تجربة الاحتلال تظل ناقصة برأى د.حامد الحمود مالم نذكر خبراتنا مع جنود وضباط عراقيين ساعدونا، وكانوا رافضين الاحتلال

زاوية الكتاب

كتب 151 مشاهدات 0


 




بعد عشرين سنة من الغزو العراقي 

كتب حامد الحمود : 

 
بعد أن رجعت إلى الكويت بتاريخ 1990/8/9 عبر مخفر الرغوة السعودي، وهي تجربة نشرت تفاصيلها في القبس بتاريخ 2010/4/19 تحت عنوان «عندما أصبحت شاهدا على الاحتلال»، بادرت بالاتصال والبحث عن الأقرباء والأصدقاء الذين ما زالوا في الكويت في ذلك الوقت. كما أني التحقت بعملي في شركة نقل وتجارة المواشي، وهي تجربة عرضتني لخبرات ومغامرات في ظل الاحتلال، وكسرت أجزاء كبيرة من حواجز الخوف بفرضها تواصلا مستمرا مع المواطنين والمقيمين من أجل المحافظة على أصولها وتوفير منتجاتها في ظل هذه الظروف الصعبة. وكان الالتقاء بالأصدقاء -لاشتراكنا في هذه التجربة الصعبة- الدواء المسكّـن الذي يخفف من الخوف وينسي ألم فراق أهل وأصدقاء آخرين. وكنت أتردد كثيرا على منزل أحد الأصدقاء في منطقة غرناطة في الأسابيع الأولى من الاحتلال، والذي جعل منزله ملتقى مسائيا نناقش فيه الهموم ويتم فيه تداول أحاديث تتراوح بين أفضل الوسائل لحماية المنازل من الجنود العراقيين، إلى كيف نحمي أنفسنا إذا شُنّ هجوم علينا بالأسلحة الكيماوية.
وفي احد هذه اللقاءات في منزل ذلك الصديق في منطقة غرناطة، كان أحد الحاضرين ضابطا عراقيا برتبة عقيد يدعى هاشم. كان أنيقا في ملبسه ولطيفا في حديثه، وكثيرا ما لجأ إليه أهالي غرناطة لتوفير حراسة لهم لضبط الجنود ووقف تعرضهم للممتلكات. وعلى غير العادة، كثيرا ما كان الحديث صريحا بحضور العقيد هاشم، والذي أذكر أنه كان خريج دراسات عليا في القانون، إضافة الى كونه ضابطا. وفي احد هذه اللقاءات كان موضوع الحديث الاحتلال وأسبابه وكيف سينتهي، ان كان ذلك بحرب أو بانسحاب للقوات العراقية. وخلال الحديث سأل أحد الأصدقاء العقيد هاشم: «هل ستطلعون يا عقيد هاشم؟». فأجاب وبهدوء: «راح نطلع وبالجلاغات». بما يعني راح نطلع بــ«الصرامي» باللهجة اللبنانية، أو راح نطلع من الكويت مخذولين ومهزومين.
لم تكن شخصية العقيد هاشم شخصية شاذة، بل وجدها الكثير من المواطنين في كثير من أفراد قوات الاحتلال الذين عبروا عن رفضهم له بمواقف مختلفة. أذكر منها أن أحد الأصدقاء وكان برتبة عقيد في الجيش الكويتي، أوقفته نقطة سيطرة عند دوار الشيراتون، وعندما فتش أحد الجنود صندوق سيارته، وجد ملابسه العسكرية وتعرف على رتبته. فما كان من الجندي إلا أن غطى هذه الملابس بسرعة ونادى هذا الصديق قائلا إليه: «دير بالك على نفسك سيدي». وفي صورة أخرى، حدثني عنها صديق آخر، أخبرني أن أحد الجنود العراقيين الذين كانوا في منطقة الشامية، فاجأنا ليلة التحرير عندما وجدناه يضرب على الباب بقوة، وعندما فتحنا الباب، خاطبنا قائلا: «مبروك تحرير بلدكم.. مع السلامة».
إن تجربة الاحتلال كانت قاسية، وقد تم توثيق عذاباتها ومعاناتها منذ التحرير. ونعرف أصدقاء وأقرباء لم يروا التحرير. لكن تجربة الغزو والاحتلال تبقى ناقصة إذا لم نذكر خبراتنا مع جنود وضباط عراقيين ساعدونا، وكانوا رافضين الاحتلال، وعبروا عن هذا الرفض بوسائل مختلفة. وبعد عشرين سنة من الغزو، ولكي تكتمل الصورة، نتوقع من إعلامنا أن يتقبل نقل هذه الصور التي تفرق بين رجال المخابرات الذين عذبوا وقتلوا وآخرين مثل العقيد هاشم، الذين كانوا يزدرون الغزو والاحتلال منذ بدايته.

د. حامد الحمود

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك