خالد الشطي يتهم المناهج التعليمية وأئمة المساجد ولجان المساعدات الخيرية ورحلات العمرة المجانية وحتى ملصقات الدوائر الحكومية بأنها بؤر لصنع الإرهابيين!

زاوية الكتاب

كتب 2416 مشاهدات 0





كيف تصنع إرهابياً ؟!..
 


المحامي خالد حسين الشطي  


ليس الأمر هيناً ولا سهلاً، بل هو معقَّد ولعلَّه في غاية الصعوبة ونهاية العسر، فأنت تريد أن تقلب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، تمسخ حب الخير من قلب جبل عليه، وتمحو الرحمة والشفقة والسماحة وقيم العدالة والإنصاف وكل معاني الإنسانية، لتجعل هذا الكائن البشري مستعداً لقتل مجموعة بريئة من الناس، يرتادون سوقاً أو يسافرون على متن قطار أو طائرة، أو يباشرون أعمالهم في مكاتبهم! عقاباً لحكومة (نفترض جدلاً بأنها ظلمته) أو انتقاماً من نظام سياسي لا يطبق الرؤى التي يعتقد بصحتها.
يبدأ الأمر بالتعليم، وجرعات التربية التي يتلقاها المرء وهو بعد طفل صغير: هذا كافر، هؤلاء كفرة، لأنهم لا يصلون كما نصلي، ولا يصومون كما نفعل، وهم مشركون، لأنهم يعبدون الأصنام ويعلقون الصلبان، أو لأنهم يتمسحون بالقبور ويتوسلون بالأموات!
فإن عجزت الجرعة التي تلقفها «المربي الفاضل» من المناهج الرسمية،عجزت عن شفاء صدره وتبريد غليله، جعلها مدخلاً يسوغ له الإطناب ويسمح له بالتفصيل... راح ينقل طلابه الأبرياء ومستمعيه المغلوبين على أمرهم، إلى حيث يريد ويشاء الشيطان.
وبعد المدرسة، يتلقفه إمام الجماعة في المسجد الذي لا يخلو منه حيُّ، حتى صار في القطعة السكنية الواحدة أكثرمن خمسة مساجد! فإذا لم يكن الشيخ هنا من التكفيريين، وجد له – بسهولة – مسجداً آخر قريباً. فإن عزَّ ذلك، فالمراكز وفروع الأحزاب الدينية الإسلامية منتشرة، ووسائل النقل ميسَّرة، وتحت أيديها، بل أقدامها، ميزانيات وإمكانيات مهولة. ولا مشكلة في التقاطه وصيده، فإن فات إمام الجماعة، وقع في شباك رحلات العمرة المجانية التي تقيمها الجمعية التعاونية، فإذا أفلت من هذه أيضاً، وقع في شباك المساعدات الخيرية، وهي تبدأ من إعانته كفقير معوز، مروراً بسداد ديونه، وانتهاءً بتمويل مشاريعه وتحقيق أفكاره وتطلعاته وطموحه في ميدان التجارة والأعمال.
يكبر الفتى ويبلغ مبلغ الرجال وقد تشبَّع بهذا الفكر وترسّخ فيه التكفير، وقد ألحق به وأضاف، وصار يعرف أن الكافر يجب أن يقتل، أو ينفى من الأرض، إن لم يهتد ولم يقبل الدخول في الإسلام، إسلامه هو!
يجلس في المستوصف أو المستشفى ينتظر دوره، فإذا ما قاله استاذ التربية الإسلامية وإمام الجماعة ومرشد قافلة الحج وجاره الذي هيأ له القرض من اللجنة الخيرية أو وفَّر له السيولة والتمويل...كله حق وصحيح، فهو يجده في الكراسات والمنشورات المبذولة أمامه علناً وبشكل رسمي، فإذا أراد أن يمارس ما نشأ عليه من الاستجداء وطلب المال بلا جهد ولا عناء، أشارت الأصابع ودلَّته على لجان إعانة المرضى، فوجد هناك ما رأى على رفوف وستاندات المستشفى، والمسجد، والجمعية... يزور أحد أرحامه ممن ابتلي بتعاطي المخدرات في السجن المركزي، فيحكي له عن دور «الإخوان» (ولا أقصد الحركة المعاصرة، بل الفكر، حمله أي تنظيم وحزب كان) وطيب معاملتهم وحسن أخلاقهم، ويكرر عليه من الأقوال والأفكار التي سمع وقرأ وعليها نشأ!
يجول في الستلايت على القنوات الفضائية الدينية، فلا يجد إلا من يقرقر ويخمس ويشرق ويغرب بالمعزوفة نفسها...
يراجع وزارات الدولة ويدخل الدوائر الحكومية فيجد الملصقات التكفيرية، حتى في المخافر ومكاتب الضباط، «تذكِّره» وتقول له:من سب أصحابي فهو كافر، وبيننا وبينهم الصلاة فإذا تركوها كفروا. ولا أريد أن أذكر ما يلقاه ويتلقاه، حين تضيق عليه الدروب أو تدفعه للبحث عن «واسطة»،فلا يجدها إلا في شريحة معروفة من الكفار بالديمقراطية، والمتنفذين بسببها!
الإرهاب والتطرف والتكفير هو فكر ومعتقد قبل أن يكون ممارسة، وهو حاضنة طبيعية ونطاق اجتماعي سياسي قبل أن يكون تنظيماً سرياً وحزباً مغلقاً منعزلاً...
هكذا تنقلب الآية ويتغير الحال ليصبح:كم هو سهل هيِّن أن تصنع إرهابياً وأنت تغرس فيه طلب الجنة أو الحور العين أو تمنيه بلقاء رسول الله والجلوس على مائدته (كل على حسب ميوله ودرجة إخلاصه)، كل ذلك بمجرد الضغط على مفجر الصاعق في الحزام الناسف، لحظات بلا ألم ولا معاناة، وبعدها كل النعيم!
إذا أردنا أن نحارب الإرهاب حقاً فعلينا أولاً وقبل كل شيء تجفيف جذوره الفكرية، ثم سد الثغرات التشريعية بسن قانون لمكافحة الإرهاب، ثم الحسم والجدية، لا أن ننشئ هيئة من أعمدة المتطرفين وعتاة التكفيريين ونطلق عليها الوسطية أو الاعتدال أو أي مسميات أخرى تدغدغ المشاعر وتتحايل على الواقع المرير الخطير، مثل تلك التي تأسست لمحاربة التفرقة الطائفية باسم هيئة تجمع الآل والأصحاب، والحال أن قوامها إبطال مذهب أهل البيت ونسفه من أصله وجذوره!
* مئة سؤال وسؤال:
إلى معالي وزيرة التربية ووزيرة والتعليم العالي الموقرة: هل تعلمين أن الجاني الكويتي الذي قتل ضابطا أميركيا كبيرا (بيلوت مايكل رينييه) وشرع في قتل الضابط الأميركي الآخر(ديفيد جون كارويه) علّـل جرمه الإرهابي أثناء التحقيق معه: أن هؤلاء مشركون دمهم مباح!!

 

الدار

تعليقات

اكتب تعليقك