الرشيدي يكتب عن لجان التحقيق الحكومية بشأن تجاوزات القياديين لتعطيل الصفقات من أجل العمولات

زاوية الكتاب

كتب 1171 مشاهدات 0


 

  
 
مورفين التحقيق الحكومي
 
الأربعاء 7 يوليو 2010 - الأنباء
 
 

مدير تسويق إقليمي لإحدى كبريات الشركات العالمية خرج غاضبا قبل سنوات من مكتب أحد القياديين السابقين «من الوزن الثقيل»، وقد بدا عليه الغضب الشديد وهو يرغي ويزبد، وعندما سأله مرافقوه عن سر غضبه الشديد وهو الذي جاء لعقد صفقة من أجل شركته، قال بلهجته اللبنانية الخالصة: «صاحبكم قالها لي بالمشبرح... بدو كوميشن»، طبعا المدير التسويقي رفض دفع العمولة والقيادي رفض الصفقة التي كان يمكن أن توفر على الجهاز الحكومي الذي يديره عشرات الملايين من الدنانير.
قصة من بين عشرات قصص البحث عن العمولة أبطالها مسؤولون وقياديون ولكن لم نر أيا منهم يذهب إلى النيابة.

وكلما أثيرت قصة تجاوز مالي في البرلمان سرعان ما تقوم الحكومة وأعوانها بالإسراع بطلب إحالة التجاوز المالي إلى لجنة تحقيق، حتى تحولت لجان التحقيق سواء التي يشكلها المجلس أو تلك التي تشكلها الجهات الحكومية إلى إبر مخدرة تنتهي بإماتة القضية وإلقائها في جب النسيان الحكومي، وأصبحت لجان التحقيق تلك أشبه بمورفين شديد يخفف أوجاع السرطان ولكنه لا يعالجه، وبعد جلسة علاج التخدير يخرج المتجاوزون بعقوبة أقصاها ضربة خفيفة على اليد تعقبها جملة «أحو بابا لا تعديها».

وقبل عامين تابعت وراء لجنة تحقيق شكلها أحد الوزراء للبحث في حقيقة تجاوز قيادي قام بإرساء مناقصة مليونية على أحد أقربائه، وأبلغني أحد مصادري أن لجنة التحقيق لم تعقد اجتماعا واحدا منذ تشكيلها قبل شهرين، وعندما سألته عن السبب قال لي: «الوزير ينتظر أن يخف الضغط الإعلامي بعد إثارة القضية في الصحف لكي تموت القضية وتنتهي ولكن إن نشر عنها أي شيء فسيباشر طلب نتائج التحقيق ويعيد تفعيل لجنة التحقيق»، نعم هكذا يمارس الوزراء التعاطي مع لجان التحقيق.

وأغلب لجان التحقيق التي شكلت ما هي الا إبر مورفين من النوع الثقيل للشارع وللصحف ولنواب البرلمان حتى يستكينوا ويصرفوا النظر عن التجاوز لينتشر سرطان الفساد أكثر وأكثر.

حتى عندما يقوم أي وزير بإحالة ملف تجاوزات إلى النيابة العامة يتعمد أن يكون البلاغ منقوصا أو مبتورا أو مجتزأ حتى لا يكون أمام النيابة العامة سوى رده إما لعدم جدية البلاغ أو لعدم توافر أركان الاتهام، ولا تلام النيابة في ردها لكون الجهة الحكومية تعمدت أن ترسل بيان الإحالة إلى النيابة منقوصا.

هذا الحال يمارس على الكبار، أما صغار الموظفين فيحالون إلى لجان تحقيق حقيقية، وتباشر تلك اللجان عملها منذ اليوم الأول ويمكن أن تنتهي من قرارها بتوصية فصل الموظف أو الخصم من راتبه لأنه غاب يوما أو يومين أو حتى شهرا كاملا دون عذر، ولكن عندما يسرق أحد الهوامير النافذين فلجان التحقيق يصيبها «عقر بقر» وترتعد فرائصها ويتصلون به بدلا من المرة ألفا برجاء تعطفه للحضور إليهم من أجل أن يستمعوا إلى أقوال سيادته وأغلبهم لا يحضر، أما الموظف الصغير فيستدعونه بالأمر وبالعين الحمراء ويقطعون رزقه ورزق عياله لأنه تجرأ وغاب عن عمله وكلف خزينة الدولة 500 دينار، أما الهامور الذي «لط» من خزينة الدولة مليونا أو مليونين فيكتفون بمعاتبته عتاب الاخوة في لجنة تحقيق تنتهي دائما إلى لا شيء.

كيف تريدوننا أن نثق بكم وأنتم تكيلون بـ 35 مكيالا، لا بمكيالين؟! فالموظف الذي تغيب تجعلونه «يلعن الساعة التي تعين فيها» وأما القيادي الذي تجاوز فتلعنون الساعة التي كشفت فيها الصحافة قضية تجاوزه.

أعيدوا الثقة إلى الشارع وعلقوا مقاصل العقاب للكبار قبل الصغار، وبعدها قد نجد لكم «غفارية» في سجن من تعتقدون أنه أساء لكم بالقول أو بالفعل أو حتى في ندوة عابرة.
 
 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك