إنه رمضان يا عرب، إنه رمضان يا قوم
زاوية الكتابكتب يوليو 23, 2010, 5:19 م 1829 مشاهدات 0
سأسبق رمضان بأكثر من أسبوعين بمقالة وإن كنت قد نشرتها في غير جريدة الآن إلا أن مضمونها مفيدٌ وقيِّم ومذكر للجميع , والغاية فيه فاضلة وسامية ، وسأنزف حبراً لأدون بعض مصائب وطوام تحدث في رمضان، فرمضان لا يُحلو لعب كرة القدم إلا فيه، فدورات الكرة لاتنعقد بكثرة إلا في رمضان، فهي دورات رمضانية، وانعقادها لا يكون إلا والناس قيام يصلون التراويح، وفي الليل الذي من الأجدر أن نسمع فيه أنين النادمين، فترانا لا نسمع فيه إلا صياح اللاعبين، وفي رمضان تجد المطبخ أحب ما يكون للمرأة، ولا يحلو لها سراميك المطابخ وقرقعة الصحون ودوي الأفران إلا في رمضان، فتجدها منذ الظهيرة حتى طلوع فجر اليوم التالي وهي تبذل عصارة جهدها وتغرق في عرقها وهي تطبخ نافخةً لأجل بطونٍ جائعة وتروي بالفيمتو كبودا ظامئة.
وفي رمضان لاتنفتح شهية الناس على الشراء إلا فيه، فتجد المعارض والأسواق تعمر وكأنه اليوم الموعود، ويأتون الأسواق من كل فجٍ عميق، ليقضوا أوقاتهم ويسكبوا على تلك الدقائق والساعات وأهم أوقاتهم زيتاً ويشعلون فيها النار ليذهب عليهم ترة وحسرة، فتجد أصوات الأئمة تسير في سمائنا وبعضهم ينصب فخه في الأسواق معاكساً ليعود إلى البيت ظافراً بفتاته يوم يكون غيره قد ظفر بما هو أعز وأكرم ولاقياس بينهما.
وفي رمضان لا يحلو المشي إلا فيه، فتجد الممشى بعد صلاة العصر وقبل صلاة المغرب يعمر بالمشائين والمسجد يعمر بمن يتلو، فشتان بين تالٍ وماشٍ، سحقاً لرياضةٍ تسلب مني أعز أوقاتي وأنجعها، وأي وقتٍ أعز من العصر الذي أقسم فيه ربي فقال {والعصر} والله لا يُقسم إلا بعظيم، والله يُقسم بما يشاء من خلقه، فتجد العصر الذي هو غنيمة لكل صائم يقضيه بين دعاء وتلاوة وبر وفعل خير، تجد البعض يقضيه في مشيٍ وتسكعٍ ومغازلةٍ في ذلك الممشى عياناً بياناً وفي نهار رمضان والناس لربهم صيام!
وفي رمضان الماكينة الفنية تضاعف الجهد والطاقة، فلا تنفك ساعة... بل لا تمضي دقيقة على قناة إلا ومسلسل جديد وبلون جديد وبرنامجٍ جديد وقصص ومشاهدٍ استحت منها الشياطين ولم تقدر عليها، وقدر عليها أولئك لينسجوا شراك حبالهم ويصطادوا غنائمهم، وأنا أسأل : لماذا لا يجتهدوا بإنتاج مسلسلاتهم وبرامجهم في غير رمضان؟ لماذا لا يكون في ربيع الآخر مثلا؟ لمَ رمضان بالذات دوناً عن الشهور الباقية؟
إنه رمضان يا عرب، إنه رمضان يا قوم، إنه رمضان يا أهل القبلة، رمضان وليس غيره، من ضمن أن يدرك رمضان القادم فليخبرني هل سأدرك أنا معه رمضان؟ رمضان الذي اختاره الله واصطفاه على باقي الشهور، رمضان الوقت الذي لاتجد فيه بابا لجهنم مفتوحا، وأبواب الجنان مفتحة ومشرعة لأهل العزائم، إنه رمضان الذي قال صلى الله عليه وسلم عن المتخلفين فيه «خاب وخسر، خاب وخسر، خاب وخسر، من أدرك رمضان ولم يغفر له».
في رمضان لا يُقال إلا سوَّد الله وبيَّض الله، رمضان شهر تعصف فيه نفحات الرحمة بكثرة، وخصه الله بذلك، فإن لم تشعر بها وتتزود منها فلا خير فيك وموتك تخفيف ورحمة، وإن لم تُحب تلك الليالي في رمضان فماذا ستحب؟ إن لم تحب قراءة القرآن فماذا تحب؟ إن لم تحب عمرة في رمضان فماذا تحب؟ إن لم تُحب عبرة تسكبها في رمضان فماذا تحب؟ أشفق على نفسك ولا تليهنَّك ملاهي رمضان وغزوات أولئك الشياطين، انتبه واحذر وحاذر، فهم أعدوا عدتهم ليُبعدوك عن حقيقة رمضان، وافترضوا أن لرمضان حقيقة واحدة، وهي الملاهي والملهيات والتلفاز والمسلسلات والدورات والمشي والرياضة والطبخ، وكذبوا والله وخابوا وخسروا.
فرمضان حقيقته في القرآن والطاعة والبر والإحسان، وصلاة القيام والتبتل إلى رب الأنام، فغير ذلك زور وبهتان، أسأل الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يكتبنا وإياكم من المقبولين المرحومين.
والآن نحن في شعبان، شهر كما ورد في السُنة يكثر فيه الصيام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فاغتنم شعبان وبادر لصيام ما تستطيع فيه من الأيام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً» ألا تريد أن تبعد عن جهنم سبعين خريفاً؟ وسمران يحييكم.
تعليقات