الاستجواب بين العلنية والسرية
زاوية الكتابكتب يونيو 14, 2010, 2:30 ص 2209 مشاهدات 0
تنص المادة (94) من الدستور على أن ' جلسات مجلس الأمة علنية . ويجوز عقدها سرية بناء على طلب الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرة أعضاء . وتكون مناقشة الطلب في جلسة سرية ' .
واستنادا لهذا النص يمكن استخلاص النتائج التالية :
أولا : الأصل أن تكون جلسات مجلس الأمة علنية ، ولعل الحكمة من ذلك تحقيق أمر هام في إطار العمل السياسي وهو رقابة الرأي العام ، وتمكينا للناخب من مراقبة أداء أعضاء مجلس الأمة والحكم عليهم من خلال هذا الأداء ومنحهم شرف تمثيل الأمة في الانتخابات التالية أو عدم منحهم مثل هذا الشرف .
ثانيا : جواز أن تكون الجلسة سرية على سبيل الاستثناء ، وهذا الاستثناء تدعو إليه دواعي الضرورة ، فقد تظهر ضرورة تبرر جعل الجلسة سرية لدواعي المصلحة العامة ، ولذا رفعا للحرج أتاح المشرع الدستوري مثل هذا الاستثناء .
ثالثا : أن جعل الجلسة سرية هو استثناء ، ولذلك يجب أن يعامل وفقا لهذا الاعتبار ، أي أن يفسر الاستثناء في أضيق نطاق ممكن ولا يتوسع في تفسيره ، فإذا كان الداعي له هو الضرورة، فإن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها .
رابعا : لم يميز المشرع الدستوري في الأحكام السابقة بين الجلسات بالنظر إلى الموضوع المطروح فيها أو المعروض على جدول أعمالها ، ولذا لا يتمتع الاستجواب بميزة في هذا الصدد تبرر جعل السرية ـ وهي الاستثناء ـ أصلا.
خامسا : بل قد يكون من اللازم تطبيق الحكم الخاص بسرية الجلسات باعتباره استثناء في أقصى أحواله بالنسبة لوسائل الرقابة على أعمال الحكومة لاسيما الاستجواب وطرح الثقة بالنظر للاعتبارات التالية :
1 – أن سرية الجلسة في هذه الأحوال قد يؤدي إلى تقليل فعالية وسائل الرقابة بالنظر إلى غياب رقابة الرأي العام.
2 – أن سرية مناقشة الاستجواب ـ ومن باب أولى طرح الثقة ـ يتعارض مع طبيعة هذه الأداة باعتبارها وسيلة محاسبة مغلظة ، والمحاسبة تكون أكثر غلظة إذا ما كانت علنية ، وهذا ما لا يتحقق إذا ما تم ممارسة هذه الأداة بشكل سري .
3 – يظهر التعارض جليا بين السرية ومناقشة الاستجواب بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء ، على اعتبار أن سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء (إعلان عدم التعاون) ـ وفقا للمادة (102) من الدستور ـ لا يترتب عليه حتما سقوط الحكومة بل يحكم في ذلك أمير البلاد الذي خيره الدستور بين أمرين لا ثالث لهما هما قبول استقالة الحكومة أو حل البرلمان ، وفي الحال الأخيرة إذا ما قرر المجلس الجديد عدم إعلان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء يعتبر معتزلا منصبه .
ووجه الدلالة في هذا الصدد هو أن حل البرلمان في المرة الأولى هو رجوع للأمة باعتبارها حكما على الحكومة والمجلس في استحقاق الحكومة لسحب الثقة ، فإذا ما أيد الحكومة فإنه بالنتيجة سيأتي بتركيبة من أعضاء المجلس تختلف عن التركيبة السابقة ، والعكس صحيح فإذا ما أيد البرلمان في سحبه للثقة من رئيس الحكومة ـ والحكومة بكاملها بالتالي ـ فإنه سيعيد الأعضاء الداعمين لهذا الأمر للبرلمان مرة أخرى لتمكينهم من إعلان عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وإسقاط الحكومة مرة ثانية في المجلس الجديد.
وعليه، تمكينا للرأي العام والأمة بأسرها من ممارسة دور الحكم بشكل سليم ، فإنه لا بد من مناقشة الاستجواب وطرح الثقة بجلسة علنية .
الخلاصة ، إنه وأن كان المشرع الدستوري قد فتح المجال ـ على سبيل الاستثناء ـ لمواجهة حالة الضرورة الملجئة ولدواعي المصلحة العامة ، فإنه يجب عدم التوسع في ممارسة هذا الاستثناء ، وعلى وجه الخصوص في الجلسات المتعلقة بوسائل الرقابة البرلمانية لاسيما الاستجواب وطرح الثقة ، حرصا على فاعلية هذه الوسائل ، وتمكينا للأمة من حقها في الرقابة على ممثليها .
الدكتور تركي سطام المطيري
أستاذ القانون الدستوري بكلية الدراسات التجارية
تعليقات