مجلس التعاون، وفيدرالية حكم الواقع
محليات وبرلمانأغسطس 6, 2010, 4:13 م 1915 مشاهدات 0
يجمع المراقب أدواته التي تمكنه من التحليل، ويقف أمام وخلف وإلى جانب المنظمة الإقليمية المسماة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يسايرها إن تقدمت في حبور، ويحزن عندما تقف حائرة كيف تتعامل مع المأزق البنيوي لأوصالها التي لا تحمل إلا صفة مجلس تشاوري، لكنه لا يدخر وسيلة للنفخ في شرايينها بالمقترحات والنقد، ولا يمل لأنها رهاننا الوحيد على المستقبل بناءً على قراءة التغيرات المقبلة على الساحة الإقليمية والدولية، فالمواجهة الإيرانية الغربية في طريقها لأخذ منحى تعبوي، والانسحاب الأميركي من العراق ينثر خلفه بذور تدهور درامي في دائرة قُطرها يبتلع حدود دول المجلس.
ومن بروكسل قال الأمين العام لمجلس التعاون سعادة السفير عبدالرحمن العطية في 12 يوليو 2010 «إن دول المجلس مؤهلة للدخول في اتحاد لأنها قطعت شوطاً كبيراً وأنجزت الكثير، بدءاً من اتفاقية التجارة الحرة، ومن ثم الاتفاقية الاقتصادية والاتحاد الجمركي 2003م، والسوق المشتركة 2007م، والاتحاد النقدي 2008م، الذي أعلن عن تشكيل مجلسه في 2010م، بالإضافة إلى التعاون والتنسيق في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والذي وصل إلى مرحلة متقدمة، إضافة إلى الجوانب المتصلة بالتنمية الاجتماعية.
ثم أشار العطية إلى أن 'المواطن الخليجي لم يعد مقيداً بل يتمتع بحقوق الإقامة والتنقل من دون جوازات السفر، ومزاولة النشاطات الاقتصادية وممارسة المهن والحرف، والمساواة في التأمينات الاجتماعية والاستثمارات والخدمات التعليمية والصحية، وتلك هي المواطنة الخليجية الحقة'.
لقد كان المُحاور من جريدة الحياة اللندنية يحاول الحصول على إقرار لفظي من العطية بأن مجلس التعاون يتجه إلى تكوين اتحاد فيدرالي، لكن الأمين العام أصر على اتحادٍ بمعانيَ أشمل لكل ما تعنيه مفاهيم الانتقال والتدرج نحو التكامل وصولا إلى الاتحاد المنشود، وهنا نتساءل عن الحساسية الخليجية على مستوى قيادة مجلس التعاون التي لا ترى كما يبدو جدوى في الاتحاد الفيدرالي.
والفيدرالية حكم تقسم فيه السلطات بين حكومة مركزية وما يتبعها من الأقاليم والولايات، وكلا المستويين يعتمدان على بعضهما ويقتسمان السيادة في الدولة، ولكل إقليم أو ولاية نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية بل والحكم الذاتي للإقليم إن أرادت كل الأطراف، ولقيام الدولة الفيدرالية يتطلب الأمر شرطين، هما تاريخ وأصل مشترك لخلق هوية وطنية، ثم الرغبة في الوحدة الوطنية مع استقلال كل دولة في الاتحاد، ولا يتم الانفصال بين الأقاليم أو الولايات بعد اتحادها إلا من خلال موافقة جميع الأطراف كما ينص الدستور الاتحادي، لذا نرى أن أغلب الحروب الأهلية الانفصالية تجري في الفيدراليات السابقة لتمنع طرفا عن الانفصال، كما جرى في يوغسلافيا السابقة، إلا أن هناك حالات انفصال سلمية كما جرى في تشيكوسلوفاكيا، ويمكن القول إن أغلب أنظمة الحكم الناجحة في عصرنا الحاضر قائمة في فيدراليات، وخير مثال لنا هي دولة الإمارات العربية الشقيقة، المكونة من اتحاد سبع إمارات منذ 40 عاما، كما أن الولايات المتحدة فيدرالية مكونة من 50 ولاية، والأرجنتين من 23 إقليما، وأستراليا من 6 ولايات، والنمسا من 9 ولايات، وبلجيكا من ولايتين، والبرازيل القافزة للساحة الدولية فيدرالية مكونة من 26 ولاية، كما أن كندا تكونت نتيجة اتحاد 10 أقاليم، وألمانيا 16 ولاية، والهند فيدرالية مكونة من 28 ولاية، ونجد أن ماليزيا والمكسيك ونيجيريا وباكستان وروسيا وسويسرا تكونت من اتحاد أكثر من ولاية وإقليم لتكون دولا فيدرالية.
بقي أن نشير إلى أن بعض دول العالم غير الفيدرالية تتمتع فيها بعض الأقاليم بسلطات وحيز من الاستقلالية لم يمنحه لها دستور البلاد، فتجمع الضرائب وتنفق على الإدارة المحلية بمعزل عن تدخل الدول الأم، ومن تلك الدول إسبانيا، والصين، وهو ما يسمى فيدرالية حكم الواقع، وهنا نرى أن الاتحاد الفيدرالي الخليجي -لو تم- ليس تأسيسا لشيء جديد بل توصيفا لما هو قائم بالفعل، فشرطا الانتماء لنفس التاريخ والجغرافيا والرغبة متوفران، وما هو قائم يدل على أن جهودنا تجاه مجمل القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية مؤطرة في إطار واحد بفعل المصلحة البراغماتية، لا بفعل العواطف حتى وإن غاب عنها هيكل الفيدرالية، ولو استعرنا لفظ «فيدرالية حكم الواقع» وقلبنا المفهوم لوجدنا أن دول مجلس التعاون تعيش اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وإلى حد ما سياسيا حالة الفيدرالية من دون قانون رسمي ينص على ذلك وهي فيدرالية حكم الواقع، فهل نحن بحاجة إلى برلمان اتحادي قد نختلف في شكل تكوينه، ودستور اتحادي ينص على محاربة الانفصاليين، ومواطنة مزدوجة للدولة والاتحاد، وحكومة مركزية قد نختلف على مقرها كما اختلفنا على مقر البنك المركزي الخليجي؟
تعليقات