الخليج العربي في استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2010

محليات وبرلمان

4699 مشاهدات 0


خرجت الاستراتيجية في المفاهيم الحديثة من زيها العسكري الخشن ولبست بدلة جورجيو أرماني «Giorgio Armani»، فرغم أن كبير الاستراتيجيين البروسي كارل فون كلازوفيتز قد عرفها بأنها (فن إعداد ووضع الخطط العامة للحرب)، فإن القوة العسكرية أصبحت مجرد إحدى الأدوات فيها، وفي استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية التي صدرت في مايو 2010م وضع الرئيس باراك أوباما في مقدمته لتلك الاستراتيجية رجال السلك الدبلوماسي ببدلاتهم الأنيقة وهم يقودون الجنرالات، بل وصفهم بخط الاشتباك الأول، وفي هذا مؤشر على استمرار تبني الإدارة الحالية لمبدأ الدبلوماسية الناعمة أو الذكية كما سمتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.
لقد تعرضت الاستراتيجية الأميركية التي صدرت مؤخرا إلى الكثير من النقد، ومن ذلك ما كتبه كلايف كروك «Clive Crook» في جريدة «الفايننشال تايمز» في 30 مايو 2010 تحت عنوان قصور استراتيجية أوباما الأمنية «Obama’s security strategy falls short» حيث وصفها قائلاً: إنها صيغت بنبرة إدارية تستخدم كلمات طويلة، معقدة وغامضة، لذلك خرجت مليئة بالتكرار والحشو الكلامي والقليل من المحتوى الفكري.
واحتوت استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2010م عبر صفحاتها الـ52 على عناوين رئيسة ثلاث هي: نظرة عامة على استراتيجية الأمن القومي، ونظرة استراتيجية، ثم الأخذ بمصالحنا والتي شملت الأمن، والرخاء، والحفاظ على القيم الأميركية، ثم النظام الدولي، لتنتهي بالخلاصة.
لقد كان من أوضح نقاط الاستراتيجية الأميركية الجديدة إقرار واشنطن أن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بكل شيء، ولا بد من أن يكون لديها شركاء، وهو شجعنا على تتبع محاور الاستراتيجية الجديدة بحثا عن موقع الخليج العربي ودول مجلس التعاون فيها كشركاء استراتيجيين، وحتى نستطيع قياس وزن الاستراتيجية الحالي بمقياس واشنطن لا بد من أن نذكّر بقيمة الخليج العربي لواشنطن منذ 30 عاما، حين أعلن الرئيس الأميركي جيمي كارتر ارتباط أمن الخليج بالأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية في خطابه الذي ألقاه عن حالة الاتحاد «State of the Union Address» في يناير 1980م، حيث قال كردّ على سقوط الشاه في إيران والاجتياح السوفييتي لأفغانستان: «إن أي محاولة من جانب قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وإنه سيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسائل ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية».
وأطل الخليج العربي في استراتيجية أوباما الجديدة من خلال محور مراكز التأثير الحديثة البروز أو الناهضة «Emerging Centers of Influence» حيث أشارت الاستراتيجية الجديدة إلى استمرار الولايات المتحدة في التعاون مع دول المجلس من الناحية العسكرية لجعل الأنظمة الدفاعية من كلا الطرفين قادرة على العمل بفعالية أكثر، وهو ما يعني وضع استراتيجيات دفاعية خليجية يمكن تكاملها مع الاستراتيجية الأميركية، وهذا ما تم بالفعل منذ عام 2006م حين بدأت دول الخليج -كل على حدة- بوضع استراتيجيات تشبه في محاورها وتتداخل مع الاستراتيجية الأميركية، لتكتمل الصورة بالإعلان في قمة مجلس التعاون الـ30 بالانتهاء من إنجاز الاستراتيجية الخليجية الدفاعية الموحدة. بالإضافة إلى ذلك التعاون الأميركي-الخليجي واستمرار دول المجلس في شراء السلاح الأميركي لتسهيل عمل المنظومات الدفاعية المتكاملة بين الطرفين، كذلك تشير الاستراتيجية الجديدة تحت هذا المحور إلى عزم واشنطن بالدفع لإنجاح التعاون بين الخليجيين وحلف شمال الأطلسي التي هي طرف فيه، من خلال مبادرة اسطنبول «ICI». كذلك تحدثت الاستراتيجية الجديدة في بدلتها المدنية الأنيقة عن مواصلة أميركا الضغط على دول المنطقة حتى يتسنى لشعوبها التي يمثل الشباب شريحة كبيرة منهم الحصول على حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، والإصلاح السياسي، ورفع القيود عن حرية التعبير، والتمثيل النيابي من خلال دعم واشنطن لمنظمات الحقوق المدنية، وتبني الشراكة في حقول التعليم والاقتصاد والعلوم والصحة.
كذلك جاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في محور الاستثمار في القدرات الإقليمية «Invest in Regional Capabilities» ونظر لمجلس التعاون كإحدى المنظمات الإقليمية التي يجعلها قربها من التحديات الإقليمية ذات ثقل مهم، وتأتي على قدم المساواة مع حلف شمال الأطلسي (NATO)، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة التعاون الأمني الأوروبي، ومنظمة الآسيان (ASEAN) ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة الدول الأميركية، كذلك ترى واشنطن مجلس التعاون كمنظمة إقليمية قادرة على المشاركة في إدارة الأزمات وقوات حفظ السلام الدولية، وفي ذلك نتفق مع كلايف كروك أن الاستراتيجية «مليئة بالتكرار والحشو الكلامي» حيث إن الولايات المتحدة قد حيدت دول المجلس من أهم قضيتين تغمسان يديهما في أطراف مياه الخليج وهما، قضية الفراغ الأمني في العراق وملف الطموح النووي الإيراني، وفي نفس محور مراكز التأثير الحديثة، جاءت المملكة العربية السعودية الشقيقة كإحدى الدول التي تعوّل عليها واشنطن في الخليج العربي ضمن ما يعرف اقتصاديا بمجموعة العشرين أو «G-20»، وهي الدول ذات الاقتصاديات الناشئة التي لها دور مهم في تحقيق استقرار السوق العالمية.
وفي الاستراتيجية الأميركية الجديدة جاء النفط الخليجي بوصفه خصما وليس بوصفه شريكا، وتحت عنوان تحويل طاقتنا الاقتصادية «Transform our Energy Economy» كانت هناك ثلاث نقاط ضد النفط الخليجي، أولها الدعوة الصريحة إلى التخلي عن النفط والتحول إلى استخدام مصادر طاقة بديلة، وثانيها البدء في التقليل من الاعتماد على النفط الأجنبي، وثالثها تبني سياسة تنويع مصادر الاستيراد القائمة حاليا بمعنى التخلي عن نفط الخليج لنفوط وسط آسيا وأميركا الجنوبية.
وإذا كانت بعض الدول قد مرت مرورا عابرا، فإن العراق كان حاضرا بقوة في استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2010م، ما يدل على شعور واشنطن بالفراغ الأمني الذي سيخلفه انسحابها، فقد أخذ العراق صفحة كاملة من الاستراتيجية، فقد ورد تحت عنوان أهم الأولويات الأمنية الوطنية «Advancing Top National Security Priorities» عزم إدارة أوباما على تحقيق أمن العراق ووحدته، وأكدت على الانسحاب العسكري من هناك وإعطاء العراقيين حقهم في السيادة على بلدهم، لكنها أوضحت أن بديل الانسحاب العسكري سيكون تقوية الوجود المدني الأميركي لخلق شراكة عراقية-أميركية طويلة الأمد.
أما جارتنا جمهورية إيران الإسلامية العزيزة، التي كنا نتصور أن الإدارة الأميركية لا تطفئ أضواء البيت الأبيض كل ليلة إلا بعد أن يجثو أوباما على ركبتيه ليقوم بالدعاء عليها، فإنها لم تأت إلا في هوامش الاستراتيجية وفي حواشيها، فقد ظهرت في خمسة مواضع لم تكن تمس أمن الخليج العربي بشكل مباشر، فقد وردت في محور الأولويات الأمنية الوطنية، وضرورة أن تلتزم طهران بما أقر في منظمة منع انتشار الأسلحة النووية «NPT»، كذلك قالت بضرورة معاقبة إيران وكوريا الشمالية على تمردهما على المنظمة، ثم راحت الاستراتيجية تتحدث عن عدم وجود مبدأ الاستفراد «singling out» بإيران في موقف واشنطن من منع انتشار الأسلحة النووية، وفي محور الشرق الأوسط الكبير «Advance Peace، Security، and Opportunity in the Greater Middle East» جاءت إيران في الاستراتيجية كمعوِّق لاستتباب الأمن في المنطقة، وصورتها الاستراتيجية كمعكِّر لصفو العلاقات بين دوله دون ذكر للتعسف الصهيوني.
ولأنه لا بد أن تكون قراءة أي موضوع مربوطة بسياقه الزمني، وجدنا أن الخليج العربي كان حاضرا في استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2010 بأسباب إيرانية، لكن حضوره لم يكن بنفس قوة الحضور الذي مثله في عام في يناير 1980 في مبدأ كارتر «Carter Doctrine» بأسباب إيرانية أيضا، فهل تراجع الخليج العربي عن قائمة الأولويات الأمنية الوطنية الأميركية؟

الآن: د.ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك