دئي يا مزيكا الكلباني

زاوية الكتاب

كتب 2900 مشاهدات 0


دئي يا مزيكا، ومن الغد سأذهب إلى تسجيلات الوادي الفسفوري وسأستعيد ذكريات الماضي وسأشتري من عيسى الإحسائي إلى بشير شنان وما بينهما، وكل ميتٍ سأعيد صوته من الأشرطة ليُغني لي ويعيد الطرب الأصيل، ومن الغد سأدرس في جامعة مختلطة جنبا إلى جنب مع تهاني وأماني، الفخذ بالفخذ والمنكب بالمنكب مستقبلين قبلة العلم ورافعين أكف المحابر إلى المعلمين.
ومن الغد سأعلنها مدوية وسأتزوج تسعا من النساء عملا بالقول الشاذ للذين يرون بتحليل الزواج من تسعة، ومن الغد سأودع أموالي الطائلة بأكبر بنك ربوي ولو حاولت البنوك الإسلامية إغرائي وعرضت مالا يخطر على قلب تاجر ومودع، وذلك عملا بفتوى جواز الفوائد المالية وأحل الله البيع وحرَّم الربا، ويا دنيا احفظي ما عليكي من المفتين الحلوين، ونصيحة للناس بأن لا يتحنبلوا.
يا سبحان الله ! يا قراء إن إمام العصر والزمان وداهية الفقه وأصوله المجدد الإمام الكلباني الذي أفتى بتحليل الأغاني أخرج ما يدندن في صدره ويدين الله بهِ معلنها لوجه الله خالصة، ففتح الباب أمام الشباب كي يستمعوا لبريتني سبيرز وميحد حمد، وأن ما تدونه سبيرز وشاكيرا من الأغاني لا يعتبر من الحرام، وأن الأغاني بجميع أنواعها الجاز والروك والسلو جميعها في دائرة الحلال.
ومفهوم كلام الكلباني الذي لم ينطق بهِ هو كالتالي «لا بأس في استماع وصلة غنائية بين الآذان والإقامة أو في ركنٍ من أركان المسجد تدندن فيه وأنت متكئ على ظهرك أو مستلق على قفاك» فيا رب أغثنا وإنا لنستغيث بك فأجب!
ماذا بقي للحرام إن كانت المعازف من المباح؟ أنا هنا لست بصدد الحديث العلمي الصرف والنقاش الموضوعي للمسألة والتعاطي المستفيض معها، ولكني الآن بصدد أن أضرب بمرزبة على الفتاوى التي تخرج من أناس لا علم لهم ولا قدر، ولا دراية لهم ولا معرفة، وخاضوا في بحر لجي بلا نور علم يستنيرون به، نالوا ثقافة متناثرة بين بساتين العلم فاعتقدوا أنهم أمهر السباحين، فغرقوا وأغرقوا، أو قولوا إن شئتم ضلوا وأضلوا..
إن في بعض الفتاوى شرا كثيرا ورخصا ما أنزل الله بها من سلطان، وإن شئت يا قارئ أتيتك بما لا تتصور أو يخطر على بالك من زلات أتت على ألسنة جهال ومتعالمين، وزلات زل بها علماء أفاضل فلم يُصيبوا وفلتت منهم فكانت فلتة تبين أنهم بشر، ولا عصمة لهم من الخطأ والزلل، وهذه حكمة الله في البشر، ومن تتبع الرخص اجتمع فيه الشر كله، والخلاف في الشريعة ينقسم إلى خلاف معتبر وغير معتبر، أو سائغ وغير سائغ، ومسألة الغناء لا اعتبار لها من حيث الخلاف، فأمرها مقضي بتوقيع أكابر العلماء ونقولات الإجماع لهم ولا أقول نقل واحد فقط، ولن أتطرق للمسألة بتفاصيلها، بل سأنقل لكم بعض أماكن الإجماع لمسألة تحريم المعازف وليس كلها: يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتاب نزهة الأسماع في مسألة السماع، صفحة رقم 25 ما نصه «سماع آلات الملاهي كلها، وكلٌ منها مُحَرَّمٌ بانفراده، وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك» وقال الإمام البغوي رحمه الله في كتابه شرح السنة المجلد 12 صفحة رقم 383 «واتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف» وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب تحريم آلات الطرب صفحة رقم 103 «آلة اللهو كالطنبور والمزمار، آلة للمعصية بالإجماع» المقام يطول بنا يا قارئ ولدي الكثير لأنقل لكم ولكن أكتفي بالسالف.
وكل ما أتمناه ألا يكون قلبك يا قارئي كالإسفنجة، تمتص كل شيء، وإنَّ الإنسان ليحرص كل الحرص على أمهر الأطبة ليطبب جسده، وليحرص أشد الحرص على أمهر الحلاقين ليضبط شعره ويهندسه، ويحرص أبلغ الحرص على أبدع الكتَّاب ليقرأ لهم ويُمتع لُبَّه، أفلا يكون لدينك الذي هو رأسمالك اهتمام بأن تقصد القول الراجح وأمهر العلماء وإجماع أهل العلم وتقصد البحر وتترك القنوات !؟ وسمران يحييكم.

كتب: عبدالله بن خدعان (سمران)

تعليقات

اكتب تعليقك