من سيحمي مدينة الحرير؟

محليات وبرلمان

6473 مشاهدات 0


في عام 1986م تم تكليفي للعمل مع مهندس يوغسلافي من هندسة المنشآت العسكرية لتصميم مبنى لقيادة القوة الجوية الكويتية، وكملازم متحمس رحت اشرح التفاصيل لآمر القوة الجوية في حينه المرحوم العميد الركن طيار داوود سليمان الغانم، الذي لم يكن متحمسا للفكرة كحماسي لها، حيث بدد حيرتي قائلاً : بعد انتقالنا من مطار النزهة الى مطار الكويت الحالي في مطلع الستينيات وكانت الكويت حينها تشهد نهضة عمرانية كبيرة، طلبنا ان يتم بناء قاعدة جوية تضم مبنى للسرب والصيانه والقيادة بدل الغرفتين وحضيرتي الطائرات التي كان يعمل بها اكثر من 15 ضابطا بين طيار ومهندس، وبعد خمس سنوات يئسنا من الوعود  فحملنا صناديق كانت توضع بها خوذات الطيران وجلسنا عليها في حركة تعبر عن احتجاجنا، وقلنا سوف نستمر في الطيران فنحن عسكريين لا نرفض الأوامر، لكننا سنبقى في الشمس والحر ولن ندخل الا مبنى قيادة جديد، ويكمل داوود رحمه الله قائلا :تمضي السنين حيث اصبحت آمرا للقوة الجوية بعد المرحوم مرزوق العجيل وبدر العتيقي دون أن يرى مبنى القيادة النور اثناء خدمتنا، ومات مشروع مبنى القيادة الذي تحمست له كما تنبأ داوود الغانم، وبعد الغزو العراقي الغاشم تم على عجل بناء قيادة متواضعة للقوة الجوية بنظام المباني سابقة التصنيع، ولم يبنى للقوة الجوية تلك القيادة المرجوة رغم مشاركتهم في  حرب 67 و 73 و الصامته والغزو والتحرير ،فالعسكري يعمل في كل الظروف .

لقد أقر مجلس الأمة خطة الحكومة التنموية البالغة قيمتها 125 مليار دولار وتمتد على 4 سنوات، وتتضمن الخطة إقامة مشاريع بنى تحتية صحية وتعليمية واسكانية، وتشمل إنجاز جزء كبير من مدينة الحرير على مساحة 250 كم مربع، وليس الغرض من هذه السطور تقييم او عرض خطة الحكومة التنموية أو إيجاد الثغرات فيها، فهو أمراشارت اليه وسائل الاعلام المختلفة في تغطيتها للحدث، كما تعرض لها كتاب الزاويا مرة بالنقد البناء ومرة بالسخرية الفجة.

ولعل أول مايلفت نظر باحث في الشئون العسكرية والاستراتيجية  حين يقرأ عن خطة الحكومة التنموية هو اغتصابها لمسمى 'خطة' وفقدانها أهم ما تتضمنه الخطط من جوانب  عدة، ففي الخطط العسكرية وهي اشد مجالات الرؤية الاستشرافية للمستقبل جدية وخطرا، يضع المخطط بدائل لخطته الرئيسية تقلل من حجم الخسائر عند الفشل، وقد غاب عن خطة الحكومة التنموية بشكل معيب اي بديل او إجراء مساند واحد، في حين ان الخطط تتطلب ثلاثة بدائل، مما يخرجها من مظلة الخطط ويدخلها في مجالات الطموح.
 
لقد جاء في الأهداف الاستراتيجية لخطة الحكومة التنموية: أولاً ' زيادة الناتج المحلي الإجمالي، ورفع مستوى معيشة المواطن'. أما الهدف الاستراتيجي الثاني  فهو ' اعطاء القطاع الخاص حق قيادة التنمية باعتباره قاطرة النمو'. أما  الهدف الاستراتيجي الثالث فهو'دعم التنمية البشرية' وكان آخر الأهداف الاستراتيجية لخطة الحكومة التنموية هو 'الإدارة الحكومية الفعالة'، ولانستند في رأينا على قراءة انتقائية أو منحازة، لكن من حقنا أن نسأل بكل نبرات الصوت حتى البكاء، اين المحور الأمني في هذه الخطة التي يقودها القطاع الخاص؟ السنا في خضم بيئة امنية موحشة على أطرافها القلق من تحقق مشروع نووي ايراني مخيف، والقلق من هجوم غربي مدمر، والقلق من انسحاب امريكي من العراق يعقبه فراغ قوة وعدم استقرار؟ السنا في حاجة الى من يحمي نتاج هذه الخطة بعد اربع سنوات؟ نقول ذلك ونتذكر الخطة الدفاعية الطموحة التي تمت في منتصف السبعينيات، وتم خلالها بناء قاعدتين جويتين ولواء للدفاع الجوي والوية برية وقاعدة بحرية، وتسلحنا بالسكاي هوك والميراج والغزال والهيركيوليز والبيوما وصواريخ الهوك،والبي ام بي ، حيث قفزت تلك الخطة بالمؤسسة العسكرية الكويتية قفزة جعلتها في موقف مميز إبان الحرب العراقية الايرانية.

إن القصور مع أل تعريف ضخمة، هو القصور الذي لا يعدل حين ظهور اعوجاجه، وهذا شأن حكومي عليها تلافيه . كما إن من الأجدر بمن طالبوا بالتشريعات حماية لمكاسبهم المستقبلية في ثنايا خطة الحكومة التنموية، أن يطالبوا بأول حقوق الوطن وهو أمنه، كما أن على المشرع أن يعي أن هذه الخطة وإن كانت خطة اقتصادية بحتة فمن الواجب ان يسندها خطة أمنية تساويها في حجم الطموح؟

وسوف تصبح مدينة الحرير كما هو مخطط لها أكبر مركز مالي وتجاري وسياحي في المنطقة وتتألف من أربعة مراكز رئيسية هي: مدينة المال، مدينة التسلية والترفيه، المدينة الثقافية والمدينة البيئية، فهل من الحصافة القول ببناء'مدينة التسلية والترفيه ' ويبقى العسكري الكويتي في نفس الهياكل التسلحية والتدريبة التي نفذت ضمن خطة اعادة الاعمار قبل 20 عاما، بناء على فتوى ان العسكري يعمل في كل الظروف، فمن سيحمي مدينة الحرير؟

الآن: د.ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك