مخاطبا الشيخ سعود الناصر، أنور الرشيد يكتب عن الحرية والدكتاتورية والعنف والجرائم التي لا تغتفر
زاوية الكتابكتب يوليو 30, 2010, 4 م 2873 مشاهدات 0
ما أشبه اليوم بالبارحة يا شيخ سعود
كتب أنور الرشيد
لقد كان للمبادرة الطيبة بالدعوة للعشاء التي أقامها معالي الشيخ سعود الناصر وقع طيب في نفوس المواطنين، فاستبشر الشعب خيرا واطمأن نفسا، عندما تم هذا اللقاء، لذا أقول ما سبق وأن قاله الأجداد والآباء، أن وضع الدستور للبلاد يرسي دعائم المقومات الدستورية ويصون الكرامة الإنسانية للمواطنين يمهد الطريق السوي لحياة كريمة فضلى للشعب في ظل وافر من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية، أن وضع دستور دائم يتضمن قواعد إقامة حكم ديمقراطي ينص في صلب مواده على الضمانات الضرورية لمقومات الحرية الشخصية، وحرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات، وعلى أساس هذه الضمانات الدستورية تسابق المخلصون من أبناء هذا الشعب إلى تحمل الأمانة ابتغاء تجسيد ما نص عليه الدستور من مبادئ ومثل عليا والعمل المخلص على تطبيق نصوصها ومقوماتها، وكان يدخل في الاعتبار أن الحرية البرلمانية الديمقراطية في الكويت تجربة أولى رائدة ينبغي لها تضافر جهود المخلصين من أبناء الشعب لإنجاحها وترسيخها، ولا جدال أن هي بناء مجتمع أفضل يتمتع فيه الأفراد بالحريات كافة، ويحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ويقيم العدالة الاجتماعية، باعتبار أنه في ظل هذه المقومات يتمكن الفرد من الخلق والإبداع، ويستطيع المجتمع الإسهام في إنماء الحضارة الإنسانية، والحق إنه لا يمكن أن يوجد حكم نيابي إلا على أساس من الحريات العامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي ولا يمكن أن توجد الحريات العامة إلا على أساس توفير المقومات والضمانات لحرية الرأي والعقيدة والتعبير والاجتماع، أن الديمقراطية بمفهومها الواسع ومن ضمنها بطبيعة الحال وواقعها الحرية نفسها التي هي عماد وعنوان الديمقراطية تختلط بتمثيل الجماعة وقيمها العامة فتصير جزءا منها وترسخ في عقول الناس وأفئدتهم ويصبح العيش بدونها امرا لا يتفق وطبيعة البشر وسنة التطور فليس عبثا إذن أن نص دستورنا في مواده على كفالة حرية الرأي وحرية الاعتقاد وحرية الصحافة والنشر، وتكريس الحرية الشخصية بمفهومها الواسع وعلى عدم جواز القبض على إنسان إلا وفقا للقانون وكذلك حرية الاجتماع والمواكب وحق تكوين الجمعيات ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص بين المواطنين وأن المواطنين سواسية أمام القانون .
تلك هي الضمانات الأساسية للمواطنين جاءت في نصوص صريحة وواضحة أضحت الديمقراطية معها تدور وجودا وعدما وهنا يجب أن نقرر حقيقة ترسخت عبر التاريخ وهي أن المجتمعات البشرية بطبيعتها تعشق الحرية وتنشد الانطلاق إلى المثل العليا وأن الدساتير والتشريعات كافة لا تنشئ الحرية أوتشيدها من عدم وإنما تقرر حقيقة واقعة وتصيغها في مواد ثابتة واضحة لإعانة المواطنين ومساعدتهم في ممارسة حقوقهم دون أن تقضي على الحرية أوتمنع من استعمالها.
الدفاع عن الحرية
معالي الشيخ سعود الناصر الصباح ....
كانت كل هذه الآمال تجول في أذهاننا عندما تصدينا لمهمة الدفاع عن الحرية متغاضين عن النواقص الموجودة على أساس أننا نسير إلى الأمام نحو مزيد من الحرية ومزيد من المساواة يحدونا في ذلك واقع خدمة الصالح العام والامتثال لإرادة الشعب، إلا إننا لا حظنا منذ البداية أن هناك محاولات جاهدة لتقليص الديمقراطية، وتقويض الدعامات التي تقوم على أساسها، كانت بداية تلك المحاولات فرض قانون التجمعات الذي حرم المواطنين من وسيلة التعبير عن آرائهم ومواقفهم مجافيا بذلك نصا دستوريا صريحا وهوحق الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون (المادة 44) ورافقت ذلك مواقف مختلفة من الحكومات كانت تنم عن نية غير خالصة في التقيد بالأصول الديمقراطية والضمانات الدستورية، على أن هذا الاتجاه لم يلبث أن تبلور في البرلمان عندما ظهر بشكل بارز تكتل أغلبية أعضاء المجلس توالي الحكومة وتؤيدها على الحق وغير الحق دون اكتراث بالمسؤولية التي حملها الشعب لأعضاء مجلس الأمة عندما انتخبهم وتحولت بذلك السلطة التشريعية من وسيلة في يد الشعب لتحقيق مزيد من الحريات ومزيد من المكاسب إلى أداة في يد الحكومة ووسيلة للضغط وخنق الحريات الشخصية والعامة وأصبح الوضع في مجلس الأمة أقرب إلى المسرحيات منه إلى المواقف الجادة التي تضع صالح الشعب نصب أعينها، نذكر بهذا الصدد موقف الأكثرية البرلمانية في الأزمة الوزارية وبعد أن ضمنت الحكومة أكثرية المجلس واستغلت هذه الفرصة باندفاع وإصرار عجيبين لفرض مزيد من القوانين القسرية بهدف تضييق الخناق على حريات المواطنين وكان أن تقدمت الحكومة بتعديل لقوانين الوظائف العامة والجمعيات والأندية والصحافة والطباعة والنشر وأقرتها الأكثرية البرلمانية دونما اعتبار لتأثيرها السيئ على ممارسة المواطنين لحقوقهم وحرياتهم وتناقضها مع المقومات التي اقرها الدستور. ان هذه الإجراءات قد أبطلت في الحق مفعول الضمانات الدستورية وصودرت بموجبها حرية الناس في التعبير عن آرائهم وضيقت الخناق عليهم في حين كان ينبغي والبلاد في أول عهدها الديمقراطي أن يؤخذ بيد المؤسسات والجمعيات الشعبية ومساعدتها على أساس أنها وسائل لتعميق الوعي الشعبي وانضاج الرأي العام وتدعيم الديمقراطية لا أن يضيق الخناق عليها ويتعدى عليها ويهدد ممثليها.
الدكتاتورية والعنف
لقد أقر الدستور حرية الصحافة والطباعة والنشر وكفلها وبديهي القول: بأن المناقشة العامة الحرة التي يستطيع من خلالها المواطنون على اختلاف ميولهم إبداء رأيهم بكامل الإخلاص والحرية هي دعامة للنظام الديمقراطي وهي التي تنير الرأي العام والتي تعطي لأحكامه وقراراته قيمتها ولهذا قيل: إنه لا قيمة البتة لما يجري في النظم المطلقة من صور الاستفتاء أوالاقتراع أوالتصويت لأنه لا يسبقها مناقشة علنية حرة وهكذا فإن اقدام الحكومة على سن تشريع يكبل حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والنشر هي من نوع ما تباشره الحكومات التي تحكم في ظل الدكتاتورية والعنف وتحاول تكبيل العقول والأرواح الذي ينم عن عدم السماحة وضيق الصدر لأنها قائمة على الإرهاب والتضليل والإزعاج وحجرها على حرية الرأي وحرصها على إلا يرى الناس من الأشياء إلا الجانب الذي تريدهم الدولة أن يروه ولا يروا غيره.
لقد أصبح من المستحيل مع وجود القوانين الحالية المقيدة لحرية الصحافة والنشر وممارسة الصحافة لوظيفتها في تنمية الرأي العام وتنويره بإخلاص ودون ممالأة إذ كيف تستطيع الصحافة أداء مهمتها حين يكون من العسير عليها أن تميز بين ما يجب أن تتناوله بالبحث والانتقاد وما يجب أن تتجنبه خشية أن تقع تحت طائلة العقاب حين يكون القانون هوإرادة الحكومة ورضاها.
ولقد اكتملت هذه الحلقة السوداء من سلسلة فرض القوانين القسرية بتعديل قانون الوظائف العامة فقد سلب هذا التعديل الذي تقدمت به الحكومة واقره المجلس الضمانة الأساسية للمواطن الموظف حين جعل مصيره معلقا بإرادة أفراد الحكومة وأصبح الموظف يعيش تهديدا دائما ولم تقف سياسة الحكومة عند هذا الحد فاتخذت من الإجراءات ما من شأنه إفساد الجهاز الإداري وبدأت في شن حرب شعواء ضد كل المخلصين سواء كان ذلك بالضغط تمهيدا للحمل على الاستقالة أم المضايقة الخفية في الوقت الذي بوشر فيه في تكتيل وتجميع وإغراء طائفة من الموظفين لا لتحقيقها الصالح العام بل لأغراض شخصية بحتة وأصبحت الوظائف العامة وسيلة بيد أعضاء الحكومة وتوزع لكسب المؤيدين وتحقيق المكاسب الشخصية وهكذا وصلنا إلى مرحلة غريبة شاذة لم يتعودها هذا الشعب النبيل بل وفيها خرق صريح للدستور الذي يقرر أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها ويستهدف موظفي الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة (مادة 26)
معالي الشيخ سعود الناصر الصباح ....
أن الأصل في الدستور هوكفالة الحريات العامة وضمان حرية الرأي والعقيدة والاستثناء هو وضع حدود لهذه الحرية وذلك بسن قوانين من شأنها تنظيم ممارسة تلك الحريات وضبطها حتى يكون المواطنون على بينة من الحدود لكي لا يتجاوزوها وتلك طبيعة التشريع فالأصل الدستوري إذن هوالحرية وقد كفل الدستور هذا الأصل والاستثناء هوالقيد ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل أويجور عليه أويبطله أويعطله فالمشروع فيما عدا حالتي الحرب والأحكام العرفية لا يملك أن يجور على حرية الرأي بحيث يعوقها عن أداء وظيفة من وظائفها في النظام الديمقراطي، لأنه لا يملك أن يعطل عمل النظام الديمقراطي تعطيلا كليا أوجزئيا، وإنما يملك فقط أن يضمن بتدبير أوبجزاء عدم تجاوز حرية الرأي في الحدود التي تفرضها عليها طبيعتها ووظائفها المطلوبة منها في البيئة الديمقراطية التي تعمل فيها ولكن للأسف فقد كبُل الشعب بقيود قاسية لا يمكن أن يصار إليها في حالتي الحرب وإعلان الأحكام العرفية .
معالي الشيخ سعود الناصر الصباح ....
إن تاريخ التجارب الديمقراطية وعلى الأخص في البلاد الغربية، قد علمنا أن جوهر الديمقراطية إنما يكون بالتجسيد المخلص للمبادئ والمثل الديمقراطية القائمة على أساس حسن النية فالديمقراطية ليست أشكالا ونصوصا جامدة، وإنما هي سلوك وممارسة، وبدون الحرص عند التطبيق على المبادئ والمقومات التي تضمنها الدستور، فإن الديمقراطية تصبح مظلة فارغة بدون محتوى وشكلا بدون معنى، ولقد بات واضحا أن الغرض الحقيقي وراء سلوك الحكومة ومؤيديها وما تم من إجراءات وتصرفات هومحاولة إجهاض التجربة الديمقراطية وتزييف إرادة الشعب والقضاء على كل عنصر وطني يرفض الانصياع لأوامر الحكومة ولقد تذرعنا بالصبر الجميل رغبة منا في أن تصفوالنفوس وتستيقظ الضمائر وحاولنا جاهدين الوقوف في وجه هذا الاتجاه الجامح، والتنبيه إلى مواطن الخطأ والتذكير بحكم الدستور، عندما نلمس أن هناك انتهاكا للنصوص وافتئاتا على الحياة الديمقراطية، إلا أن محاولاتنا هذه لم تعد مجدية أمام تمادي وإصرار الحكومة ومؤيديها، وهكذا أصبحت مسافة الخلاف بين الحكومة ومؤيديها من جانب وبيننا من جانب أخر واسعة عميقة وتحول بذلك مجلس الأمة إلى مؤسسة لا ديمقراطية، ومصدر لقوانين جائرة لا تتفق وإرادة الشعب.
جريمة لا تغتفر
معالي الشيخ سعود الناصر الصباح ....
هذه بإيجاز حقيقة الوضع الراهن الذي نعيشه بالكويت وهووضع بات السكوت عنه جريمة لا تغتفر بحق مستقبل هذا الشعب، وهي في الحقيقة محنة رأينا أن نوجز عناصرها للمواطنين وللمجلس لأننا لم نعد نتحمل مسؤوليتها التاريخية وشعورا منا بأن الحرية والكرامة الإنسانية لم يعد لها وجود على الرغم من نصوص الدستور الذي هونقطة الانطلاق، كما جاء في مقدمته بالحرف الواحد، سعيا نحومستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية ويفيء على المواطنين مزيدا من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجموع وشورى في الحكم .
لكل ما تقدم وشعورا منا بأن أمانة الكلمة أمانة كبرى في أعناقنا يجب أن تؤدى بكل شرف ونزاهة وشعورا منا بأن القيام بهذا الواجب في ظل هذه الظروف أصبح أمرا مستحيلا، لذلك فإن السكوت عما جرى ويجري هومساهمة منا في تضليل المواطنين وإيهامهم بأن الديمقراطية في أمان في حين أنها تتعرض للتزييف، وبأن الدستور مصان في الوقت الذي تتعرض فيه نصوصه لانتهاكات صارخة.
وتجدر الإشارة هنا إلى إننا كنا قد تفاءلنا بوقت من الأوقات إلا أن تفاؤلنا هذا لم يدم طويلا، ولقد كان يحدونا الأمل في أن تأتي حكومة جديدة تصلح ما أفسدته الحكومات السابقة، إلا أن تشكيلها على النحوالذي تم، والبيان الذي قدمته إلى المجلس جعل الأمر لا مندوحة منه لانتفاء كل أمل في الإصلاح وتدعيم وحدة الشعب والمحافظة على المكتسبات الدستورية، وإزاء كل ذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى إعادة الأمانة إلى الشعب مصدر السلطات، طالبين منها المطالبة بانتخابات مبكرة لان لا الحكومة ولا المجلس يمثلان الرغبة الشعبية بالإصلاح والتمسك بالدستور وترسيخ الديمقراطية.
معالي الشيخ سعود الناصر الصباح ....
ما جاء بأعلاه قد يكون مفاجأة للبعض لأنه ما هوإلا خطاب كتب قبل خمسين سنة تقريبا على يد ثلة من أبناء الكويت الأبرار وتحديدا هونص استقالة أعضاء مجلس الأمة الدكتور احمد الخطيب والعم جاسم القطامي أطال الله بأعمارهم وأسدل عليهم ثوب الصحة والعافية والمرحوم سامي المنيس والمرحوم عبد الرزاق الخالد الزيد والمرحوم علي العمر والمرحوم يعقوب الحميضي والمرحوم سليمان المطوع، احتجاجا على إقرار قوانين مخالفة لروح الدستور، مع التصرف بتوجيه وإضافة وإلغاء ببعض الكلمات القليلة جدا جدا جدا لتتوافق مع أحداث اليوم ومتابعة مني بالجهود التي تقودها معاليك لمحاولة رأب الصدع الجديد القديم الذي أحدثته إشكالية محمد الجاسم وخالد الفضاله، فهذه الإشكالية ليست بجديدة ولن تكون الأخيرة فمنذ اقرار الدستور إلى يومنا هذا ونحن ندور بنفس الحلقة المفرغة، وفي بحثي عن جذور المشكلة التي نواجهها وقع بيدي نص الاستقالة فحاولت اختصارها بقدر الإمكان إلا أن كل كلمة بها كانت تعبر عن واقعنا الحالي فارتأيت أن انقلها بتصرف مع تعديل لا يتجاوز الواحد بالمائة وأعدت قراءتها عدة مرات فوجدت ذلك الواقع لم يتغير منذ نصف قرن لا بل من قرن تقريبا ومع ذلك ففحوى الاستقالة متطابق جدا مع الواقع الحالي، أي إننا يا شيخ سعود ندور بنفس الحلقة منذ قرابة القرن.
لذا فإن الإشكالية الحقيقة ليست بمحمد عبدالقادر الجاسم وخالد الفضاله وإنما الإشكالية تتمثل بالمنهجية والسياسة المتبعة بإدارة الدولة، المشكل يا شيخ سعود بالعقلية التي لا تريد التخلص من العقلية القبلية بإدارة الدولة، المشكل يا شيخ سعود يتلخص بالخلط ما بين إدارة الدولة على المنهج القبلي وبين المنهج المدني، فتارة يعلن بأن القانون فوق الكبير قبل الصغير بينما بالواقع والتطبيق العملي غير ذلك، وتارة يعلن عن مكافحة الفساد بينما قانون مكافحة الفساد إلى يومنا هذا لم ير النور، لذلك لا اعتقد بأن مقترح الحوار الذي سمعنا عنه سيكون مجديا، ولن يتمخض عنه شيء يذكر لان المشكل بالأساس هوعدم الايمان بدولة القانون والدولة المدنية خصوصا، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ننطلق للبحث عن أي حل منشود، والشاهد على ذلك تجاربنا على مدى القرن الماضي ونصوص وثيقة 1921 ووثيقة 1938 ومذكرات العدساني رحمه الله سكرتير مجلس 38 و1939 ونص الاستقالة المذكورة أعلاه وغيرها الكثير من الأحداث، ما هوإلا تعبير واضح عن استمرار الحال على ما هوعليه، ودعني أذكرك يا سيدي الفاضل فلدينا تجارب تاريخية كثيرة بالحوار على الأقل الحوارات التي عاصرتها شخصيا منذ سنة 1990 ولم يتمخض عن ذلك الحوار إلا المجلس الوطني والذي اسماه أهل الكويت المجلس الوثني، وحوار مؤتمر جدة أثناء الغزووالتعهدات التي قطعت بالعمل على عودة الحياة النيابة الدستورية بعد التحرير إلا انه فور تحرير الكويت عاد المجلس الوطني للانعقاد وكانت صدمة لكل الكويتيين، وبعد إلغاء ذلك المجلس الذي ولد من خارج رحم الدستور تفاءلنا بالخير ومع ذلك استمرت الحكومات المتعاقبة بالتدخل بالانتخابات بشكل سافر وتم تشجيع شراء الأصوات بشكل غير مسبوق لإيصال نواب محسوبين لا بل في جيب الحكومة كما يقال وزادت الأمور سوءا عندما أصبح الدينار هوسيد الموقف بشراء الولاءات حتى غدا المنصب البرلماني وسيلة سهلة للكسب الحرام ما خرب الذمم وبالتالي الدور الرقابي والتشريعي الحقيقي للمؤسسة التشريعية ومورست سياسة إعلامية مدروسة لتشويه صورة المؤسسة التشريعية تم على أثرها شراء أيضا ذمم كتاب وأعلامين والعديد والكثير من الوسائل الإعلامية التي أخذت تبث سمومها بالمجتمع.
وها نحن اليوم ندفع ثمن تلك السياسات غاليا، ومن جانب أخر يا معالي الشيخ سعود الناصر دعني أكون أكثر وضوحا وصراحة وأقولها لك بكل صدق وأمانة وصديقك من صدقك لا من صدقك ودعني اضرب لك مثلا لعله يكون اشد بلاغة من الكلام المباشر وأقول: من يسكن يا سيدي العزيز منزلا ويخطط لترك ذلك المسكن بعد فترة وجيزة لا يهمه إصلاح الأعطال التي تصيبه وإنما يترك تلك الأعطال ولا يهتم بها، هذا هوالواقع يا سيدي، هناك شعور بعدم الاستقرار بدليل في كل الخطب التي تلقى منذ خمسين عاما ونحن نسمع بأننا نعيش وسط بحر متلاطم الأمواج وإننا كلنا بتلك السفينة التي تتلاطمها الأمواج ويجب علينا التكاتف والتلاحم، حتى غدا هذا النوع من الخطابات ممجوج وغير مقنع لا بل خطاب يستغفل عقولنا مع الأسف الشديد، قد يقول قائل: يا سيدي ما هوالحل إذن ؟ وهوسؤال وجيه ارغب وبشدة الإجابة عليه واجزم بأن هذه الإجابة هي البلسم الشافي لكافة مشاكلنا التي نجترها من يوم أقرار وثيقة 1921 وحتى يومنا هذا، أقول: بأن الأمور أبان القرن الماضي كانت تحت السيطرة والتحكم ولكن بعد الغزووظهور أجيال جديدة لا تأبه بالعين الحمراء لا بل أجيال الكترونية لم تعد تأبه بسياسات ضرب الشيعي بالسني والبدوي بالحضري والداخل والخارج أجيال خطيرة يا شيخ سعود، وهناك من البوادر على السطح السياسي الكويتي تنبأ بذلك لكل متابع، لذلك يا شيخ سعود الحوار لن يسفر عن شيء.
وأذكرك بكل المقترحات التي قدمت للحكومات المتعاقبة منها الحوار الذي قادته جمعية الشفافية وأصدرته بكتاب وسلم للحكومة وبه كل شيء وأخر الحوارات التي تمت هوحوار مؤتمر دور الطبقة الوسطى في خطة التنمية ووصلت رسالتهم كلها للحكومة إلا إننا لا زلنا على طمام المرحوم فما الذي يمكن أن يقدمه حوار جديد في هذه المرحلة ؟ إلا إذ كان المراد منه امتصاص نغمة بدأت ترتفع بأمور لم تكن موجود بالسابق وتتماشى مع متطلبات العصر الحالي رغم هذا الكم الهائل من اليأس الذي عشعش بصدور الكويتيين من قرابة الخمسين عام لا بل من قرن من الزمن، فلنذكر معاليك بان ما يحدث اليوم ليس بجديد فهوقد بدأ عام 1921 عندما طالب رجالات الكويت بأن تكون هناك وثيقة مكتوبة ومتفق عليها حملت خمسة بنود وهذا ما كان بالفعل وما حصل وأهم بندين أساسيين الأول هوإصلاح بيت أل الصباح كي لا يجري بينهم خلاف والبند الثاني ينتخب من أل الصباح والأهالي عددا معلوما لإدارة شؤون البلاد على أساس العدل والإنصاف، إذن هي نفس المطالب منذ ذلك التاريخ وفي سنة 1938 كان هناك مجلس تشريعي صاغ قانون الإمارة في خمس مواد أساسية ومن أهم انجازاته التي احتوت على تسع انجازات وهي انجازات موثقة وأهمها محاربة الرشوة والفساد، وإصلاح أنظمة القضاء، وإصلاح الأمن والإدارة،وإصلاح المالية، وهي مطالب إصلاحية نطالب بها حتى يومنا هذا يا شيخ سعود هل يعقل ذلك يا شيخ سعود!؟ الأجداد والاباء والأبناء والأحفاد يطالبونكم بالإصلاح منذ قرن ولم يستجب لهذه المطالب حتى اليوم! واستمرت مطالب الإصلاح حتى عام 1962 بإقرار الدستور واستبشر الكويتيون بالخير بإقرار تلك الوثيقة ولكن لم يستمر ذلك الاستبشار طويلا وتم التصادم في عام 1967 وهي سنة التزوير ومن ثم سنة 1976 سنة الانقلاب على الدستور والتجاوز على مواده وحل مجلس 1985 أيضا بتجاوز على الدستور حتى مؤتمر جدة الذي تأملنا أن يكون بداية جديدة بعد الغزومستفيدين من تاريخنا الطويل الذي شارف على قرن من أقرار أول وثيقة دستورية بين الحاكم والمحكوم، لم يكن ذلك المؤتمر سوى التأكيد على الاتفاق والتعاهد التاريخي ورغم ذلك لم نجد له على ارض الواقع صدى يذكر، إننا اليوم يا شيخ سعود نثمن لك دورك وجهدك وعطاءك ولكن اسمح لنا أن نقول: بأن هذه الجهود وهذا العطاء لن يثمر أن لم يقترن بمواقف وسياسات أولها تغير منهجية إدارة الدولة واعتماد سياسة إدارة الدولة المدنية من خلال تطبيق القانون ومكافحة الفساد والابتعاد عن السياسات التي تدمر ولا تعمر وتمكين دولة القانون والدولة المدنية من أن تأخذ طريقها نحوالتطور والرقي وإبعاد الحرامية والمرتشين والمنافقين وهم بالمناسبة معروفون وإسناد الأمور إلى أهل الاختصاص والعلم والمعرفة والابتعاد لا بل ترك سياسة الولاء والبراء التي تقرب المنافقين ومساحي الجوخ وتحقيق مطالب أجدادنا وآبائنا التي جاءت بوثيقة 1921 و1938، لذا نحن الأحفاد لم نطالب بشيء جديد وإنما مطالبنا هي تحقيق أحلام أجدادنا فقط، عدا ذلك فسيكون الحوار مجرد محاولة لامتصاص تذمر بدأ يأخذ منحى غاية بالخطورة على مستقبل المجتمع أي مستقبلنا جميعا أسرة حاكمة وشعب مؤمن بدستوره، فمن يتحمل المسؤولية التاريخية يا شيخ سعود!؟ لا بل أن الاستمرار على هذه المنهجية لن نجد هناك من يتحمل المسؤولية التاريخية لأننا جميعنا سنضيع أمام المجهول
تعليقات