محمد الجاسم يؤكد في كل يوم يقضيه في سجنه انه فعلا يعشق بلاده برأي شقيقته صبيحة الجاسم
زاوية الكتابكتب يونيو 25, 2010, 2:57 م 2869 مشاهدات 0
ذلك الحزن الدفين
كتب صبيحة عبدالقادر الجاسم :
ينقل عن احد القضاة القديرين قوله: أخشى الله لأن محاسبة القاضي والحاكم والعالم من اشد المحاكمات في الآخرة. ويذكر هذا القاضي كذلك ــ عن احدى القضايا ــ انه لم ينم طوال فترة المحاكمة بسبب القلق وحجم المسؤولية، لان القاضي العادل دائما ما يكون متعبا. تذكرت هذه الكلمات عندما حضرت جلسة المحاكمة الثالثة لأخي سجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم.
ما كنت اظن يوما أنني سأكتب في جريدة، وأنا التي اعتدت الكتابة على اوراق حكومية فقط سنوات امضيتها في عملي في بحث ودراسة قضية واحدة «التنمية في دولة الكويت». فالتنمية قضية تشمل جميع القضايا السياسية والامنية والاجتماعية، كما تشمل القضايا الاقتصادية والسكانية والادارية، ومحاولة تحقيق اهداف التنمية هو محور عملي عبر خطط واقتراحات محددة تضمنتها دراسات عديدة. استمعت الى آراء وأفكار سمو رؤساء مجالس التخطيط والى رجال دولة والى المتخصصين ووزراء ونواب الأمة، سجلت افكارهم وساهمت في بلورتها كما ساهمت في صياغة اعداد كثيرة من الوثائق والدراسات، كان الهدف محاولة تحقيق اصلاح ما في قضية ما.
حرصت على أداء عملي بأمانة وباخلاص وحماس حقيقي. وعندما تغيرت الشخوص وتغير مسار العمل واختلف اسلوب التعاطي مع مجلس التخطيط، واضحى فعليا بلا جدوى، وقراراته يتم نقضها بقرارات مضادة لها من مجلس الوزراء، قدمت استقالة مسببة، لكن ظل الامر يحدوني ان اصلاحاً ما سوف يتحقق في مجال ما ربما التعليم أو الاقتصاد أو الاسهل في مجال الادارة الحكومية، او لعله في محاربة الفساد الذي استشرى على نحو غير مسبوق. ولكن هناك حقائق قاسية ومزعجة تبعث الى النفس ذلك الحزن الدفين، لقد وضعوا رؤية لطريق الحرير، ثم لمدينة الحرير لتنتقل معها الكويت الى آفاق أرحب وأفضل، وتحدثوا عنهما كثيرا وتم تضمينهما في الرؤى الاستراتيجية، فلم نشهد الا طريقا للجمود في احوال البلاد والعباد، وطريقا للتراجع والتخلف، انه طريق التعاطي السياسي الذي يقوده اناس قفزوا الى السطح، سلاحهم الجمع بين السلطة والثروة، ومنهم من أضاف اليهما التحزب الديني، فكانت لهم السطوة. اناس محدودو الثقافة والفكر بيدهم يتم توجيه مسارات التنمية، فأضحت الكويت تواجه تحديات أشد قسوة، وتراجعت مؤشرات الأداء التنموي، واصبحنا نشهد هدرا متزايدا في الموارد المادية والبشرية، وانتشر التذمر واختفت بارقة الأمل بتحقيق اصلاح في أي مجال تنموي، فلا تعليم أفضل ولا حتى معالجة لزحام الطرق تمت. خرجوا علينا بخطة للتنمية ومشاريع لشركات اسكانية ومشاريع مليارية وقانون للتخصيص، يعلم يقينا المتخصصون انها غير مدروسة، وهي اما حبر على الورق او وسيلة لمزيد من الفساد والتربح غير المشروع، كما اضحى طريق الحرير هو طريق جديد يريدون فرضه علينا، طريق تكميم الأفواه ورفع الأقلام ومنع النقد لأحوال البلاد والعباد، فبلغ الأمر ذروته في حجز أخي محمد عبدالقادر الجاسم سجين الرأي، وأصبحت قضيته مثارا للتساؤلات.. الى اين نحن ذاهبون؟ وما هي صورة المستقبل وضمانات الامن الوطني لبلد صغير شكّل نظامه الدستوري احد اهم عناصر قوته بل ووجوده وحدّد هويته؟ واسأل: هل يعقل ان يصمت معظم ممثلي الأمة امام قضية حجز لسجين رأي؟ أين هم الوزراء والمستشارون؟ هل غدوا جميعا موظفين حكوميين؟ باي ضمير يؤدون اعمالهم، هل من يعيش خارج الكويت اكثر ممن يعيش في داخلها وينهبها عبر الشركات والمقاولات، ومن ادخل الفساد في العمل السياسي واصحاب الطموحات للوصول الى الكراسي هم الاقوى. يقف اخي اليوم في محبسه شامخا ومدافعا ليس عن حقه فقط، بل عن حق كل كويتي شريف ايضا. ان اخي يسجل بطولة لا يفهمونها ولا يقدرون عليها! انه في محبسه حر الضمير قوي الارادة يضرب مثلا رائعا في حب بلاده، انه فارس تواروا عن مواجهته لانهم يخشون مواجهة الفرسان.
في كتابه الرائع «روح الدستور» يذكر محمد الجاسم عن الديموقراطية «انها ذات شقين، فهي في شق منها قيمة انسانية شأنها شأن الحرية تصلح لكل مجتمع في كل زمان ومكان، وهي صفة ملازمة لصفة الانسانية، وهذا يتجلى في قاعدة حق الانسان في الاشتراك في ادارة مجتمعه وتقرير مصيره ومستقبله والتمتع بثروات بلاده، وفي الخضوع المتساوي لحكم القانون وحقه في المحاكمة العادلة، وغير ذلك من حقوق هي في الاساس مرتبطة بصفة الانسان». واين نحن منها؟
ان التفاعل مع قضية سجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم لم يعد محليا او اقليميا، انه تفاعل دولي، ومحمد الجاسم يؤكد في كل يوم يقضيه في سجنه انه فعلا يعشق بلاده مؤمنا ايمانا اصيلا ومخلصا بمبادئ الحرية والعدالة وحق الانسان في التعبير. ولانه يقدم تضحية حقيقية يزداد حجم هذا التفاعل وتتنوع ادواته واساليبه. انه بكل بساطة يؤكد لنا ان لا طريقا للحرير يعبد ولا مدينة للحرير تبنى بل انه ذلك الحزن الدفين.
سلمت وسلمت يداك يا ابا عمر.
صبيحة عبدالقادر الجاسم
تعليقات