمتدح مسؤولاً عراقياً في شهر أغسطس الذي يذكرنا بالغزو الصدّامي 1990، لكننا في 27 يوليو 2010 اقتربنا من نخلة عراقية طيبة، فعلى هامش حلقة نقاشية لمجموعة مراقبة الخليج حضرها ضيوف عدة منهم سفيرة الولايات المتحدة لدى الكويت السيدة ديبورا جونز «Deborah Jones» وسفير المملكة المتحدة فرانك بيكر «Frank Baker»، أشار علينا سفير جمهورية العراق في الكويت السيد محمد حسين بحر العلوم برغبته بعد مغادرة الضيوف في التحدث إلى الكويتيين فقط لقرب ذكرى مرور 20 عاماً على الغزو العراقي للكويت، وكان أن وقَعنا طواعية في شرك بلاغة خطابه ومفرداته الأنيقة، كما سبق أن فشلنا في تفادي الوقوع في أسر حديث والده الذي قابلناه في رمضان قبل الماضي، ومردُّ ذلك هو أن حديثه كان صادقاً ونابعاً من القلب، كما كان يحميه من إثم الدبلوماسية خُلق إسلامي رفيع، حتى أننا تمنينا لو كان الـ30 مليون عراقي على شاكلته من العقلانية.
وعلى النقيض من حديث بحر العلوم، كان الناطق الرسمي لحكومة العراق علي الدباغ بحراً من قلة الحصافة رغم ما يمليه عليه منصبه، حيث ذكر أن الكويت استولت على الحدود العراقية ظلماً في حديثه عن قضية توقف عملية صيانة علامات الحدود بين العراق والكويت.
وعندما كُشف النقاب عن فحوى تقرير رئيس بعثة الأمم المتحدة الدوري حيال العراق والمقرر تقديمه إلى مجلس الأمن في وقت لاحق، حيث عبّر فيه عن الأسف لعدم تجاوب العراق مع القرارات الدولية بشأن الطلبات المتكررة لمواصلة مشروع صيانة العلامات الحدودية بين الكويت والعراق والمسائل العالقة بينهما، عندما علم الدباغ بذلك تراجع مؤكداً أن العراق يعترف بالحدود البرية مع الكويت.
لا يزال تقرير الأمم المتحدة في حاجة إلى بعض الوقت، لكن منذ الآن يمكننا الإشارة إلى حقيقتين أولاهما أن الدباغ رغم كونه الناطق الرسمي للعراق فإنه ينتهج أسلوب الملك غازي الذي حوّل إذاعة قصر الزهور إلى منبر افتراء كان بذرة قضية تبعية الكويت للعراق، وأوجه الشبه بينهما أن الدباغ يتحدث باسم الحكومة العراقية وكأنه لا يمثلها في تراجعاته العجولة. كما كان غازي يذيع بنفسه بيانات الافتراء على الكويت من دون ذكر اسمه. وكلا الفعلين يقودان للحرب الباردة بين الطرفين رغم أن الكويت -وهي ضحية التصريحات- قد التزمت بتوجيهات من القيادة السياسية بوضع حد للتصريحات غير المسؤولة تجاه العراق.
إن منتهى الشاعرية أن تكون علامة الحدود بين العراق والكويت عبارة عن نخلة، ويزيد الأمر حلاوة أن يمتد نخيل البرحي من طرف الحدود مع العراق في أم قصر إلى الطرف الآخر في السالمي، وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية وهي قضية صيانة العلامات الحدودية بين العراق والكويت، فكما يقول التاريخ: حاولت بريطانيا حين كانت الكويت تحت حمايتها، التوصل إلى اتفاق الطرفين على أساس الرسائل المتبادلة في عام 1932م إلا أنها فشلت في محاولتها بسبب عدم وضوح التضاريس التي تشكل معالم الحدود، واستغل العراقيون شاعرية برسي كوكس «Sir Percy Z. Cox» ونخلته في الفقرة الواردة في تعريف الحدود الذي أدلى به عام 1923 والتي نصت على أن «خط الحدود يمتد على بعد ميل واحد إلى الجنوب من أقصى نخلة جنوب صفوان»، حيث إن المشكلة هي كون عدد النخيل قد ازداد جنوب صفوان وضاعت معالم تعليم الحدود السابقة التي وضعت في السنين الماضية كما جاء في ملاحظات الوكيل السياسي البريطاني ديكسون (Harold Dickson) المشهور بكنيته «أبوسعود» عام 1939م، فقد كان العراقيون يزرعون النخيل كعادتهم بوتيرة لو استمرت لوصلوا إلى ساحة الصفاة في قلب الكويت.
سذاجة الأمم المتحدة وسكرتيرها العام بان كي مون ليست ببعيدة عن سذاجة بريطانيا العظمى، فالأطماع العراقية التي نحن خير من يعرفها سوف تستمر والطمع في الأراضي الكويتية هو الإشكالية الرئيسة التي منها تنبع سائر الإشكاليات الأخرى وإليها تعود. ففي الوقت الذي تحاول فيه «حكومة التدخلات الإقليمية» في بغداد التملص من البند السابع، تطلق في الوقت نفسه التصريحات المشككة في قرارات الأمم المتحدة حيال قضية الحدود، حيث يعرب بان كي مون عن «أسفه إزاء عدم تقديم العراق رداً على مطالب الأمم المتحدة المتكررة بشأن استعداده للاستمرار في مشروع صيانة العلامات الحدودية بين العراق والكويت وفقا للقرار 833 وتقديم حصته في التمويل الإضافي لهذا الغرض التي تبلغ قيمتها 600 ألف دولار». والسكرتير العام يعلم أن الكويت قادرة على توفير دفع تكاليف صيانة العلامات الحدودية، لكن عدم دفع العراق لحصته يعني عدم الاعتراف بهذه العلامات، كما يعني الإشارة الخضراء للرعاع على أطراف مزارع صفوان لإزالة هذه العلامات كما أزالوا الأنبوب الحديدي بين البلدين رغم أنه كان بالكامل داخل الأراضي الكويتية.
لقد قال السكرتير العام للأمم المتحدة «إن التزام حكومة العراق وتقديم حصتها في التمويل هما أمران حيويان لدعم المشروع عقب التأجيلات المتكررة للمرحلة النهائية من أعمال الصيانة التي تنفذها عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام». وعليه نقترح على السيد مون أن ينسى مشروع العلامات الحدودية، وأن يوكل لإخواننا وجيراننا العراقيين إقامة سياج من نخيل البرحي كبديل لمشروع صيانة العلامات الحدودية الإسمنتية والمعدنية، وليكن ذلك بديلاً عن الاعتذار المنتظر للكويت عن عبث الملك غازي بأعصابنا ببرامجه الإذاعية عام 1938م، ومغامرات قاسم على حدودنا بغبار ودخان دباباته 1961م، ثم همجية صدام وتدميره وقتله وتشريده لنا عام 1990م.
تعليقات